وذاب الجليد

وذاب الجليد

عزة مختار

[email protected]

عشنا معا في رحاب بيت النبي صلي الله عليه وسلم مع حبيبته الطاهرة المحبة أمنا عائشة رضي الله عنها في مقالة " الثلوج الدافئة " ورأينا من بعيد صورة الحياة الجميلة والتي تكون بين حبيبين يفهم كل منهما الآخر ويحبه ويقدره ويسعي لإسعاده دون أن تكدر صفو تلك الحياة تلك الأسباب المادية التي نعرفها أو قد يحسب البعض أنها قد تكون سببا في تكدير صفو حياة الأزواج من ضيق في العيش أو غيرة من الزوجة أو انشغال الزوج بأمور كبري قد ترقي لتحمل هم العالم بأسره .

تلك هي أمنا  التي علمتنا كيف تكون الزوجة وذلك هو نبينا الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم والذي كما أسلفنا في مقالتنا السابقة أكثر رجال العالم إنشغالا فهو النبي المرسل والمنوط به حمل رسالة الهداية للبشرية كلها وليس هذا فقط وإنما الذي كانت يحمل هم البشرية في نفسه كالأب المشفق علي أبنائه من الوقوع في النار " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم " . ومع تلك المهمة الشاقة ، ومع هذا الأمر الجلل نجده صلي الله عليه وسلم أعظم زوج وأرقي إنسان في التعامل ـ ليس مع زوجة واحدة وإنما مع زوجات عديدات ـ تشعر كل واحدة منهن ـ رضي الله عنهن جميعا ـ أنه زوج لها وحدها ، وأن الوقت القليل التي تقضيه معه يكفيها لأن تكون أسعد نساء الأرض كلهن فلا انشغاله صلي الله عليه وسلم  وعظم مهمته في الحياة كان دافعا للتقصير في حق زوجاته ، ولا فقر الحال وشظف العيش الذي كانوا يعانونه سببا في أن يخترن فراقه صلي الله عليه وسلم حين نزلت آية التخيير بينه وبين أن يمتعهن في الدنيا ويسرحهن سراحا جميلا.

إذن فما الذي حدث اليوم بين الأزواج رغم سهولة الحياة نسبيا ورغم الثقافة والتعليم  ؟

إن المشكلة من وجهة نظري تتوزع بين الطرفين مناصفة حين يبدأ كل منهم في ترديد كلمة " حقي " .

 ودائما تكون الردود هكذا :

الزوجة : ما أجمل هذا الكلام وما أجمل العيش في رحاب الإسلام الذي حافظ علي حق المرأة في الحياة الكريمة وما أروع الزوج الذي يحافظ علي ود زوجته فهو يلاطفها دائما ويبدأ معها حلو الكلام وحلو الفعال ويتمني لها الرضي ويسألها دائما عما يسعدها ليفعله وما يضايقها ليحمله عنها ، يساعدها في شئون البيت التي تنوء بحمله ، يشاركها في تربية الأولاد ولا يلقي بالعبء وحده عليها ، دائم الخروج معها ليجدد حياتها  ، يسعده قربها ولا يملها ، لا يكفيه الوقت الذي يقضيه معها ولا يكاد الحوار بينهما ينتهي ، تجمعهما الصداقة والأخوة كما يجمعهما الحب وبيت الزوجية ، ثم تتنهد لتقول : ولكن هيهات هيهات أين ذلك الزوج إنه كلام في الكتب

الزوج : كلام رائع ذلك الذي تذكرونه عن البيت الذي يجب أن يكون ، ولكن أين تلك الزوجة التي تفهم متطلبات زوجها دون أن يطلب ؟ أين تلك الإنسانة التي تبدأ بالعطاء وحتما سيكون رد الفعل عطاءا اكبر منه ؟ أين هي تلك التي كانت تتغني بالسعادة فترة الخطوبة ، فكنت أري منها الوجه الجميل المبتسم دائما والصوت المنخفض والكلام الرقيق والحب الذي كنت اقرأه في عينيها  والدفء الذي كانت تمنيني به والهموم التي كانت تحملها عني بكلمات طيبة مما كان يجعلني في شوق جارف لتلك الحياة التي سأحياها معها  وإذا بي في النهاية اكتشف إنني تزوجت جلبابا مظهره ينم عن إنسانة واعية بأمور دينها وعالمة بشئون الحياة الزوجية تتقي الله في زوجها بينما باطنه فيه العذاب والنكد والمطالب التي لا تنتهي والوجه المكفهر الضائق دائما بشئون البيت والأولاد والعيش والحياة ومن يحيونها . ثم يبتسم الزوج ابتسامة سخرية ويقول : إنها حياة نقضيها وستمر وليتني ما فعلتها وتزوجت

تلك هي لب المشكلة لا أحد يحاول البدء ، كل طرف يبحث عن حقه هو ، كل طرف يريد من الآخر أجمل ما عنده دون أن يبحث في نفسه هل قدم هو أجمل ما عنده أم لا ، كل طرف يلقي باللوم علي الآخر في تدهور العلاقة وتجمدها دون أن يحاول هو أن يذيب الجليد الذي تتراكم طبقاته يوما بعد يوم .

وأهمس الآن في أذن حواء ، ابنة عائشة وابنة خديجة ، أنظري إلي فعل أمك وتعلمي منها وإلا فلن يفيدك الندم ولن يفيدك العناد إلا بعدا من زوجك وهروبه منك ما هو إلا رد فعل لتقصيرك معه وعدم فهمك لمسائل الزوجية وعدم تعلمك من أمك أطهر نسب تنتسبين إليه .

أختي الحبيبة انك إذا فهمت طبيعة زوجك لسهل عليك التواصل معه والتقرب إليه وكسب قلبه ، إذا اردتيه أن يستمع إليك ويتوق إلي الحديث معك فكوني مستمعة جيدة له ، افتحي له قلبك ، شاركيه ما يهمه ، لا تباغتيه بالسؤال أين كان ولماذا تأخر بمجرد وصوله إلي البيت وإنما دعيه يستريح أولا وقابليه بوجه طلق مهما كانت همومك ومتاعبك حتى يهدأ وسيقوم هو من تلقاء نفسه بالفضفضة إليك بكل ما كان في الوقت المناسب ، لا تكوني عونا للشيطان عليه ، استقبليه بابتسامة وكلمة ترحيب وحبذا بسلام حار وكوب من العصير البارد أو الدافئ حسب الوقت وحسب ما يحب ، فاجئيه دائما بتجديد نفسك كما كنت تتفنني وتبدعي في ذلك في فترة الخطوبة  ، كلمات الحب والتودد والدلال إياك أن تغفليها فإنها كفيلة بإذابة الحجر لا الجليد وكوني فيها كذلك متجددة ، ولا تقولي ولماذا أبدأ أنا ؟ لماذا لا تكون البداية عنده ؟ انه هو من أهمل وهو من كان السبب فيما نحن فيه اليوم ؟ وأصدقك القول يا أختاه أنني حين بحثت في طبيعة الطرفين وجدت أن المرأة قد جبلها الله عز وجل علي أن تكون هي دائما مصدر الحب والحنان والود والدفء في الأسرة بل هي صمام الأمان فيما تقدمه من عطاء إنساني يحمي كل أطراف العائلة وإنها حين تفتح باب العطاء دون سؤال عن القابل تسعد وتسعد كل من حولها وإذا قادها شيطانها فأخذت تسأل وتطلب وتتمنع وتفتح باب العناد فإنها تشقي وتشقي مل من حولها ، تعلمي من أمك عائشة وهي تسأل حبيبها " من أكثر من تحب يا رسول الله ؟ فيقول صلي الله عليه وسلم  ولم يا عائشة ؟ فتقول لأحب ما تحب ؟ فيقول عليه الصلاة والسلام : عائشة " ماذا تظنين يا حبيبتي وأنت تسالين زوجك حبيبك هذا السؤال ؟ من أحب الناس إليك لأحبه لحبك له ، انه حتى لو م يكن أنت لاستحي منك ومن أدبك وقلبك وملكت عليه فؤاده .

احرصي دائما علي نظافتك الشخصية وحسن مظهرك أمامه ـ بل خاصة أمامه ـ واحرصي كذلك علي أن تنهي المشكلة القائمة بينكما عند بدء الحديث فيها ولا تؤجلي مناقشتها إلا إذا طلب منك ذلك ورأيت أن الأمر سيستفحل بالتمادي في الحديث ولا تحاولي أن تنتصري لرأيك وفقط دون الرجوع إلي الحق إذا تبين خطؤك وإنما لا تستحي من الاعتذار وإبداء خفض الجناح .

لا تسألي لماذا تكوني أنت البادئة فأنت تملكين المفتاح بقلبك الكبير وعاطفتك التي فطرك الله عليها وسعة احتمالك وصبرك ، أنت المؤهلة للبدء في إذابة الجليد وأنتي المؤهلة للحفاظ علي تلك المؤسسة الهامة وهي الأسرة المسلمة ، أنت المؤهلة للبدء ولكن فقط استعيني بالله واحتسبي الأجر عنده فأنت بطاعتك لزوجك وحبك له والتودد إليه في رحاب طاعة هي بعد العبودية لله عز وجل فلا تضيعي أجرك باستعجال قطف الثمرة والندية مع الزوج الذي جعله الله سبحانه قواما عليك ، ثم اياكي واياكي أن تشتكيه لأحد خاصة أمك أو احد من أقاربك اجعلي مشكلاتكم دائما بينكما لا تتعداكما واحرصي علي أن تنهي الأمر سريعا فلا يبيتن وهو غاضب ، وتحدثي عنه دائما بالخير خاصة أمام الأهل والمعارف ، وتحدثي عنه بفخر فقد قالت أمك من قبل حين تحدثت مع حبيبها المصطفي " حدثني حبيبي "

وإليك السر الكبير في إنجاح أي علاقة زوجية وهو " شاركيه همه " ، لتكن قضيته هي قضيتك ، ليكن انشغاله هو انشغالك ، ليسعدك فرحه ونجاحه وتقدمه ، وليحزنك ألمه وخفقاته وغضباته ، شاركيه عبادته ، إذا جلس لتلاوة القرآن أحضري مصحفا واجلسي بجانبه ، أيقظيه لصلاة الليل وقومي معه ، اطلبي منه الدعاء فدعائه لك بركة وتودد منك إليه واستعيني بالله أولا وأخيرا فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقبلها كيف يشاء .

واليك أخي الزوج كلمة قصيرة : لا تنسي أن زوجتك هي أسيرة عندك فلتحسن أسرها ولتتقي الله فيها وكلمة حب منك كفيلة بان تذيب كثير من الجليد ، وكلمة عطف منك تشعرها بأنك تقدر تعبها من أجلك وتقدر حملها لعبء أولادك وتقدر تقربها لأهلك من أجلك  سوف تجعلها تبذل المزيد والمزيد كي ترضيك ، إن ما تفتقده المرأة عموما هو التقدير والشعور بما تبذله من مجهود لا يشعر به الزوج ودائما ما تقول انه لا يشعر بي وبتعبي فما فائدة أن أقدم له وهو لا يشعر أو يقدر ؟ امنحها ثقتك بعض الوقت وتقرب منها تكن لك كل الوقت واجعلها صديقة لك تسر إليها بما يهمك وتستشيرها في أمرك ، إذا قدمت لك شيئا جميلا فاثني عليها بكلمة رقيقة فلن تنساها لك ، اثني عليها إذا اهتمت بنفسها وأظهرت الاهتمام بإسعادك بتجديد بيتها ، اثني عليها أمام اهلك وأهلها فسوف تري منها العجب ، اظهر لها الاحترام أمام الأولاد حتى يحترمونها ووجههم إلي طاعتها والبر بها فسوف يعود عليك ذلك إيجابا ، اعلم أن زوجتك يرضيها منك القليل فلا تبخل عليها به وتعلم من حبيبك المصطفي صلي الله عليه وسلم الذي يسال أمام خيرة الصحابة وفي حديث يردد علي السنة المسلمين من أحب الناس إليك يا رسول الله فيقول صلي الله عليه وسلم " عائشة " فيقول عمرو بن العاص : ليس عن النساء اسأل بل عن الرجال فيقول عليه الصلاة والسلام " أبوها "

أسعد الله بيوت المسلمين وملأها خيرا وبركة وجعلها ذخرا للإسلام ولامته التي تخطو أولي خطواتها لبناء حضارة جديدة تملأ الأرض عدلا بعدما ملأت ظلما وجورا.