السر وراء وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإكثار من هادم اللذات

السر وراء وصية رسول الله

صلى الله عليه وسلم

بالإكثار من هادم اللذات

محمد شركي

[email protected]

من الوصايا الذهبية لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم قوله : " أكثروا من ذكر هادم اللذات " . فما هو السر وراء وصيته عليه السلام بالإكثار من ذكر الموت؟  فالحديث نفسه يتضمن الجواب من خلال وصفه عليه السلام الموت بهادم اللذات . فحياة الإنسان عبارة عن لذات ، واللذة من فعل لذ يلذ لذاذا ولذاذة الشيء إذا صار شهيا أي إذا ما اشتهي . والإنسان في هذه الحياة كثير الاشتهاء ، ومن ثم تكثر لذاته ، وهي أنواع مادية محضة ، ومعنوية محضة ، وخليط من المادية والمعنوية أو بينهما وشائج . واللذة نقيض الألم ، والإنسان بطبعه يفر من الألم وهو بذلك ينشد اللذة التي تدفع عنه هذا الألم أنى وجدها . والمعروف عن الموت أنه مفارقة الروح للجسد أو زوال الحياة عمن كانت فيه . وينعت الموت في الثقافة العربية بالألوان، ذلك أن الموت الأبيض هو الموت الطبيعي أو الموت المفاجىء بينما الموت الأحمر هو الموت قتلا ، أما الموت الأسود فهو الموت خنقا . ومهما يكن لون الموت فهو زوال الحياة ، ولا شك أن طعمه واحد بالرغم من اختلاف ألوانه . وجرت عادة الإنسان ألا يشعر بالموت إلا بعد زوال الحياة وخروج الروح من الجسد ،والحقيقة أن الإنسان يموت كل لحظة تمر عليه دون أن يشعر تماما كما يحيى كل لحظة ، وتتناوبه ثنائية الموت والحياة حتى تفارق روحه جسده نهائيا فينتقل من الحياة الدنيا إلى الحياة الأخرى حيث تنتقض ثنائية الموت والحياة فيتعطل الموت وتبقى الحياة أبدية  وحدها  مصداقا لقول الله عز وجل : (( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون )) . ومهمة الموت في الحياة الدنيا كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو هدم اللذات أي نقضها و إسقاطها كما تهدم وتنقض الجدران أو ما يشبه الجدران مما ينتقض  ويسقط .ومعلوم أن الهدم هو نقيض البناء ، والإنسان بطبعه منشغل في حياته ببناء اللذات إذ لا تكاد تمر به لحظة دون أن يطلب لذة ما أو يشيدها . والموت يطارد الإنسان في كل لحظة ليهدم لذاته . فقد يشتهي الإنسان لذة ما في الصباح فيأتي المساء وقد مات جزء من الإنسان وهو لا يشعر دون أن ينال لذته لأن الموت هدمها . وحتى إذا ما نالها فإن الموت يهدمها أيضا فتصير وكأنها لم تنل أبدا لهذا قال الشاعر:

تأمل إذا ما نلت بالأمس لذة = فأفنيتها هل أنت إلا كحالم

ومن خلال هذا القول يبدو أن كل وقت يمر على الإنسان يعتبر موتا أو مماتا ،والممات يطلق على وقت الموت في اللسان العربي ، ويؤكد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزولا قدما عبد حتى يسأل عن خمس ..." منها عن "عن عمره فيما أفناه " وإفناء العمر عبارة عن موت ، ومع فناء العمر باستمرار تهدم اللذات باستمرار سواء التي أصابها الإنسان أو التي أخطأها ، وظل يمني النفس بإصابتها . والله عز وجل وحده يقرر نهاية الإنسان في هذه الحياة  وكيفية هذه النهاية ، وقد يمهل  وقد يعجل  ، وإذا أمهل أعذر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعذر الله إلى امرىء أجله حتى بلغ الستين " وقال العلماء معناه لم يترك له عذرا إذ أمهله هذه المدة ، ويقال في اللسان العربي : أعذر الرجل إذا بلغ غاية العذر . ولما كان أمل الإنسان طويلا عريضا في هذه الحياة فإنه ينشغل بطلب اللذات أو بنائها وينسيه ذلك هادم اللذات ، لهذا نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكر هادم اللذات أو الإكثار من استحضاره . والحكمة من إكثار ذكر الموت هادم اللذات هو كثرة اللذات التي تشغل الإنسان عن ذكر هذا الهادم المتربص بها  وبصاحبها . ولذات الإنسان كثيرة ومتنوعة ولا نهاية لها ، وهي تتناسل بكثرة ويغري الإنسان الأمل بها . ويعمد الإنسان إلى التخطيط لنيل هذه اللذات فيجعل بعضها قريب الأمد وبعضها متوسط الأمد وبعضها الآخر طويل الأمد دون أن يفكر في الهادم المتربص به وبها ، وإذا ما فكر فيه كان تفكيره قليلا ولم يكثر التفكيرفيه .ويخطط الإنسان في بداية حياته للذة الحصول على عمل يضمن قوته ، ولذة المأوى، ولذة الاقتران، ولذة الانجاب ... فإذا أصاب هذه اللذات شرع في التخطيط لأخرى كلذة  حضور اقتران الأبناء ، ولذة الحصول على أحفاد وأسباط ... ويستمر في التخطيط للذات حسب سنه لأن عامل السن يلعب دورا في تحديد توع هذه اللذات . ولو سئل أطول الناس عمرا عن مشاريع لذاته ساعة حضور أجله  لكانت كثيرة كثرة مشاريع مبتدىء  في الحياة . ويأتي هدم اللذات فجأة إذا جاء أجل الإنسان ، فينصرف عن هذه الحياة  مخلفا وراءه مشاريع لذات بعضها يعرفها أقاربه  ومعارفه ، وبعضها يبقى علمها عند الله عز وجل  لا يعلمها إلا هو .  وعندما تعتل صحة الإنسان ، والمعتل يكون أكثر عرضة للموت من غيره يجد نفسه مضطرا للتفكير في مشاريع لذاته  الطويلة العريضة المهددة بالهدم من طرف هادم الذات ، ويشعر بألم كبير بسبب ذلك ، ويمني النفس بمديد العمر لتحقيق ما خطط له من لذات لا نهاية لها . وعندما تأتي سكرة الموت بالحق  وهو ما كان الإنسان منه يحيد يترك فجأة التفكير في مشاريع لذاته ليفكر في آثامه  وتقصيره  في حق خالقه وفي حق المخلوقات ، ويود لو أن بينه وبين هذا التقصير أمدا بعيدا لأنه  يستيقن ساعتئذ أنه سيواجه المساءلة  والمحاسبة . والذي يعمل  بالنصيحة الذهبية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكثر من ذكر هادم اللذات يبادر إلى تصفية ملفات التقصير مع الخالق سبحانه ومع المخلوقات . ولئن كان الأمل يحذوه في تجاوز الخالق سبحانه عنه ، وهو غافر الذنب  وواسع الرحمة ،فإن أمله في صفح الخلق عنه ضئيل خصوصا، وأن هذا الخلق يفتقر يوم المساءلة  والمحاسبة بين يدي الخالق سبحانه إلى ما يرجح  كفة حسناته على كفة  سيئاته ليكون من الناجين  ، ولا يجد ما  يحقق له هذا الترجيح إلا الأخذ من حسنات غيره ممن له عليك حق من الحقوق  أمام عدالة الخالق سبحانه الذي يغفر تقصير العباد في حقه  إذا شاء ، وهو الذي لا يضيره تقصيرهم في حقه شيئا ، ويقضي  بعدله بينهم في تقصير بعضهم في حق بعض .  وعندما يكثر الإنسان من ذكر هادم اللذات قبل  أن يبدأ بالهدم  فإنه يتذكر لا محالة  تقصيره في حق خالقه وفي حق المخلوقات ، وإذا حصل له ذلك كان كيسا عاقلا يدين نفسه قبل أن تدان، فيبادر إلى من قصر في حقهم بدءا بخالقه سبحانه ، وانتهاء بالمخلوقات يطلب الصفح والعفو منهم جميعا ليرحل إلى عالم الجزاء دون أن يكون متبوعا بحقوق عليه لم تؤد . وقد لا يتمكن الإنسان من التحلل من حقوق الغير مادية أو معنوية  لبعد الشقة  بينه  وبين أصحاب الحقوق  إما بموتهم أو بعدهم أو تعذر لقائهم فيستشعر الغصص في  حلقه بسبب ذلك ، ويتجرع مرارة الندم  ولات حين مندم.