من أوجاع العصر

يحدث أن تسيطر بعضُ الأفكار على عقلك ، فتتخيل أشياء لم تحدث! ثم تفكر في أمرها لو أنها حدثت.. ماذا سيكون ! وما شكل الواقع إن وقع عليه ما تخيلته! ؟ ثم تتفاعل أكثر مُتأثرا بما لو أنه وقع فعلا وأصبح حقيقة مُعاشة، فَتبكي، أو ترقص، أو تحزن، وقد تضحك، أو تتنهّد ! ثم ومن باب تخمين ردّ فعل من حولك تُحدّث أحدهم عن تلك الأفكار  فترتسم الدهشة على ملامحه  رغم أنها مجرد أفكار ليس إلاّ! ولكي لا تخسره أو تخسر  الصورة التي بذلت جهدا شاقا في رسم ملامحها و طبعها بذاكرته، فإنك

تُغيّر سرد الأفكار . بما يُناسب تقبّل الآخر لك .  وتتظاهر بأنك تؤمن بتلك الأفكار التي تجعل من صورتك أمام مَن حولك مميزة ولامعة ،  فتصبح بأعينهم شخصية  أقرب للمثالية . ماتفعله طوال الوقت هو بمثابة دعاية تستعرض من خلالها شجاعة مزيّفة ثم تنتظر وأنت تراقب ردود الأفعال إن لاقت استحسانهم (العائلة، الأصدقاء ، المجتمع) فتكون قد حققت هدف حصولك على الصورة المحببة /المرغوبة وإن كانت لا تمت بصلة للأفكار الحقيقية/للصورة الحقيقية  التي لا تجرؤ ولن تجرؤ على طرحها. وقد تنكرها أحيانا كثيرة فَثمن الإعلان عنها قد يجعلك تخسر الكثير ، ثـم تعلم أنَّ الحياة مستمرة  .

مجرد فكرة أو  هو وجع من أوجاع هذا العصر العجيب ، حيث ملأ أركانه بالمضحكات وبالمبكيات ، وتزخر ميادينه بالزينات ذات البهجة ،  وبالمصيبات التي لم يشهد التاريخ مثلها في أحقابه المتتاليات . إلى بقية ماسطرته العقول ، وما أوردته الأنباء اليومية في أنحاء المعمورة . ويحاول الإنسان أن يهرب من القيود المؤلمة ، فيلجأ إلى واقع آخر غير واقعه الذي يعيشه ،  فيسرح ويمرح في خيال خصب جميل ، فيجعله مسرحا لسعادته ، ويروِّح عن نفسه من عناء العصر  وأعبائه  ،  سعادة للوهلة الأولى يراها الآخرون وهمية لاجدوى من التعلق بها ، ولكن أثبت الواقع لدى الكثير من الناس أنهم اندفعوا بقوة من هذا الموئل إلى رحاب الغاية التي تترنم بها ألسنتهم في الخلوات . فالإنسان منحه الله القوة البارعة والقدرة الكبيرة على التغيير ... تغيير مافي نفسه ، وتغيير مافي واقعه ، وذلك من خلال إيجابية الإيمان والإصرار والأخذ بالأسباب ، فانطلاقته من بوَّابة التخيلات بعزيمة يمكن أن يصل إلى الهدف المنشود بتوفيق من الله سبحانه .

قد يبدو الأمر صعبا ، ولكي لايتلكأَ الإنسان أو ينسحبَ من هذا الميدان عليه أن يكابد الوساوس ويمنعها من الوقوف أمام مسيرته ، فتلك المكابدة أو الممارسة تقدم له وسام ثبات ورفعة ، لممارسة جادة وجديدة ، بل ستكون نوعا من الخبرة المؤثرة ، يضيف إليها مالدى العناصر الأخرى الحانية الواعية القريبة من محيط تطلعاته ، وهكذا يملك المخزون الأفضل الذي يشد به أزره ويرفع معنوياته . ومن هنا يتغلب الإنسان على الوهـم ، ويستثني التخيلات المرتبطة بالقيم التي ذكرناها ، وبالعناصر التي استعنا بها ، ففي هذا نزول قوي إلى ميدان المواجهة مع الواقع والانتصار على أسباب المكابدات ، وفي هذا نداء حار إلى عدم الاستسلام ، وإلى عدم الاعتزال ، فلا يتخاذل مَن يؤمن بأن له ربًّـا كريما عليما مغيثا لايعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، فدع الوهم فإنه زائل لامحالة ، وأغنِ دائرة التخيلات بما علمت ، واستعن بالله تجد إشراقة الاستجابة تبدد ماحول شخصك من ظلمات . ف : ( إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .

وسوم: العدد 935