المرآة

المرآة تعكس صورتك الظاهرة ، صورتك التي يتملاها الناس ، بكل مافيها من علامات ، وربما أيضا من إشارات ، ولكنَّ مرآةً أخرى تعكس صورتك الداخلية ، المشاعر، الوجدان ، التوهج الباطني لحيوية النفس ... تلكم المرآة هي السيرة اليومية للإنسان ، أقصد أعمالك ، أقوالك ، تصرفاتك ، آراءَك ، إبداعاتك ، محاسنك ، مساوئك ... وبقية مفردات حياتك التي يمكن أن يدونها التوثيق .

هنا منحى قد يجذب بعض الناس إلى بيئته ليكونوا من روادها ، ويعملون على إغناء تلك البيئة الخاصة بأنواع القيم والمآثر ، فيكون صاحبها ذا شأن في مجتمعه ، وصاحب مكانة في أحد المسارات المجتمعية ، مستغلا مواهبه إن ملك الموهبة ، ومفعِّلا قدراته إن ملك القدرات التي تمنح البيئة خصوبة ونضرة . وفي هذا المنحى الأثير قد يظهر أناس كأنما اختارتهم قدرة غيبية ليكونوا شامة في وجه الألق الذي يجمع بهجة الإرث وروعة الطريف المألوف في بيئة ،ليخرج بالتالي مفصلا شامخا بقدراته العقلية التي تأبى أن تنفر من جُذَى التوهج الذي خبرنا حيويته ،وسمو سيرة آله المنضوين تحت لواءِ الهَمِّ الإنساني بأوسع أبوابه . 

ولا يسلم صاحب هذا الشأن من معاناة قد تكون مؤلمة في بعض الأحيان ، ولكنه على أي حال يبقى صورة ناصعة في مرآة الأستاذية ذات الموازين التي  لايغلبها باطل ، ولا يقهرها اعتساف ، ولا يصادرها شانئٌ *مهما كانت المحاولات . فهو  يأخذ امتداده الرحيب ، ويكون حالة دفءٍ تشتاقها الأنفسُ التوَّاقةُ إلى استماع أناشيد الإرث المتماهية مع نقاء القيم التي تتلألأ في وجه زمان الانتكاسات هذا .                      

*شانئ : مبغض .

وسوم: العدد 881