أنت والصديق

 

  • في الجامع الصغير عن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " للمسلم على المسلم ستّ بالمعروف : يُسلّم عليه إذا لقيه ، ويجيبه إذا دعاه ، ويُشمّتُه إذا عطس ، ويعوده إذا مرض ، ويَحضُر جنازتَه إذا مات ، ويحب له ما يُحب لنفْسه ." خصال رائعة جمعت مقوّمات الحب والود في المجتمع الإسلامي بكلمات نبويّة بليغة .
  • ومن الكتاب الأدبيّ القيّم " عيون الأخبار " – ولك أيها القارئ أن تراجع مصدر الأحاديث وتطّلع على صحتها سنداً ومتناً ، فنحن نقتبس من كتاب أدبي ليس غير ، وسوف أنأى عن الموضوعات منها بإذن الله تعالى - أن عائشة رضي الله عنها روت عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أَعِن أخاك ظالماً أو مظلوماً ، إن كان مظلوماً فخذ له بحقّه ، وإن كان ظالماً فخذ له من نفْسه " .
  • وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه " إذا آخَيتَ أخاً فلا تُمارِه ( لا تجادله ) ولا تُشارِه ( لا تغاضبه ) ، ولا تسأل عنه ( لا تسأل عن أخلاقه أحداً ممن لا تثق به ) فعسى أن توافق عدواً فيخبرك بما ليس فيه ، فيفرّق بينكما ".أقول : إن كثرة الجدال والمغاضبة تفسد الودّ وتفرّق الأحباب ، وإدخالُ الغريب ذي الأغراض بين الخلان يشتت شملهم .

     وقد قال النَمِرُ بن تَولَب في هذا المعنى :

             جزى الله عنا حمزة بن نَوفل     جزاء مُغـِلّ بالأمانـة كـاذبٍ

             بما سألَتْ عني الوشاةَ ليكذبوا     عليّ وقد واليتُها في النوائبِ

     والإغلال : الخيانة . ولا ينبغي أن أخونَ من استشارك .

  • وقال ابن المقفّع : ابذل لصديقك دمك ومالك ، ولمعرفتك رِفدَك ومحضَرَك ، وللعامّة بِشرَك وتحيّتَك ، ولعدوّك عدلَك ، ، وضُنّ بدينك وعِرضك عن كل ّ أحد . .. إنها والله حكمة بالغة ، ونصيحة غالية من عميد الأدب ابن المقفّع .

     وكان يُقال : يُستحسن الصبر عن كل أحد إلا الصديق . .. وقال بعض الشعراء :

           إذا ضـيّقـْتَ أمـراً ضـاق جـِداً             وإن هوّنْتَ ما قد عزَ هانا

           سأصبر عن صديقي إن جفاني           على كل الأذى إلا الهوانا

     وأنشد أعرابي :

           أغمّض للصديق عن المساوي           مخافة أن أعيش بلا صديقٍ

     فلا بد للحفاظ على الصديق من التغاضي عن بعض أخطائه ، ألم يقل الشاعر ابن بُرد :

           فعـِشِ واحـداً أو صِـلْ أخـاك فـإنـه         مقـارف ذنـْب تـارة ومجـانـِبـُه

           إذا أنت لم تشرب مِراراً على القذى       ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه؟!  

     وأنشد شاعر في المعنى نفسه :

           إذا ما صديقي رابني سوءُ فعله         ولم يكُ عمـّا سـاءني بمُفيـقِ

           صبرتُ على أشياءَ منه تُريبُني         مخافة أن أبقى بغير صديقِ

     وكان يُقال : مَنْ لك بأخيك كلّه ؟ والمعنى أن الصديق بشر يصيب ويخطئ ولن تجد

     صديقاً مبرّاً من العيوب .

     وأنشد الرياشي في المعنى نفسه :

                           اقبَل أخاك ببعضه         قـَد يُقـْبـَل المعـروف نـَزراً

                           واقبل أخاك فـإنـه           إن ساء عصراً سرّ عصراً

  • قيل لخالد بن صفوان : أيّ إخوانك أحبّ إليك ؟ قال : الذي يغفر زلَلي ، ويَقبـَلُ عِلَلي ،

     ويسدّ خَلَلي .

  • وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عجوز ، فقال : " إنها كانت تأتينا أيام خديجة ، وإن حُسنَ العهد من الإيمان " فعلّمَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفظ عهد من نحبهم ولو طال العهد عليهم ، فهذا من المروءة والإيمان . وقال إبراهيم النَخَعيّ : إن المعرفة لتنفع عند الأسد الهصور والكلب العقور ، فكيف عند الحسيب الكريم .
  • لكنَ بعض الناس يُخطئون التصرف حين يسعَون للاحتفاظ بصديق لا يستحق الصداقة ،

     فيسعى بهم – شأن الشيطان الرجيم- إلى الخطإ نفسه ، فيزِلّون ، ولا خير في صديق

     يقود إلى النار ، والعار والشنار .

     هذا الشاعر عمر بن أبي ربيعة ينشد في مساعدة صديقه فيقول :

                     وخِلٍّ كنتُ عينَ النصح منه       إذا نَظَرَتْ ومستمعاً سميعاً

                       أطـافَ بِغَـَيّـةٍ فنهيتُ عنهـا       وقلتُ لـه أرى أمراً شـنيعاً

                       أرَدْتُ رشـادَه جَهدي فلمّـا       أبى وعصى أتيناها جميعاً

     ففعل ما فعل اليهود حين نهوا المخطئين العاصين ثم آكلوهم وشاربوهم ، فباءوا بالعقوبة

     جميعاً .

     وهذا شاعر غاوٍ يصرح بما صرّح به ابن أبي ربيعة دون خوف من الحق ولا وجل :

                       فإن يشربْ أبو فرّوخَ أشربْ     وإن كانت مُعـًتـّقـَةً عـُقــاراً

                       وإن يـأكـُل أبـو فـرّوخَ آكـُل     وإن كانَتْ خنانيصاً صغاراً

     والخنانيص صغار الخنازير ، يُغضب ربه ليُرضي صديقه ، ولعله نسي أو تناسى قوله تعالى " ويوم يعَض الظالم على يديه ، يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً يا ويلتى ، ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً ، لقد أضلّني عن الذكر بعد إذ جاءني ،وكان الشيطان للإنسان خذولاً ؟؟ " ... والشعراء يتّبعهم الغاوون فأكثرهم يهيم في متاهات الضلال كما ذكرت آية الشعراء ، إلا مَن رحم الله تعالى. عصمنا الله من الزلل ،

     ووقانا من الخطَل ، ورزقنا خير العمل ، وحسن خاتمة الأجل .

وسوم: العدد 1054