إنه ينادينا 21
إنه ينادينا 21
د.عثمان قدري مكانسي
يقول الله تعالى في سورة الأحزاب: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا "(42)
أمر الله تعالى عباده بأن يذكروه ويشكروه , ويكثروا من ذلك على ما أنعم به عليهم . وذكر الله وتسبيحه سهل على الإنسان ميسر له ، وقد قال تعالى " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مُدَّكر؟" . ولعظم الأجر فيه قال ابن عباس : لم يعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غلب على عقله . وروى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون ) . والذكر الكثير المقبول الذي يثقل الميزان ما كان صادراً عن القلب ,
- ومن معنى الذكر الصلاةُ بكرة وأصيلا , والصلاة تسمى تسبيحا . وخص الفجر والمغرب والعشاء بالذكر لما فيها من آيات بينات تراها يومياً في تغيُّر الليل والنهار ، وهذا من عظيم قدرة الله تعالى، قال تعالى ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي )(طه (14). وقوله تعالى :إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ] الأعراف 206
- ويشمل الذكرُ التفكرَ كما جاء فى سورة آل عمران ( 191 ـ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) ، يتفكر الإنسان العاقل بتقلبات الليل والنهار، فمن قدَر على ذلك قدَر على إعادتنا يوم القيامة وقت يشاء وأن الله ما خلقنا إلا لأمر جلل ( عبادته سبحانه) فأرسل النبي عليه الصلاة والسلام ينادينا إلى الإيمان بالله والعمل بما يرضيه، فمن استجاب نجا ،ومن أمعن في الجهالة خاب وخسر
- بل يشمل الذكرُ مع التسبيح الكفَّ عن المعصية خشيةً الله جل وعلا حين يتذكر المتّقى ربه فيكثر من الاستغفار ويسارع إلى العمل الصالح ويتقرب إلى الناس يرضي - بالإحسان إليهم - خالقهم: ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ " 201 الاعراف ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران ).
- ولا بد فى الذكر من الخشوع القلبي والتضرع خفيَة- فالذكر الخفي يدل على الإخلاص- . يقول ربنا فى سورة الاعراف :( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) كما أن التضرع إلى الله يكسب الخوف منه والحب فيجتمعان ليرقيا بالمرء إلى العمل الصالح: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ (205)الاعراف )،فالخشوع والتضرع إلى الله في كل وقت يملآن القلوب إيماناً وعلماً ومعرفة ويزرعانه يقيناً وثباتاً على الصراط المستقيم، ويبعدانه عن الغفلة . أما الغافل فتسيّره أهواؤه وتطغيه .
- والدعاء من الذكر لِما جاء فى وصف دعاء النبى زكريا عليه السلام ( ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6) ( مريم )
إن الذكر الكثير دليل على تعلق المرء بمن أحب ، ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره وأطاعه فعمل بما أمر وانتهى عما نهى . والذكر الكثير يرفع الدرجات ويمحو السيئات ،ويُربي الحسنات ،ويحيي القلب ويقرّب إلى الحق، ويسمو بالنفوس فتترفع عن الدنايا ، ومن ذكر اللهَ ذكره اللهُ .
والتسبيح لله أمر مطلوب في كل الأوقات ،إلا أنه يتجلى أثرُه في ساعات معينة منصوص عليها في القرآن الكريم عند طلوع الشمس وعند غروبها، وفي الليل حيث يخلو المحبون بحبيبهم والناس غُفْل نائمون، وفي قيام الليل وفي أول الليل وآخره حين تغيب النجوم استعداداً لاستقبال النهار :(فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) طه ) ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) الطور ) ( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) ق).
- إن مخلوقات الله كلها إلا الكفار من الإنس والجن تسبح ربها ،فالرعد يسبح والملائكة ، قال تعالى :"وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلآئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ .الرعد1. وقالت الملائكة " وَإِنَّا لَنَحْنُ المُسَبِّحُونَ"
ومن الملائكة المسبحين حمَلَةُ العرش الذين يستغفرون للمؤمنين ..وما أجمل أن يستغفر لنا – معشر المؤمنين – الملائكةُ حملة العرش "الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ . رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ واتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيم . " غافر
والطير تسبح مع أهل السموات:"ألَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ والطَّيْرُ صَافَّاتٍ . كُلٌّ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ . واللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ".النور 41
وهذه الجبال العظيمة تسبح الله تعالى والطيور كذلك." وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ . وَكُنَّا فَاعِلِينَ . " الأنبياء 79 .
من روائع ما فعله سيدنا زكريا وقد فقد النطق ثلاثة أيام أنه لم يمنعه ما هو فيه من عدم القدرة على الكلام أن يدعو الناس إلى تسبيح ربهم :" فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمُ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا ". سورة مريم 11 .
وهذا سيدنا محمد رسول الله يأمره المولى أن يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وان الله مؤيده وما عليه في أداء رسالته إلا أن يسبح الله فينال القوة والثبات في سعيه " وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا . وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ . الطور 48 .
ولما سال موسى عليه السلام مشاركة أخيه هارون بالرسالة علل ذلك بقوله:" كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً " طه 33 .
وكلما نادى الكافرون بالباطل كان التسبيحُ الجوابَ بلسان العزة والجبروت.
أ- فحين زعموا أن لله شركاء أبطل زعمهم وأمرنا بتسبيحه عظم شأنه، فقال:"لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءالِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا . فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ". الأنبياء 22. وقوله تعالى" أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ . سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ " الطور 43 . .
ب- وحين زعموا لله ولداً وحّد ذاته وأمرنا بتسبيحه جل شأنه:" وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً . سُبْحَانَهُ . بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ". الأنبياء 26 " مَااتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ . إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ . سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ" . المؤمنون 91 . .
ج- وحين نسي المسلمون أن يظنوا الخير بإخوانهم وخاضوا في بهتان عريض دون بينة نبههم إلى العودة إلى الحق وأمرهم بتسبيحه جل شأنه.
د- وفي رد الملائكة على من اخطأ فعبدهم دون الله أنكروا ذلك وسبحوا بحمد الله" قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ . بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجِنِّ ،أَكْثَرُهُمْ بِهِم مُؤْمِنُونَ" . سبأ 41 .
هـ- إن التسبيح نجّى المؤمنين من مصائب كثيرة ومنها نجاة سيدنا يونس في بطن الحوت:" فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ . [للبث في بطنه إلى يوم يُبعثون" الصافات 143.
وينجيهم مما يخافون ، ومن الأمثلة على ذلك هذا الدعاء الرائع الذي يصل العبد بربه ، فيرجو النجاة
"وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ . 12 . لِتَسْتَوُواْ عَلَىَ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ . 13 . وَإنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ". الزخرف14.
إن من سمات المؤمنين أنهم كلما ذكروا الله تعالى سجدوا لعزته وسبحوا بحمده فقرنوا بين الذكر والتسبيح وثابروا على ذلك. فأجمل اللحظات حين يكون المرء قريباً من ربه.
"إنَّمَا يُؤْمِنُ بِئَايَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ" السجدة 15 .
إنه ليس اقرب إلى الله تعالى من ذكره وتسبيحه ،والقرآن الكريم والحديث الشريف مزدانان بهذين الكنزين الرائعين.
فهل وعينا ذلك وتقربنا إلى الله بهما ؟
إنه سبحانه ينادينا .. فهل سمعنا النداء ووعيناه؟