خواطر فؤاد البنا 810

عندما ضاقت عقولُ بعض علماء المسلمين في عصور التراجع الحضاري؛ ضُيِّقت كثير من الدوائر المُتَّسعة، وأصبح الإسلام عند هؤلاء  مختَزَلاً في أمور بسيطة منه، وأُبعِدَ الدين عن كثير من الدوائر المنسابة في مختلف جوانب الحياة، ولم تأتِ العلمانية الغربية إلا وقد قامت (العلمانية المقدّسة) التي أرسى مداميكَها التديّنُ التقليدي بالمهمة على أكمل وجه!

*****************************************

من أشد الغرائب في تأريخ البشر أن تجد لبعض الفاشلين أتباعاً ومتشيعين ليس في زمنهم فقط ولكن في أزمنة أخرى، وكمثال على ذلك فإن الفيلسوف اليوناني أبيقور (ت/271 ق.م.) كان قد أقام فلسفته في جلب السعادة على عدم الخوف من أي شيئ وعلى إشباع الغرائز إلى حد التخمة بما في ذلك الجنس، ولقد روى تلاميذه أنه كان يدعو إلى الإباحية وكانت له 4 عشيقات رغم معاناته من المرض الذي أقعده على الفراش 4سنوات بدون حراك، وحكى أحد تلاميذه أنه كان يتقيأ مرتين في اليوم نتيجة كثرة الطعام، وعاش حياة مليئة بالتناقضات ومات منتحرا!!*

*ومع ذلك فإن فلسفته الإباحية التي تشبه المزدكية عند الفُرس قد وجدت لها أتباعاً، حيث يبدو أن نظرية التحليل النفسي لفرويد تتكئ عليها في قضية الإباحية الجنسية وتحليل السلوك من زاوية الجنس، مضيفاً إليها مزاعم أن كل الأمراض الحسية والنفسية تنشأ من التسامي النفسي والكبت الجنسي، ومن المعلوم ما لهذه الأفكار الإباحية من سطوة وظلال سلبية على الحياة الحديثة!

*****************************************

افتُتح اليوم في الإمارات مؤتمر دولي حول التسامح والأخوة الإنسانية، وحضره بابا المسيحيين وشيخ الأزهر ورجال دين من اليهودية والبوذية والهندوسية، وأعجبني كلام زعماء الإمارات عن التسامح بين جميع البشر، فقط تمنيت لو أن هؤلاء اعتبروا الإخوان المسلمين أصحاب ديانة وثنية وتعاملوا معهم بشيئ من ذلك التسامح، الذي وصل إلى حد فتح كنائس ومعابد لكل الديانات وإقامة قُدّاس لأول مرة في تأريخ الجزيرة العربية!

*****************************************

لو كان القطريون يهوداً أو نصارى أو هندوساً أو بوذيين أو كونفوشيين أو مجوساً، ولو كانوا يسكنون أقصى الأرض وليسوا عرباً؛ لكانوا حصلوا على نصيب وافر من تسامح الإمارات وأُخُوّتها الإنسانية!!

*****************************************

تريد الليبرالية العربية ملئ الفراغ الذي سيتركه الإسلاميون المَقصيون عن الحياة السياسية، وتقوم على قصف الحرية السياسية وتشجيع الحرية الجنسية، وعلى تجفيف منابع التعددية الحزبية وتغزير منابع التعددية الطائفية، وعلى إقصاء التيارات الفكرية الإسلامية تحت مبرر محاربة الفُرقة والإرهاب واستجلاب التعددية الدينية تحت راية التسامح والتعايش!

*****************************************

يتَّسِم الحكماءُ بالسعادة في حياتهم رغم دأَبهم العملي الكبير؛ ذلك أنهم يُحسنون التصرف مع صروف الدهر، ويُجيدون التكيف مع تقلبات الأيام، دون أن يَفقدوا إرادتهم أو يتخلوا عن الأخذ بالأسباب.

*****************************************

من المؤسف أن نشأة كثير من الفِرَق قد ارتبطت باختلال الخارطة المعرفية في العقل المسلم، فحينما خاض العقل في (عالَم الغيب) برزت الفلسفةُ بشكلها المنحرف، وعندما غاب ذلك العقل عن (عالم الشهادة) ظهر التصوف بصورته السالبة!!

*****************************************

إن غياب التقوى في ميادين الحياة المختلفة، أدّى إلى ظهور كل ما نشاهده من غثائية في الداخل وانكسار في الخارج. ويبدو أن أخطر الميادين التي غابت عنها التقوى هو الميدان العلمي، فحينما حضر العقل المسلم في عالم الغيب وغاب عن عالم الشهادة انخرمت الغيبيات وانخرمت سُنن التطور والتقدم في عالم المادة، ومن ثم فقد بحث الناس عن الخوارق وآمنوا بالخرافات. ولن نغادر هذا الخراب حتى تتحقق التقوى العلمية في حياتنا، بحيث لا يفقد اللهُ العقل حيث أمره ولا يجده حيث نهاه!

*****************************************

يبدو أن أطرافاً عدة تسعى لتحويل قضية الانقلاب الحوثي إلى معضلة يمنية مزمنة، تستهلك طاقات اليمنيين وتستنفذ أخلاقهم وتلتهم عددا كبيرا من رجالهم، وذلك من خلال استخدام عوامل عدة لجعل المشكلة (اسطوانية) الشكل وليس بين طرفي الشرعية والانقلاب؛ وذلك حتى تستمر في التدحرج إلى أن تستقر في قاع سحيق!!

*****************************************

لا يمكن للإنسان أن يكتسب (أسرارَ الهداية) ما لم يتخلّص من (أَسْرِ الغواية)!

وسوم: العدد 810