خواطر فؤاد البنا 808

يا لقسوة الزمان على كرام اليمن، فهاهم رعاة الإبل بعد أن تطاولوا في البُنيان يتطاولون على سادة العرب الذين طاولوا السُّحُب واعتلوا ذُرى الأمجاد!

************************************************

كم من نجوم في سماء الإبداع في اليمن، الذي يُحكى أنه كان سعيداً ذات دهر، لكن هذا البلد المثقل بأناسه وتفاعلات تأريخه وجغرافيته، صار يأكل مبدعيه كما تفعل القطة بأبنائها، وكم من أناس كان يمكن أن يكونوا شيئاً كبيرا لكن تراب الإهمال طواهم وجعلهم نَسياً منسياً!!

************************************************

في مقابل وجود أخطاء قاتلة توجد أخطاء تحمل الحظ الوافر لأصحابها، وتترك آثاراً عظيمة في حياة الناس، وعلى سبيل المثال فقد خرج الرحالة الإيطالي كريستوفر كولمبس في رحلة لاستكشاف الشرق والوصول إلى الهند والصين عبر المحيط الأطلسي لكن أمواج الحظ حملته إلى  الشواطئ الشرقية لأمريكا، ولأنهم كانوا يظنون أنهم قد وصلو إلى الهند فقد أطلقوا على السكان الأصليين هناك مسمى الهنود الحُمر!*

*ومنذ تلك الآونة انعطف التأريخ الأوروبي انعطافاً حادا حيث جلب هذا الاكتشاف للغربيين عالماً جديدا فيه كل إمكانات التقدم ومقوّمات التفوق، من مواد أولية مجانية وأسواق مفتوحة وأيدي عاملة أرخص من التمر في سوق البصرة، وما نقص جيئ به من إفريقيا سُخرة بعد أن اختطفوا مئات الآلاف من الأفارقة وحوّلوهم إلى رقيق وليصبحوا وقودا لاستثماراتهم الضخمة في الزراعة والرعي ثم في التعدين والصناعة!

************************************************

يمكن تعريف العالِم الحَقّ بأنه "الذي يعلم أنه لا يعرف شيئاً"، وكان سقراط يتبنى هذا الأمر حتى أنه ذهب إلى أن رجل الدولة يجب أن يكون عاقلاً وراشداً بما فيه الكفاية لكي يعرف أنه لا يعرف شيئاً، ولقد كانت إحدى الحِكَم التي أطلقها سقراط هي: "إعرف نفسك واعترف بكم هو ضئيل ما تعرفه"!*

*وجاء من بعده تلميذه أفلاطون الذي عاش في مجتمع يتمتع بقدر من المعرفة المنقوصة وهو مجتمع أثينا، لدرجة أن كل شخص في أثينا كان يعتقد أنه عالم، فقيل لأفلاطون  يوماً: لماذا أنت وحدك في أثينا من يقول بأنه لا يعرف؟ فقال: "ربما لأني الوحيد الذي يعرف أنه لا يعلم شيئا"!*

*ولقد ظل هذا ديدن العلماء والمفكرين والفلاسفة الواثقين من أنفسهم في كل زمان ومكان، وهذا الفيلسوف الألماني المعاصر كارل بوبر يبدأ إحدى محاضراته للشباب بتحذيرهم من أنه لا يعرف شيئاً، مؤكدا أن البشر جميعاً لا يعرفون شيئا ولكن يمكنهم أن يُخمِّنوا، وذهب إلى أن "المعرفة الطبيعية لا تنشأ سوى من تخمينات أو افتراضات "، وصلى الله عليك يا ابنَ عبدِ الله، فقد قلتَ: " من ظنّ أنه عَلِم فقد جهل"، هذا من ظن فكيف بمن اعتقد وقطع وأيقن؟!

************************************************

كم أغبط الذين أعطاهم الله القوة من أجل ترصيف طرق الحياة لمن تقطّعت بهم السُّبل، وكم أحسد من منحهم الله القدرة على زراعة الفرح في مواجيد من فطرت الأحزانُ قلوبَهم وفَتّتت المآسيُّ أكبادَهم!

************************************************

النظم السياسية هي القنوات التي تدفع سيل الحرية للجريان في مسارب المسؤولية، وهي السدود التي تمنع طوفان الفوضى من الفيضان في طرق الناس، وتمنعها من إغراق منازلهم وإفساد حياتهم.

************************************************

إب التي تعاني اليوم من عربدة العصابات الحوثية، كان لها القدح المُعلّى في التأريخ الوطني الحديث، فهي التي أنجبت حسن الدعيس فيلسوف الثورة الدستورية، وعلي عبد المغني قائد الثورة السبتمبرية، وعبد العزيز المقالح أيقونة الثقافة اليمنية، وعبد الرحمن الإرياني حكيم الثورة اليمنية، وعبد الكريم الإرياني صقر السياسة اليمنية، وجار الله عمر ومحمد قحطان مهندسي اللقاء المشترك، ومحمد حسن دماج خبير الخارطة الاجتماعية الوطنية، وعبد المجيد الزنداني مؤسس جامعة الإيمان ورئيس هيئة علماء اليمن. وفي مقاومة الحوثيين قدمت عددا من ألمع الرجال، ومنهم أيقونة النضال نايف الجماعي، وأمين الرجوي والدباني ومحمد حسين طاهر، وعدد من قادة الألوية ومساعديهم وآلاف من الأبطال في جبهات مأرب وتعز ونهم ودمت والبقع. وحين يحين الأوان ستنبعث كالعنقاء من بين رماد الحرائق الحوثية في أرجائها!

************************************************

إذا لم تُكحِّل عَينَي قلبك بإثْمِد الرجاء، فسيُصيبك رَمَد اليأس بعَمَى البصيرة الذي يؤدي بدوره إلى شلل الإرادة!

بارك الرحمن جمعتكم.

************************************************

اتصلت ذات صباح بالشيخ محمد حسن دماج تغمده ربي بواسع رحمته، حينما كان وزيرا للإدارة المحلية، متوسطاً لواحد ممن يستحقون المساعدة، فطلب مني أن آتي إلى بيته لكي أفطر معه، فذهبت وكان فطوره فُولاً مع الكُدَم(خُبزاً سميكاً يُعمل في أفران الجيش)، وكان من عادتي أن أتخلص من لُبّ الكُدَم إن كانت سميكة، وحينما حاولت القيام بذلك أمسك بيدي وقال لي: يا ولَد فؤاد لقد تعلّمنا من كتاباتك أن اللُبّ هو الجوهر والأصل في الأشياء! فأعطاني رحمه الله درساً عملياً لم ولن أنساه.

************************************************

ما فتئت بعض النسوة يتساءلنَ: لماذا مَيَّز الله الرجال بالحور العين في الجنة؟ وكانت من الأفكار المُستفزّة للتيار التقليدي التي طرحها د. حسن الترابي أن الحُور العين ما هُنّ إلا النساء الصالحات في الدنيا، حيث سيُجَمِّلهن الله بطريقة مدهشة تفوق التصور!*

*ومن الطريف في هذا الشأن أن أحد السلفيين في معرض مهاجمته لأفكار الترابي، قام ذات يوم في رُكن النقاش بجامعة الخرطوم، وذلك عندما كان الترابي ما زال رئيساً للبرلمان وأمين عام الحزب الحاكم، فناقش مقولة الترابي حول الحور العين، ثم قال باللهجة السودانية: دايِر الترابي يقول شِنُوا... إن (وِصال) حور عين؟!! ولمن لا يعرف من هي وصال هي زوجة د. الترابي رحمه الله.

وسوم: العدد 808