تقنين الشريعة الإسلامية.. الأمل المنشود

حسام العيسوي إبراهيم

حسام العيسوي إبراهيم

[email protected]

المقدمة

تاقت النفوس من أبناء شعب مصر العظيم منذ فترة طويلة إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، كما تطلعت إلى اليوم الذي يكون فيه مرد الأمر إلى أحكام الله تبارك وتعالى، التي فطرت عليها طبيعة هذا الشعب.

بالكلمات السابقة، استهل مجلس الشعب المصري الكتاب الذي أصدره سنة 1983م بعنوان " تقنين الشريعة الإسلامية في مجلس الشعب ".

ولا تزال نفوس أبناء الشعب المصري العظيم تتوق إلى تطبيق جميع أحكام الشريعة الغراء، لأن فيها – وحدها – صلاح أحوالهم في حاضرهم، وفي مستقبلهم ومستقبل الأجيال التي تأتي من بعدهم.

معنى تقنين الشريعة

المعنى اللغوي للتقنين:

نستطيع القول بثقة أن كلمة التقنين ليست عربية لأنها مشتقة من كلمة قانون، وكلمة قانون ليست عربية أيضاً، حيث ورد في لسان العرب: أن ابن الإعرابي قال: والتقنين الضرب بالقنين وهو الطنبور باللغة الحبشية، ويقال النرّد، وقال الأزهري: وهذا هو الصحيح، وأتقن الشيء: أكمله، وإتقانه: إحكامه، والإتقان الإحكام للأشياء, ومن ذلك قوله تعالى:" صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ " [ النمل : 88 ]، ورجل تقن: متقن للأشياء حاذق. وقانون كل شيء: طريقه ومقياسه .

وقال ابن سيده واراها دخيلة، والقوانين: الأصول، الواحد قانون، وليس بعربي.

وقال صاحب المصباح المنير: القانون الأصل والجمع قوانين .

معنى التقنين عند الفقهاء المعاصرين:

التقنين أمر حادث ولذلك لم يتعرض الفقهاء المتقدمون لتعريفه، أما الفقهاء المعاصرون فقد عرّفوا التقنين بتعريفات كثيرة منها:

1-      صياغة الأحكام في شكل مواد قانونية مرتبة مرقمة على غرار القوانين الحديثة   من مدنية وجنائية وتجارية... إلخ . وذلك لتكون مرجعاً سهلاً محدداً يمكن بيسر أن يتقيد به القضاة ويرجع إليه المحامون ويتعامل على أساسه المواطنون .

2-  صياغة الأحكام الفقهية في مواد قانونية سهلة لغرض تطبيقها في مجال القضاء .

3-  صياغة أحكام المعاملات وغيرها من عقود ونظريات في صورة مواد قانونية يسهل الرجوع إليها .

4-       صياغة الأحكام الفقهية بعبارات آمرة, والتمييز  بينها بأرقام متسلسلة ومرتبة ترتيباً منطقياً بعيداً عن التكرار والتضارب .

5-      وضع مواد تشريعية يحكم بها القاضي ولا يتجاوزها .

6-      صياغة الأحكام الشرعية في عبارات إلزامية لأجل إلزام القضاة بالحكم بها .

ونريد أن نؤكد هنا على أمرين مهمين وهما:

أ‌-                 إن تقنين الشريعة لا يقتصر على عدم إصدار تشريعات مخالفة لهذا النص " مباديء الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع " بل يتعداه إلى مراجعة كل قوانيننا السابقة على تاريخ العمل بالدستور، وتعديلها بالاعتماد على الشريعة الغرّاء .

ب‌-            أن التقنين يختلف عن التدوين، فالتدوين هو: كتابة الأحكام الفقهية بصياغة يراها المدون مناسبة من حيث الوضوح، ومن حيث اشتمال المدونة على الأدلة والنصوص، وقد لا يقتصر على قول واحد من أقوال الفقهاء، دون أن تكون على شكل مواد مرقمة ومسلسلة .

وقد يظن البعض بأننا بذلك التقنين نساوي بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، فثمة فرق كبير بينهما كما قال الأستاذ توفيق الشاوي رحمه الله:

فالقانون الوضعي ينشأ في الجماعة التي ينظمها ويحكمها، ثم يتطور بتطورها فتزداد قواعده، وتتسامى نظرياته، كلما ازدادت حاجات الجماعة وتنوعت وكلما تقدمت الجماعة في تفكيرها وعلومها. فالجماعة إذن هي التي تخلق القانون الوضعي وتضعه على الوجه الذي يسد حاجاتها وينظم حياتها، وهو تابع لها، وتقدمه مرتبط بتقدمها

أما الشريعة الإسلامية فهي ذات مصدر سماوي. هذا المصدر يسمو  على واقع الجماعة وفكرها. نصوصها المؤسسة من عندالله، ومصدرها الأول هو الوحي. ولم تكن الشريعة قواعد قليلة ثم كثرت، ولا مباديء متفرقة ثم تجمعت، ولا نظريات أوليه ثم تهذبت. وإنما نزلت كاملة من عند الله، شاملة جامعة تحكم كل حالة. مانعة لا تخرج عن حكمها حالة، شاملة لأمور الأفراد والجماعات والدول. لا ترى فيها عوجاً، ولا تشهد فيها نقصاً. ولم تأت لجماعة دون جماعة، أو لقوم دون قوم، أو لدولة دون دولة، إنما جاءت للناس كافة.

محاولات تقنين الشريعة في المجتمع المصري

بدأت محاولات تقنين الشريعة في المجتمع المصري بالمطالبة الشعبية بضرورة تطبيق أحكام الشريعة ، إلى أن تم في منتصف سنة 1982م الانتهاء من إعداد خمسة مشروعات قوانين طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ، هي :

-        مشروع قانون المعاملات المدنية ( 1136 مادة ) .

-        مشروع قانون إجراءات التقاضي والإثبات ( 181مادة ) .

-        مشروع قانون العقوبات (630 مادة ) .

-        مشوع قانون التجارة ( 776 مادة ) .

-        مشروع قانون التجارة البحرية ( 443 مادة ) .

وقد وافق مجلس الشعب بجلسة 1/7/1982م على تقارير اللجان الخمس التي اختصت كل لجنة منها بأحد تلك القوانين الخمسة ، وذلك بعد أن اكتملت صياغتها تمهيداً على عرضها على المجلس آنذاك .

وكان من المفترض أن يبدأ المجلس في مناقشتها في جلسة بتاريخ أول يوليو 1982م، أي وقبل فض دورته البرلمانية 1982م / 1983م . وكانت خطة العمل التي أعلنها الدكتور صوفي أبو طالب – رئيس المجلس آنذاك – تتضمن أن تقوم اللجنة الخاصة المكلفة بتقنين الشريعة بإحالة مشروعات التقنين التي اكتملت إلى اللجنة التشريعية بعرضها على المجلس ومناقشة كل قانون مادة مادة، ثم تقوم اللجنة ذاتها – بعد فض الدورة البرلمانية – بعقد جلسات استطلاع رأي، على أوسع مجال للوقوف على رأي المواطنين فيه .

ولكن، فجأة توقف كل شيء، ولم يحدث من تلك الخطة أي شيء في سبيل إكمال مشروع التقنين ووضعه موضع التنفيذ كما كان مقرراً عن البدء فيه !! .. لقد دخلت تقنيات الشريعة – منذ ذلك التاريخ – أدراج المجلس ولم تخرج للعرض عليه، كي يناقشها ويصدرها، ولا تزال حبيسة الأدراج، وقد مضى عليها في أدراجه ما يقرب من ثلاثة عقود ( يوليو 1982م – 2011م ) وبالرغم من مضي تلك المدة، لا يزال الأمل يحدو المصريين نحو بلوغ الهدف الذي تاقت إليه نفوسهم، وناضلت أجيالهم جيلاً بعد جيل للوصول إليه منذ ما يزيد على قرن من الزمان .

وبعد نجاح ثورة 25 يناير 2011م غدت كل الدلائل تؤكد أن هذا النضال ماض في طريقه، وأنه سيصل إلى غايته، وغايته – التي هي " سيادة الشريعة " – هي التي سترسم بسماحتها ملامح المستقبل الواعد الذي يتطلع إليه المصريون .

نقول ذلك ونحن نعلم أنه حدث " شبه انقطاع " أو تعطيل لكثير من مباديء الشريعة وأحكامها نتيجة لوقوع بلادنا – منذ قرنين تقريباً – تحت الاحتلال الأوروبي واستيراد القوانين الأجنبية . إلا أن هذا الإنقطاع وإن طال فمآله إلى الزوال، وهذا التعطيل وإن دام حقبة في الماضي فلن يدوم في المستقبل، وهذا لأسباب كثيرة، أهمها على الإطلاق هو أن: " الشريعة " تشكل جوهر " هوية " الشعب المصري، وأي نقص يحدث بسبب تعطيلها أو انقطاعها يساويه نقص في هوية هذا الشعب، أما الانقطاع التام أو التعطيل الكامل للشريعة فيعني فقدان هويته إلى الأبد .. وكل هذه الاحتمالات غير واردة بالنسبة للأمم العريقة في التاريخ والحضارة مثل الأمة الإسلامية بشعوبها ومجتمعاتها المتنوعة، وفي القلب منها مجتمعنا المصري .

المراجع

1-     موقف الفقهاء من تقنين أحكام الشريعة الإسلامية د. عبد المؤمن عبد القادر شجاع الدين .

2-     لسان العرب المحيط للشيخ جمال الدين أحمد بن مكرم الأنصاري الملقب بابن منظور.

3-     مختار الصحاح- للشيخ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي .

4-     المصباح المنير- العلامة أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقري .

5-     مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية-د. يوسف القرضاوي .

6-     مدخل الفقه الإسلامي- د. درويش الأهدل .

7-     جهود تقنين الفقه الإسلامي- د. وهبة الزحيلي .

8-     مسيرة الفقه الإسلامي المعاصر- شويش المحاميد .

9-              تقنين الشريعة بين المجتمع والدولة ، د.إبراهيم البيومي غانم ، مجلة الأزهر الجزء " 12 " لسنة " 84 " .

10-         مقال للشيخ صالح بن فوزان الفوزان- صحيفة الجزيرة السعودية، العدد 11913 بتاريخ 3/4/1426هـ.

11-         تقنين الشريعة – الشيخ  عبد الرحمن بن سعد الشتري- منشور في الموقع الإلكتروني :http://www.   Said .net، صـ10.