وفي أرضنا خزائن وكنوز

وفي أرضنا

خزائن وكنوز

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

إن المسلم يجب أن يتلو آيات الله البينات ( لا قراءة تلاوة ولكن قراءة معايشة ) . وقصة يوسف عليه السلام تحمل من الوقائع والأحداث الخاصة والعامة ما يصنع قيما ومثلا عليا في قصٍّ قرآني واع بليغ . ولقد كثف هادفية كل أولئك في آخر آية من سورة يوسف  :

" لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)  . يوسف " .

وهذه السورة بكل جوانبها تقدم لنا صورة متكاملة لشخصية النبي العظيم نفسيا وروحيا وسلوكيا وعقليا. ويهمنا منها أن نقف أمام ما يتعلق بنا ـــ نحن المصريين ــ 

فقد طلب يوسف من الملك أن يجعله على خزائن الأرض ، وبرر ذلك الطلب بأنه حفيظ عليم "

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) . " يوسف .

 واستقراء السورة يقدم إلينا يوسف الواعي العالم الذي قال عنه تعالى : " وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) " يوسف .

وتقرر اللغة أن  خزْن الشيء جعله في خزانته ، وخزْن اللسان حفظه ، وخزن السر كتمه ، فهو خازن ، وهم خزنة ، والخزانة مكان الخزن . وخزانة الاحتراق في الهندسة والميكانيكا الفراغ الداخلي الذي يحدث فيه الاحتراق . والخزان مجمع الماء . والخزين الشيء المخزون ، والمخزن مكان الخزن .

 والحفيظ هو الأمين الموكل بالشيء ، فهو يصونه ويرعاه .

**********

وإيراد " خزائن " بالجمع يقطع بأن مصر تملك خزائن ظاهرة وخزائن دفينة ، وهذه الخزائن في الأرض التي تضم هذه الثروة الضخمة . وقد ثبت أن أرض مصر مازلت بكرا حتى الآن . وحتى تستثمر لابد أن يقوم بهذه المهمة من توافر فيه صفات أهمها : الحفظ والعلم . وبتعبير حديث " التخصص الدقيق " ، ولكن الأمانة وراء كل ذلك . وهذا ما شهد به الملك ليوسف بأنه : " مكين أمين " .

 وقد شهدنا في العهود البائدة كيف نهبت أرض مصر وما ضمت من مناجم ووقود وغازات، كل ذلك لصالح فئة من اللصوص المنهومين . وبلغت الحماقة بالحكام ما رأيناه من تصدير الغاز لإسرائيل ،بينما يباع في مصر بأضعاف ثمنه ، والحصول عليه للمواطنين أصبح يمثل مشقة عاتية .

 ولا أنسى أنني سمعت أستاذنا  محمد الغزالي ــ رحمه الله ــ في إحدى خطبه في يناير سنة   1994  يقول فيها : " إن في مصر كنوزا لا تحصى ولا تعد، وخصوصا أرض سيناء ، وإذا أردنا أن نعيد لهذه الأرض إليها قيمتها المادية والمعنوية احتجنا إلى فلاح ومهندس زراعي وباحث في علم طبقات الأرض وقوة عسكرية تدافع عنها " .

فهل نجد في عهدنا الثوري من يأخذ الأمة وحكامها بهذا الأمل العظيم ، حتى نعيد لسيناء ، بل أرض مصر كلها اعتبارها المنشود .