حفاة الفكر وحفاة الأقدام

أحمد الزرقاني

كنت و اثناء شبابي و ما زلت شابا حتي الآن متعلقا جدا بالعلوم الأدبية و الفلسفية و النفسية التي تتناول فكر الانسان و تصرفاته إلا أنني و حين كبرت و اطلعت علي الكثير من العلوم و المعارف و توغلت في الكثير من ألمجالات التي لم يكن مرادا لي أو لأي شخص الدخول اليها ، استوعبت بأنني إذا ما أرادت دراسة الفكر البشري ، فإن أفضل السبل لفهم و دراسة هذا الفكر هو ان أصبح أسكافيا لا عالما متخصصا في علم النفس .

الناس من وجهة النظر الاسكافية قسمان : حفاة فكر و حفاة أقدام . حافي القدم ، من يحس بصعوبات الحياة و يبدأ بالتفكير فيها بسبب عدم امتلاكه لحذاء يحمي قدمه مما سيستوجب التطور الفكري لهذا الشخص أي تغطيته لعورته الفكرية المدفوعة بالغريزة الطبيعية للبقاء المتمثلة بالعقل البشري ، أي ان هذا الشخص سيستدل علي كل شيء في هذا الكون عبر ذلك الحذاء ، فالحافي سيفكر بسبب عدم امتلاكه للمال بينما يمتلكه الغير ، مما يستوجب عليه دراسة المقاييس الاجتماعية و الدينية و السياسية الطبيعية التاريخية الخ من أمور قد تبدو متباعدة عن بعضها لكن ما ان تخطو خطوة إلي الوراء و تنظر اليها نظرة المتجرد حتي يبان الترابط الدقيق فيما بينها مما سيكشف لهذا الحافي الكثير و الكثير من الخوافي !

أما عن الحفاة فكريا ، فاولئك لديهم أقدام مغطاة ، و طالما ان القدم مغطاة و لا يوجد ما يؤذيها أو يعرقل صفو صاحبها ،لا شيء يستدعي التحرك أو التفكير لا بل ان الحافي فكريا لن يحس بأنه حاف فالقدم تتأثر بالصخور و الأشواك و الزجاج و المصاعب إلا ان الفكر لا يلمس فيزيائا حتي و ان مشي الانسان علي رأسه ، و الحفاة فكريا لهم مذاهبهم و توجهاتم الفكرية التي تكون عادة بشكل صبغات و زخرفات و زركشات علي تلك الأحذية التي يرتدونها في أقدامهم (و هي عادة مستورة من الخارج ) ، و بحكم عدم استدلالهم في هذه الحياة علي أي شيء سوي ذلك الحذاء الذي علي أقدامهم فان الكون كله بالنسبة لهم هو ذلك الحذاء ، و التاريخ ملئ بحفاة الفكر و حفاة الأقدام علي السواء ، فالكثير من الرؤساء و الزعماء ممن تكون أقدامهم مغطاة تنطبق عليهم كل الصفات التي تخص حفاة الفكر و هذا الأمر طبيعي بحكم حياة الرفاهية التي يعيشها هؤلاء الناس و خير مثال علي ذلك هو ضعف اللغة العربية لدي هؤلاء الرؤساء و الزعماء العرب الذين ارتادوا بالطبع مدارس عربية ، مقارنة مع اللغة العربية لدي احوازي قضي سنين عمره يدرس اللغة الفارسية في المدارس الفارسية بسبب تواطي حفاة الفكر رواد المدارس العربية ممن لم يستطيعوا تعلمها أصلا ! و حفاة الفكر ليسوا مقتصرين علي البشر في عصرنا هذا فالحفاة حفاة حتي و ان لبسوا كل القنادر الفكرية علي رؤوسهم فالتاريخ و النصوص يتكلمان عن حضارات و ثقافات فهمت علم الفلك و ترابطه مع هذا الكون ككل شيء آخر ، إلا أنها و بدل ان تستدل علي خالق تلك الآية عبر ذلك العلم ربطت كل ما في هذا الكون حول تلك الآية اي أنها أصبحت تقيس كل ما في هذا الوجود علي مقاييس تلك الآية ، فالشمس تطلع ليدور حولها كل الكون و يعبدها لا تنفيذا لتسلسل كوني دقيق من لدن عليم خبير ، قانون يحكم الكون ، صبغة إلهية في كل شيء تحدث عنها العلم لمن يفهم لغة العلم و شتان ما بين العلم و التكنولوجيا يا قوم . كما يلاحظ القارئ الكريم ، اختلاف في المذاهب و المدارس الفكرية ، إلا ان العورة الفكرية هي ذاتها .