التفاؤل والإقدام بريد النجاح

التفاؤل والإقدام بريد النجاح

هائل سعيد الصرمي

[email protected]

لا تقعدكَ المثبطات، عن الوصول إلى هدفك , بل اسعَ فيه مستعيناً بالله ولا تلتفت للعوائق. قال راي كوريك: (استمر دائما، فلا يوجد شيء في العالم يحل محل الإصرار، فالموهبة وحدها لا تكفي، فهناك كمٌّ كبير من الفاشلين من ذوي المواهب, والذكاء وحده لا يكفي، فكثير من الأذكياء لم يجنوا من وراء ذكائهم شيئاً، والتعليم وحده لا يكفي، فالعالم مليء بالمتعلمين عديمي الجدوى، ولكن الإصرار والتصميم قادران على كل شيء)[1].

فلا تلتفت للمثبطات والعوائق مادمت بالله مستعيناً، مهما كان حلمك كبيراً وهدفك بعيداً. افعل الخير، ودعك من المثبطات.

قد يكون جهلك أكبر مثبط، وفي هذا المقام عليك تنفيذ الأمر (سمعنا وأطعنا)، وبمجرد الانقياد يأتي التيسير من الله سبحانه، ثم العون، ثم الرغبة في العمل، ( إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُو) القلم:32. فلا دفعنك الخوف وعدم وضوح الرؤية، أو غياب الحكمة عنك، على ترك فعل المأمور، فالغيب لله وحده. فإن الأمر صدر لبني إسرائيل، فلم ينفذوه تخوفاً وتثبيطاً. قال تعالى على لسان موسى]يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ[ [المائدة:21]، فجاءتهم المثبِّطات، ]قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ[ [المائدة:22]، فانبرى  رَجُلانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ؛ ليحرروهم من التثبيط، قائلين لهم إن في تنفيذ الأمر تحقيقاً للنصر، وإن لم يَبدُ لكم ذلك، فما عليكم إلا أن تدخلوا الباب فقط، وستُفتح لكم السبل، وتُهيئ لكم الأسباب، ]قَالَ رَجُلانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [المائدة:23]، لكنهم قعدوا وخافوا أناسا مثلهم ضعفاء:]قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ[ [المائدة:24]، ]قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[ [المائدة:25]، وهو دعاء بالتفريق بين الحق والباطل، فكتب الله عليهم التيه أربعين عاماً، ولم يدخلوا الأرض المقدسة بسب الخوف المثبط،]قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[ [المائدة:26]، ودخلها الجيل الذي جاء بعدهم.  قال العلماء:  لأن هذا الجيل عاش بعيدا عن الاستبداد، فلم تكن لديه العوائق والمثبطات التي كانت في أسلافهم الذين عاشوا تحت قهر فرعون. فكان النصر على يديه.

وخلاصة ذلك: أنّ على المؤمن أن يمضي في تنفيذ ما أمر به، وإن توالت عليه المثبطات، وإن بدا له عدم إمكانية تحقيق الهدف، من خوف يصيبه، أو عجز يعيبه، أو خطر يريبه، أو عدو يهابه،

وغير ذلك, فإن الله هو الذي بيده مقاليد الأمور، وسيُهيئ له في الطريق بعد مُضيّه ما يحقق له المطلوب، والذي لم يكن في حسبانه.

فانظر هُديتَ إلى الغايات أبلغها     تـــأتيك لو رمتها فالسعي أقــــدارُ

واحذر تثبطك الأوزار عن طلبٍ   تــــراهُ صعبا .. يُذلُّ الصعبَ إصرارُ

الصعب سهل إذا نادته أفئدة        توَّاقة ٌ  فنِدا التــــــــواق جــــــــــــــــــــراُّرُ

لا ينثني أبدا عن نيل  مطلبـــــــه      أدونه  البحر أم مـــن دونه  النـــارُ

ولو رؤوس المنايا دونه وقفت       أو حـال بينهما خسفٌ  وإعصـــار

يمضي ولا يلتــــف للخلف ثانية     يحـــدو خطاه الهدى والحــــق أمَّـــار

يقول جون هيجن:" المستحيل يكون ممكنا في كل المجالات الإنسانية وعندما نتخلى عن جميع الأفكار الخاصة بالحدود القاهرة , عندما نعرف أننا بلا حدود سنعيش العظمة التي بلا حدود للقدرة الإنسانية وستجدها متجسدة في كل المجلات  في الرياضة والصحة والفن والتكنولوجيا وكافة مجالات الإبداع والابتكار."

إن موسى عليه السلام، والبحر من أمامه، والعدو من خلفه قال: ]كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ[ [الشعراء:62]، وذلك جواباً على قومه عندما قالوا:]إِنَّا لَمُدْرَكُونَ[  [الشعراء:61]، ومعناها إن ربي سيجعل لي فرجاً ومخرجاً، وسيهيئ لي من النصر والتمكين مالا أعلمه، فاصبروا والله معنا ومعكم.

وهو ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لأبى بكر الصديق، عندما خشي أن يطلع عليهما كفار قريش في الغار، قال له: (.. ما ظنك باثنين الله ثالثهما)[2].

وكذا موقف الصحابة يوم بدر، قال تعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم: ]كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ـ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ[ [الأنفال:5_6].

وفي قصة طالوت عبرةٌ وعظةٌ توضح هذا المعنى، ذلك أن طالوت ما كان يعلم هو وجنوده أن عملية النصر ستتحقق لهم بمجرد أن يرمي داوودُ جالوتَ، فيرديه قتيلاً، فلما قُتل القائد تفرق جيشه الكبير، وفروا هاربين. كانوا واثقين بالنصر من الله _ رغم قِلَّتِهم _ ولم يكونوا يعلمون من أين يأتيهم النَّصر، لكنهم كانوا موقنين بأن الله على كل شيء قدير، فبعضهم صبر إلى حد معين من البلاء، وأسقطتهُ المثبطات في الطريق، قال تعالى بعد تجاوزهم للنهر: ]...فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ[ [البقرة:249]. لذلك علينا أن نثق بما نؤمله وإن كان بعيد المنال, فالله يقرب البعيد , مادام العبد ساعيا خلف أهدافه معتمدا عليه. فالنجاح حليفه

ثق أنَّ نيل المكرماتِ قريبُ        وفم الدهور بما أقول خطيبُ

كم همة خُلقت بحضن مصاعبٍ وكم القلوبٌ من المصاب تثوبُ

لا يَغرس الأشواك قلب مؤمل    أبداً ولا يجني السمو كئيــــــــــــــب

والعجز لا يغتال قلباً واثقاً         بالله  أو يثني قواه مــــــــــــــــــريبُ

تُبنى مقادير الشعوب على الإبا      وبه تقوم حضـــارة وتغيـــــــبُ

فإذا تغيرت النفوس وصممتْ       نحو الصعود تحقق المطلوبُ

فملأ نفوس العالمين  تفاؤلاً        ما للمعالي لو وثبت هــــروبُ

وأرنو إلى الهدف البعيد بهمـة     نيـــل البعيد لدى المجد قريبُ

               

[1]    الفقيه، إبراهيم ، قوة التحكم في الذات، سلسلة النجاح، المركز الكندي للبرمجة اللغوية العصبية، الطبعة الأولى، (2000م)، ص]28.

[2] البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله، الجامع الصحيح المختصر، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة - جامعة دمشق، الطبعة الثالثة، 1407هـ  ـ 1987م، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، عدد الأجزاء (6)، (4386)، [4/1712]