خواطر فؤاد البنا 856

ما أشد شقاوة الذين يتقلبون على جمر التفكير بما لا يملكون، وهم الذين يرفلون في آلاء لا تحصى لكن الطمع بما هو مفقود أعماهم عن الاستمتاع بما هو موجود. إنهم يجهلون أن الرضى روضة العابدين وأن القناعة كنز لا يفنى، هذا إن كانوا فقراء فكيف وهم أغنياء بالعديد من النعم؟!

****************************

لا يمكن أن يكون من أهل التدبير من لم يكن من أهل التبدير، فإن الوقت هو الإناء الذي يحتوي التدابير المتخذة، ولا يزال أهل التبكير في سعة من أمرهم وينجزون ما لا ينجز غيرهم.

****************************

يقوم الطغاة بقتل الهُداة قتلتين، القتلة المادية التي تزهق الأرواح والقتلة المعنوية التي تزهق القوام الأخلاقي وتتم عبر تشويه السمعة وتسويد الصورة، ويتوسل الطغاة بوسائل متنوعة ويستعينون بجنود كثيرين، وفي هذا الإطار رأيناهم يستعينون بكهنة الدين وسحرة الاعلام لتشويه صورة المستغفرين بالأسحار!

****************************

يا للعجب من غرائب العرب، في زمن لطّخوا صحائفه البيضاء بسواد أفعالهم، فكم وجدنا أعراباً لا يُتقنون الإعراب، يَودّون أن يكونوا فاعلين وهم يَنصبون الفاعل وقد يجُرّه البعض بحرف الجهل، يريدون الترقي دون بذل الجهود في اعتلاء المَراقي، ومنها مرقَى اللغة العربية التي شرّفها الرحمن بتنزيله وجعلها وعاء لوحيه إلى أعظم رسله، لكنهم باعوها بثمن بخس في سوق التبعية، وبسبب عقدة النقص استبدلوا العجمة الغريبة بالفصحى العجيبة، أعجبتهم ألوانُ الطواويس فقلدوها وتخلوا عن أجنحة تحليقهم، لكنهم لم يبقوا بتحليق الصقور ولا امتلكوا جمال الطواويس!

****************************

كما أن المسلمين ليسوا بمستوى الإسلام فإن العرب ليسوا بمستوى اللغة العربية، فهي (أغنى) لغات العالم في مشتقاتها وتصريفاتها وفي مبانيها ومعانيها، غير أن أهلها (أفقر) شعوب العالم في الإحاطة بلغتهم وأشدهم زهداً في لغتهم. واللغة العربية هي (أدَقّ) لغات البشر في تحديد المعاني المقصودة، حيث أن كثافة مفرداتها تتيح للمتكلم التعبير بدقة عما يريد قوله مع مراعاته للفروق الدقيقة بين الأشخاص وبين الأشياء وبين المعاني، وأهلها أكثر شعوب العالم (فوضوية) لدرجة أن بعضهم لا يبالون بما ينطقون وقد لا يقصدون ما يقولون تماماً. واللغة العربية هي أكثر اللغات قدرة على استيعاب الأمور العقلية الخفية التي تحتاج إلى الكثير من الذكاء، لدرجة أن الله اختارها كآنية لاستيعاب كلامه الذي هو معجزة عقلية في الأصل، وعجائبه لا تنقضي ومعانيه لا تنتهي، حيث تتجدد معانيه باختلاف الظروف الزمانية والمكانية والحياتية، أما اغلب المسلمين فقد ابتعدوا عن مَحجّة العقل وتوجّسوا خيفةً من التفكير ووضعوا المفكرين في قفص الاتهام أو في مواضع الازدراء والانتقاص!

****************************

لو كشف الكثير من زعماء  العالم الثالث عن حقائقهم لاتضح أنهم يَحملون كافة صفات القبح عند عتاة الطغاة. ولو افترضنا بأن طاغية عربياً قد حَسَر عن رأسه لوجدناه يغصّ بالكثير من الجهل والغرور، ولو أسفر عن وجهه لرأينا قبحاً شديدا وشرا مستطيرا، ولو فغَر فاه وكَفّ عن التبسم الأصفر لرأيناه يُكشِّر عن أسنان تنغرس بشدّة في حقوق الرعية وعن نابَين حادّين ينغرسان بوحشية في لحوم المعارضين، وبالمثل سنجد ليَديه مخالب ولقدميه حوافر، وبالجملة سنكتشف أنه وحش في صورة إنسان!

****************************

وسوم: العدد 856