نافذة مشرعة على القلب

نافذة مشرعة على القلب

محمد الفاضل

قد تقسو عليك الحياة تارة وتدلهم عليك الخطوب وتنهار كل أحلامك دفعة واحدة وبدون سابق إنذار. وقد تعاني من تقلب صروف الدهر ونوازله وتارة اَخرى تحنو عليك وتجود بتجاربها المليئة بالعبر والعظات فتصقل روحك وتمدك بذلك الإحساس الرائع المترع بنكهة الحكمة وخبرات السنوات الطويلة بحلاوتها ومرارتها , فيصبح مزيجاً روحانياً ومخزوناً لاينضب  يلوذ به المرء ليتقوى به على مواصلة مشوار حياته اليومية الملئ بالمحطات التي يتوقف عندها المرء هنيهة ولكنه سرعان مايحزم حقائبه المليئة بالصور والذكريات , ويركب قطار الحياة الذي لايأبه بتغير المحطات أو حتى تغير الركاب فتراه يسير برتابة ولايعبأ بكل ذلك.

فما أن تنطلق الصافرة حتى يهرع كل الركاب بالصعود على متنه ولكل منهم حكاية  أو وجهة يود الوصول إليها . وقد يتأخر القطار أحياناً ولكنه لا يلبث أن يعاود رحلته من جديد.وقد يفقد المرء أعز مايملك في هذه الحياة فتتلبد سماء حياته بغيوم الحزن والأسى فيصبح كل ماحوله بلا طعم أو لون. عندها يتفاعل داخل شواطئ الروح مزيج من المشاعر والأحاسيس المفعمة بالشجن. ولكنه سرعان مايتغلب على تلك المشاعر السوداوية فيواصل مشوار رحلته وينسى همومه في خضم زحمة الحياة وضجيجها.

قد يلجأ المرء أحياناً للكتابة ويفتح نافذة القلب ليبث من خلالها لواعج نفسه ويطلق العنان لمشاعره الحزينة أن تطفو على السطح والتي تفيض جداولاً وغدراناً كنوع من الهروب من الواقع الأليم , أو ليسكب من خلال يراعه أحزانه وليبث همومه. فالكتابة بحد ذاتها تعتبر كالرئة التي يتنفس من خلالها الكاتب يلجأ اليها بين الفينة والأخرى ليطل من خلالها على عالمه الخارجي بحلة قد يكسوها الفرح أو الحزن العميق.

ولكن مايفوق احتمال المرء ويزلزل كيانه ويجعله يحس بعجزه التام ويشل تفكيره هو أن يرى أعز الناس على قلبه يعاني من خطب ما وبشكل يومي دون أن يستطيع أن يحرك ساكناً ليمد له يد العون ليخرجه من محنته تلك أو أن يرى الصرح الشامخ الذي عكف عليه طويلاً وأولاه عنايته وسقاه من عصارة محبته المتدفقة يتهدده أمر ما. عندئذ يتملك المرء شعور عارم بالألم والممزوج بالحسرة يخنق الروح ويجعلها تأن بصمت وحزن دفين فيطغى على مشهد الحياة برمته فلايستسيغ شراب أو يتلذذ بطعام فالأمرعنده يصبح سيان , فالطعم يشوبه غصة وحرقة مهما أضيف إليه من معزز نكهات.