خواطر من الكون المجاور، الخاطرة 160: التقويم الكوني

بعد يومين ينتهي عام 2017 وتدخل الانسانية في عام جديد . قد يكون بالنسبة لنا تغيير الأرقام من 2017 الى 2018 عديم الأهمية . ولكن في الحقيقة فإن تدوين الاحداث الهامة في صفحات التقويم يعتبر من أهم الانجازات الفكرية في تاريخ الانسانية فهي تعطينا صورة واضحة عن تطور الاحداث والاشياء . حيث عن طريق فهم طبيعة هذه التغيرات مع فهم علاقتها بالمدة الزمنية التي احتاجتها ، يمكننا فهم حقيقة هذه الاحداث بشكل افضل .

في هذه المقالة سنذكر أهم الاحداث في التقويم الكوني . ونقصد بالتقويم الكوني هو تلك الفترة الزمنية التي بدأت منذ ولادة الكون وحتى الآن . فهذه الفترة هي في الحقيقة الفترة التي احتاجتها الإنسانية لتكوين نفسها ماديا وروحيا . فالكثير يعتقدون أن الإنسانية ( آدم وحواء) بعد طردهم من الجنة قد ظهروا على سطح الارض قبل بضع آلاف السنين ، معتمدين الارقام بالشكل الحرفي كما هي مذكورة في الكتب المقدسة .ولكن هذه الأرقام هي أرقام رمزية وليست أرقام مادية ، فمثلا حسب التقويم اليهودي أن آدم ولد عام 3761 قبل الميلاد . فهذا الرقم المذكور ليس رقما ماديا ولكنه رقم رمزي ، لأن آدم وزوجته حواء لم يخرجا من الجنة كجسد ولكن كروح. لأن الخطيئة كانت قد شوهت تكوينهم الجسدي والروحي لذلك كان لا بد من تصحيح هذا التشويه ليستطيع الانسان العودة ثانية الى الجنة .وهذا التصحيح بدأ منذ ولادة الكون أي قبل حوالي 14 مليار سنة ولا يزال مستمرا حتى اليوم .

التقويم الكوني يعطينا صورة واضحة تؤكد لنا بأن التطورات الكونية لم تحصل بشكل عشوائي ولكن ضمن نظام معين هدفه ولادة الانسان من جديد وتطوره بالشكل الصحيح بهدف الوصول إلى الكمال الجسدي والروحي ليكون مناسبا للعودة الى الجنة.

في الأسطر التالية سنذكر أهم الاحداث في التقويم الكوني :

- بعد طرد الانسان من الجنة حدث تفكك كامل في جميع الروابط في تكوينه، هذا التفكك أدى الى فناء المادة . وأصبحت الروح عارية من أي مادة بسبب تشوه تكوين الانسان. لذلك وجب على الروح أن تبدأ من جديد بصنع المادة التي تحيط بها لتأخذ شكلها الصحيح المنسجم مع الروح التي تكمنه . هذه الفترة لا يمكن البحث فيها عن طريق القوانين الفيزيائية . لأن هذه القوانين تتعامل مع المدركات البصرية والحسية . بينما هذه الاشياء لم تكن موجودة في هذه الفترة . لذلك لن نتحدث عما حصل في هذه المرحلة لأنها تتعلق بمواضيع فلسفية ميتافيزيقية . ومن الصعب إثبات صحتها في صفحات قليلة .

- في البداية كان الكون عبارة عن نقطة سوداء متناهية في الصغر . وفجأة يحصل بها انفجار عظيم يؤدي الى تضخم حجمها ، في الثانية الأولى من بعد الإنفجار يبدأ تكوين الجسيمات الأولية ( فوتونات، الكترونات، نيوترينوات، كوركات ) وبعد ثلاث دقائق يبدأ تكوين الجسيمات النووية بروتونات ، نيوترونات . حيث يتم تشكيل أنوية العناصر البسيطة

- بعد 380 الف عام من الإنفجار العظيم يتم تصنيع الذرات الخفيفة هيدروجين هيليوم والليثيوم.

- بعد 150 مليون عام من الإنفجار العظيم يبدأ الاندماج النووي وتتشكل النجوم البدائية والتي في داخلها سيبدأ تصنيع العناصر الذرية الثقيلة حيث يتحول الهيدروجين إلى هيليوم والهيليوم إلى البريليوم ومن ثم إلى كربون ثم إلى أكسجين ويستمر تصنيع العناصر حتى يصل إلى تكوين الحديد والكوبلت والنيكل وعن طريق انهيار النجوم الكبيرة تتشكل بقية العناصر الثقيلة .

ومع تجمع هذه النجوم يبدأ تشكل المجرات .

- بعد 5 مليار عام من الإنفجار العظيم تتشكل مجرة التبانة .

- بعد 9 مليار عام من الإنفجار العظيم في مجرة درب التبانة تتشكل المجموعة الشمسية وتتكون الشمس وكوكب الارض وبقية الكواكب .

- بعد 10 مليار من الإنفجار العظيم ( قبل 4 مليار عام من الآن ) تظهر الحياة على سطح الأرض على شكل كائنات بدائية وحيدة الخلية .

- بعد 10،7 مليار عام ( قبل 3،3 مليار عام من الآن ) تبدأ بعض وحيدات الخلايا بتصنيع التركيب الضوئي لتبدأ في امتصاص غاز الكربون من الغلاف الجوي لتحول هذا الغلاف الجوي إلى غلاف غني بغاز الأكسجين والأوزون .

-بعد 13،4 مليار عام من الإنفجار العظيم ( قبل 600 مليون عام ) تظهر الكائنات الحية المعقدة التركيب لتنتشر في جميع المحيطات والبحار .

- بعد 13،8 عام ( قبل 400 مليون عام ) تظهر أول البرمائيات لتعيش على اليابسة

- بعد 13،93 ( قبل 65 مليون عام ) مذنب يصطدم بكوكب الارض ويؤدي إلى إنقراض الديناصورات فتسمح الظروف للثديات بالانتشار والتطور في جميع مناطق العالم.

- قبل حوالي 300 الف سنة يظهر الانسان البدائي

- قبل 40 الف سنة بدأ الإنسان ممارسة فن الرسم والنحت

- قبل 8000 عام بدأ الإنسان ممارسة الزراعة

- قبل 5000 عام بدأ الإنسان الكتابة . وظهرت عقيدة يوم الحساب ليتحول المجتمع الإنساني من مجتمع يسعى إلى تأمين حاجاته المادية إلى مجتمع يسعى إلى تأمين حاجاته الروحية لتحقيق الخلود .

- قبل 3300 عام ظهرت الكتب المقدسة السماوية (التوراة ).

- قبل 2794 عام تم تنظيم الألعاب الأولمبية كوسيلة لتحقيق السلام بين الشعوب المختلفة.

- قبل 1993 ولمدة ثلاث سنوات قام عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام بصنع المعجزات ونشر تعاليم الدين المسيحي .

- قبل 1408 سنة نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم ليعلن عن بدء ديانة الإسلام آخر الديانات السماوية.

- قبل 892 سنة ( عام 1126) ولد الفيلسوف ابن رشد الذي قام بأول خطوة في تأسيس عصر النهضة الاوربية. والذي اعتمد عقيدة ان الانسان بغض النظر عن عرقه او دينه هو فوق جميع الانتماءات . وان جميع العلوم والنشاطات الفكرية يجب ان تكون في خدمة الانسان .

- قبل 475 سنة (عام 1543) أثبت العالم البولندي نيكولاس كوبرنيكوس بحجج رياضية أن الأرض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس كما كان يعتقد حتى ذلك الوقت. هذه النظرية أعطت شكلا جديدا للفضاء الخارجي وللكون.

- قبل 159 سنة ( عام 1859) تشارلز داروين نشر كتابه عن أصول الأنواع . حيث ظهرت من خلاله فكرة أصل الانسان قرد .. أفكار هذا الكتاب ستساعد كارل ماركس في محاولة إثبات عدم وجود الله . آراء داروين وآراء ماركس سمحت لأشخاص منحطين روحيا أمثال اميل زولا بنشر روايات لها أسلوب همجي ووحشي بعيدة نهائيا عن الأعمال الأدبية الحضارية . آراء هؤلاء الثلاثة أحدثت تغيير جذري في طبيعة إدراك الإنسان لما حوله .حيث تحول منهج البحث العلمي بأكمله إلى منهج مادي فقير روحيا يعاني من ضعف البصيرة .

- قبل 118 سنة ( عام 1900) استطاع العالم الفيزيائي ماكس بلانك أن يحدث ضجة في الأوساط العلمية بأكملها عندما أعلن أن الطاقة مكونة من كموميات. ليفتح بابا واسعا في علم الفيزياء لفهم سلوك المادة في عالم الصغائر . والتي ستسمى فيما بعد ب الفيزياء الكمومية . ورغم ان هذه الفيزياء قد كشفت أن المادة الأولية توجد في ثنائية الحالة (موجة - جسيم )حيث من هذا المبدأ يمكن فهم العلاقة بين المادة والروح إلا أن الأمور لم تتجه نحو هذه الناحية وظلت بعيدة عن المجال الروحي.

- قبل 113 سنة ( عام 1905) نشر العالم الفيزيائي البرت انشتاين نظرية النسبية الخاصة التي تفسر سلوك المادة في عالم الكبائر. ورغم أن هذه النظرية ساهمت في تفسير الكثير من الظواهر الكونية ولكن هي الأخرى ساهمت في الإنحطاط الروحي حيث حولت الزمن من مفهوم روحي إلى مفهوم مادي فأصبح الزمن في هذه النظرية له مفهوم مادي حيث تم اعتباره البعد الرابع للمادة ، فتحول الكون من خلال منطق النظرية النسبية إلى كون مادي خالي من الروح .

بعد كل هذه التطورات الهائلة التي استغرقت اكثر من 14 مليار عام والتي بدأت في التكوين من اصغر جسيم في جسم الانسان ووصلت الى فكره واحساساته الروحية ، نجد الانسانية رغم التقدم العلمي في العلوم المادية التي حققته تعود خطوات عديدة نحو الوراء ، اليوم تعيش الإنسانية في عصر يعاني من ضعف البصيرة تنظر حولها فترى مادية الأشياء أما عن مضمونها فهي لا ترى منه شيئا . وهذا ما دفع إلى تنمية العنف والوحشية في سلوك الناس . فنرى صفحات التاريخ تذكر " لم تعرف الانسانية وحشية مثل وحشية قرن العشرين "

عسى مع انتهاء هذا العام أن تكون أيضا نهاية حقبة مظلمة من تاريخ الإنسانية وأن يكون العام الجديد بداية لمرحلة جديدة تعتمد الرؤية الشاملة في البحث العلمي لتعود القيم السامية من جديد إلى سلوك الناس لتتابع تطورها نحو الكمال الروحي والجسدي إن شاء الله. وكل عام وانتم بخير.

وسوم: العدد 753