مع الخليفة عمر والواقع الذي نعيشه

مع الخليفة عمر والواقع الذي نعيشه

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

كان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ حاكما عبقريا ، رزقه الله حاسة قيادية تدفعه إلى معايشة الأحداث ، ومعايشة المسلمين ومشكلاتهم على اختلاف أنواعها ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه : " لم أرى عبقريا يفري فريه (أي يحسم الأمور كما يحسمها ) ، وقال عنه : في كل أمة محدَّثون ( ملهمون ) فإن كان في أمتي أحد فهو عمر "  .

وفي هذا المقام يروى عنه الكثير والكثير ومن ذلك أنه وجد فريقا كبيرا من المسلمين لا يغادرون المسجد ، وقد انكبوا على تلاوة القرآن ليل نهار . فسأل من هؤلاء ؟ فكان الجواب يا أمير المؤمنين إن هؤلاء هم المتوكلون انقطعوا لقراءة القرآن ليل نهار . فسال : ومن يطعمهم ويسقيهم ؟  فأجاب الناس : كلنا يا أمير المؤمنين : فقال على الفور : كلكم خير منهم ، هؤلاء ليسوا المتوكلين ، ولكنهم المتواكلون ، وفي رواية ولكنهم المتآكلون ... يأكلون أموال الناس بالباطل . إنما المتوكل الحق من شق التراب ، وبذر الحب واعتمد على رب الأرباب إقرءوا إن شئتم " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " . الجمعة 9 ـ 10  .

يقول الشهيد سيد قطب  : " .... وهذا هو التوازن الذي يتسم به منهج الإسلام : التوازن بين مقتضيات الحياة في الأرض من عمل وكد ونشاط وكسب ، وبين عزلة الروح فترة عن هذا الجو وانقطاع القلب وتجرده للذكر ، وهي ضرورة لحياة القلب لا يصلح بدونها للاتصال والتلقي والنهوض بتكاليف الأمانة الكبرى . وذكر الله لابد منه في أثناء ابتغاء المعاش ، والشعور بالله فيه هو الذي يحول نشاط المعاش إلى عبادة ولكنه ـ مع هذا ـ لابد من فترة للذكر الخالص والنقطاع الكامل والتجرد المحض كما توحي الآيتان السابقتان " .

**********

واستحضارا للواقع الذي نعيشه نرى أن الثورة الحقيقية لإبداء الرأي في ميدان كميدان التحرير يتطلب الإعلان عن الرأي والمطالب لأمد يومي قصير ، ثم تعود الأمور إلى مجاريها دون تعطيل لعمل أو اعتناق لفلسفة " المتأكلين " أو "المتواكلين " . ويصدق هذا الحكم على الاضرابات الفئوية الخاصة . ومن قلوبنا ندعو الله أن يرزقنا الإيمان الصادق والانحياز للحق .