بين الماضي والمستقبل

محمد أكروح

[email protected]

عندما تغرب الشمس، وتنير السماء الثريا لاستقبال القمر، آخذ مكاني بين الأشجار، فوقي وعلى غصن شجرة الصفصاف العملاقة بوم ينظم أبياتا يرحب بالليل، وحولي في كل الأرجاء أصوات سيمفونية عالمية للحياة، وفي داخلي صمت شديد أشبه بقبضة الموت.

  أتذكر يوم ملأت الأرجاء بالصراخ، حين لسعتني نحلة بين أصابع قدمي اليسرى وأنا أعدو بين حشائش التل الأخضر أجمع ورقات النعمان، لأصنع بها أشكالا تجري بها الرياح، كان جارنا كثير الماعز وكنت أرافقه كثيرا إلى المرعى حيث أجد متعة كبيرة في مراقبة الماعز والجري ورائها والصياح عليها، كنت أتخيلها أشرارا بقرون حادة تحاول غزو عالمي وأنا المحارب الشجاع الذي سيوقفها، كان صراخي ينتشر بين أشجار التل كل صباح.

حين طلع البدر علينا من وراء التل الأخضر، واضعا لنفسه مكانا فوق عرشه محاطا بحاشية من الثريا تتلألأ مبتهلة بقدومه، كنت أجتمع حينها مع أبناء الجيران حول النار التي نجمع حطبها كل صباح ونعده لهذه اللحظة، لنبدأ في طقوسنا الخاصة من غناء ورقص وحركات، لم يكن هذا يزعج الأهل فقد كان العم عثمان يرافقنا كل ليلة للحرص على عدم خروج الطقوس عن السيطرة.

  ذات ليلة، اجتمعنا حول النار كالعادة، ثم شرع العم عثمان في حكاية قصة عاشها وهو في مثل عمرنا، لا زلت أتذكر تفاصيلها إلى يومنا هذا، لقد غيرت تلك القصة حياتي، حتى بعد أن اكتشفت أنها من نسج خياله.

  لكن الآن وبعد أن انتقلت إلى المدينة كعادة أقراني في البادية حين نصير شبابا، أجلس بين أشجار المنتزه العمومي أحاول البحث عن قمر لم أجد بعد له مكانا، أعيش لحظات الصبا هناك عند التل الأخضر في حضن الماضي، وأفكر في صمت في المستقبل.

أما الحاضر فهو الآن بين أحضان هذه الأشجار وفوقي البوم الناحب.