"الأم".. عيد العمر

السيد إبراهيم أحمد

"الأم".. عيد العمر

السيد إبراهيم أحمد

[email protected]

 لم أحتفل هذا العام ولم أشارك في احتفالية عيد الأم التي تتكرر كل عام مع آزار، وتأخرت ــ متعمدًا ـ حتى أدق جرس الإنذار لأولئك الذين يحترفون طي هذا اليوم الذي تنتهي مراسمه بتقديم الهدايا للأم... ودمتم.

 في لقاء لي تليفزيوني عبر حلقة كاملة مخصصة عن الأم أفتيت بضرورة الاحتفال بعيد الأم رغم بدعيته عند جمهور العلماء؛ ذلك لأن هناك ضرورة مجتمعية تحتمه الآن، لأنه ــ ربما ــ صار المناسبة الوحيدة عند بعضهم التي يتذكرون فيها الأم ، وبالتالي يزورونها، وتنتظرها الأم المهجورة ليس طمعًا في أعطياتهم وهداياهم، ولكن شوقًا لرؤية وجوههم التي حجبوها عنها، ولقاء أحفادها التي لا تعرفهم ولايعرفونها.

 لماذا اختزلنا بر الوالدين في الأم؟! .. وصرنا نردد الأحاديث الشريفة التي يحفظها الكافة، حتى قر في وعي بعضهم أن الأم أهم وأن الوالد دوره ثانوي أو بمثابة "كومبارس" متكلم أو صامت، حسب الأحداث، لكن البطولة المطلقة فهيَّ للأم وليس غيرها، ولم تفلح تلك الحيلة في تغيير اسم "عيد الأم" ليكون "عيد الأسرة" لأن هذا سيشكل عبئًا جديدًا بتقديم هدية للأب .. وهذا كثير..!!

 كما لا أدري أيضًا، لماذا اختزلنا حب الأم والحنو عليها والاهتمام بها ووصلها في يومٍ واحد، ولما لا يكون العمر كله عيدٌ لها في حياتنا؟! .. ولا أدري لماذا يقترن هذا اليوم بالهدايا؟! .. فليس كل ابنٍ قادر على أن يجلب الهدية اللائقة، وهناك من الأمهات من تطمع، بل تشترط هدايا بعينها وتطالب بها، حتى كره بعض الأولاد هذا العيد، وتعلل بانشغاله وسفره كذبًا ليهرب من تلك التكلفة التي لا يستطيعها.

 وهكذا صار اليوم الذي كان من الممكن أن يكون فرصةً مناسبة للم الشمل إلى يومٍ للتملص والهروب وترك غصة في النفوس، ولهذا أفتى من أفتى ببدعيته، ولو كانت الأم عندنا هيَّ الحدث الهام في حياتنا، نزورها طوال العام، لا نحرمها منا ولا نحرم أنفسنا منها مع جلب المتيسر مما نطيق من حلوى أو فاكهة أو ما تحتاجه لما كان لزامًا علينا تكليف أنفسنا ما لا طاقة لنا به في يوم واحد .. ثم نعاود الانقطاع من جديد.

 الأم تصاحبنا رحلة حياتنا .. فى حياتها، وبعد مماتها، لاينقطع التواصل معها وبها، ولعل من عاين مثلي الحالين، يكون خير شاهد على ذلك، حيث كثيرًا ما أنسى أنها فارقتني، وأحاول الاتصال بها على هاتف منزلها، ثم تتداركني رحمة ربي تعالى، فأتذكر وأترحم عليها، وأما الحلم فهو المكان والزمان الذي يتسع دومًا للقيانا، وأما ذكرياتي معها وعنها، فذلك هو الذي يجعل غيابها عني كأنه الحقيقة الغائبة.. فما بيننا يبقى رغم الانقطاع في اتصال، وبدون فاصل، وكما عشتها في حياتها، أعيشها في حياتي، عمرًا مديدًا متصلاً، حبٌ يدوم العمر كله، فتمسكوا بعمركم بأمكم في أيامكم لا في يومٍ واحدٍ فقط.