قهوة بنكهة مزاجها المسائيّ

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

صارت ترى نفسها في قهوة الصباح والمساء، ويعجبها كثيرا أن تكون حاضرة في طقوسها إنها تمنحني وتمنح الوقت مزاجا خاصا، لا أكاد أرى فرقا بينهما هي وقهوتها صنوان، في الطعم والرائحة والمكان والطقوس والوقت، إنها تتقن كل ذلك، يا لها من رائعة!!

أقول لها ذات مساء مفعم بالشوق سيأتي ذلك الوقت الذي سأشربك كما أشرب فنجانا من القهوة، تصطنع الارتباك هذه المرة، لقد اعتادت على أن تكون هي قهوتي ولذة شرابها ونكهتها، تخبرني أنها ستهرب، فهي غير مستعدة لأشربها مع فنجان من القهوة بعد، أزيد في جرعة الكلام وأخبرها كاشفا عن مكنونات فكرتها: سيأتي وقت أكون فيه شرابك المفضل، ألست راغبة في أن تتنفسي أنفاسي وأنت ترتشفين فنجانك الصباحي، وتمررين القهوة قريبا مني فينبهني مذاقك ورائحة القهوة الأنثوية عندما تكتملين مشتاقة لعناقي الدائم؟

نصحو، ويكتمل شوقها فتكون كما أرغب أنثى كاملة في تجليها وحضورها، فمزاجها هذا المساء مختلف، جميل وحساس ومرهف إنها دخلت في اللحظة المرتقبة، ولكنها بقيت كما عهدتها بخيلة في بوحها. إنها تعرف جيدا قانون الإنضاج على مسارح الوقت الذي يشوي ابتهالات أرواحنا، ذكرياتنا، آمالنا، أحلامنا، ليالينا، أبجدية حروفنا، كلها تتأرجح بين البينين، تتأرجح بين موعدين مؤرقين، بين ظليْ شجرة حان قطاف ثمرها وتفيأت ومدت ظلها، وهيأت أسرتها لتضمنا بهفيف نسمة الحب الذي أنعش القلب فأعطاه حياة أخرى.

تتقاطر مثل شهد معتق في جرار خمور الكروم التي انتظرتنا لنكون معا هناك أنا وقهوتها في مساء الخطوة الأخيرة، لقد اقتربنا أكثر أيتها الدلة فلا داعي لدموع قد تسح خوفا من فراق، والغصة لن تكون بعد الآن، ستكونين والقهوةَ شرابا عذبا سلسبيلا سائغا، عليك أن تثقي برياح قد هبت فاغتنمي الفرصة أيتها المورقة جمالا، ليس بعده من جمال، إليك الكل في ذات النهار في ذات الفنجان في ذات القهوة في ذات الأمنيات الشاخصة أمامك كأنها وحي الملاك المقدس يتلو أول آياته في سفر اللقاء الأبدي.      

يحلو المزاج وتصفو الروح أيتها الغانية المغتنية أيتها السماء المتلألئة بأقمار الجسد الفضيّ المشع في حلكة أيامي التي آذنت بالرحيل، أيتها الأوراق الخضراء في شجرة الروح دائمة الخضرة في أرض نفسي الوالهة وبستان أغنياتي المتبتلة، إليك رحلتُ ولك غنيتُ، وباسمك كتبت تعويذة الخلاص من الوهم، بماء طهرك تعمدتُ، وببريق عينيك تهجدتُ، سلمت أمر الشراع والإبحار لأوامرك أيها القبطان، فأنت وحدك من يعلم أين أمان المقر والملاذ، فإليك ونحوك اتجهت البوصلة بعد شتات، ها أنا آتيك، فكلي مشتاق إليك فلا تخذليني، وكوني الأمن والساعد وكوني الدليل والمرشد، الهداية من غيرك غواية، والرشاد من دونك ضلال، فاستعدي لتحملي روحي بين جنبيك عصفورا مرتعشا يخاف من البرد، ولن يجد من يمنحه الدفء سواك أيتها الشمس، فضميني وضميني وناجي الروح،

لقد اشتاقت الروح لكلمة "أحبك" خارجة من بين الشفاه صادرة عن أمر القلب الذي أحبني ولم يعرف ولن يعرف سواي، فأنا قدرك الأول والأخير، فتبتلي في محرابي، كما أتبتل في محرابك أيتها الغانية المشتاقة المسكونة بالوله والحب والذكرى، إليك القلب ينبض برحيق الأيام التي خلت، كنت فيها الكأس والشراب والقهوة والفنجان، وكنت متعة الوقت وسر الوجود، أبشري بالقادم الموعود الراكض على أجنحة الغمام، سأكون لك مهما كان البعد، ومهما كانت الظروف، وحتى لو كانت القهوة مرة، ستحلو وهي تداعب سكرا يذوب على الشفاه! فاطمئني إني قادم، ولتنتظري ولكن لن يطول الانتظار.

بُعْد وبعد، ولكن قرب واحد فقط وإلى الأبد، ليحلو المساء بقهوتك بنكهة مزاجك العذب وكأنه طقس ربيعي جميل، أزهار لوزه قد تفتحت ورائحة العطور قد تضوعت في كل أرجاء المكان، ها أنا قادم فخذي زينتك عند كل نظرة من عينيك المشتاقتين وقلبك الرءوم الذي يحبني وبلا توقف، فلا داعي لأن تنامي على شوك القلق.