براهين الإيمان (الولاء والحب)

خطبة الجمعة 1/11/2013م

د. محمد سعيد حوى

ماذا عن حقائق الإيمان (الحب في الله)

ماذا عن حقائق الإيمان ومفهوم العمل الصالح؟

ماهي تصوراتنا عن الأولويات، وترتيب الأعمال والواجبات؟ و ماذا عن تفاعلنا مع ادعاءات الإيمان؟ فالإيمان: تصديق بالجنان وإقرار باللسان وثمرته العمل بالأركان

ومن ثم كان دائما يردد علماؤنا الصالحون: الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وهنا نجد أن الإمام البخاري رضي الله عنه عقد كتاب الإيمان في صحيحه وأخرجه فيه نحواً من خمسين حديثاً، وكان مقصدها الأكبر أن يؤكد على حقيقة وجوب اقتران العمل بالإيمان؛ ليكون الإيمان حقيقة لا مجرد دعوى، وبالتالي عندما لا تظهر ثمرات الإيمان في سلوك الإنسان فعليه أن يراجع هذا الإيمان؛ أين هو منه؟ ودعونا نذكر نماذج من ذلك نذكر فيه أنفسنا أين نحن من حقائق الإيمان .

أول هذه الثمرات الحب في الله والبغض في الله، و خلوص الولاء لله ورسوله وللمؤمنين والبراءة من الكفر والظالمين .

الآيات في ذلك كثيرة كقوله تعالى ﴿ لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22]

وهنا إذن من معاني الولاء المحبة والنصرة والمودة والطاعة عندما يقول الإنسان أنا مؤمن بالله عليه أن يسأل نفسه : يحب من؟ ويكره من؟ ولماذا يحب ويكره؟!

لذلك في هذا الصدد أخرج البخاري عدداً من الأحاديث في علاقة الحب بالإيمان لأنه قد ورد في الحديث: «أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحَبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ»أخرجه الطيالسي والطبراني وهو حسن بشواهده

فأخرج البخاري جملة من الأحاديث التي تبين علاقة الحب بالإيمان؛ منها:

1- حديث أَنَسٍ ،قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» صحيح البخاري

2- وحديث  أَنَسٍ أيضاً عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» صحيح البخاري

3-وحديث أنس أيضا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " صحيح البخاري

4- وحديث أَنَس أيضاً عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ»صحيح البخاري

5- وحديث علي في صحيح مسلم : وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ: «أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ» صحيح مسلم

الحب في الله ميزان للإيمان:

إذن نحن أيها الإخوة أمام حقائق إيمانية يتجسد فيها حقيقة الإيمان من خلال الحب في الله والبغض في الله؛ إنه ميزان لحقائق الإيمان.

الحب سلوك ومواقف وثمرات:

 والحب ذاته ليس فقط دعوى يدعيها الإنسان ولا عواطف بل سلوك ومواقف وثمرات ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31] ويقول سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

ماذا يترتب على ذلك من سلوك ومواقف انظر تتمة الآيات: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54]

ولذلك بينت لنا آية سورة التوبة حقيقة الحب لله ورسوله آثراً عن الإيمان في قطع جميع العلائق عندما تتعارض مع حب الله ورسوله ﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]

جسد الصحابة هذه المواقف عملياً

1-              فهذا سعد بن معاذ عندما ينزل يهود بني قريظة على حكمه أَرسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيه فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ المَسْجِدِ قَالَ لِلْأَنْصَارِ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ، أَوْ خَيْرِكُمْ» . فَقَالَ: «هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ» . فَقَالَ: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَتَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ، قَالَ: «قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ» وَرُبَّمَا قَالَ: «بِحُكْمِ المَلِكِ» صحيح البخاري، فلم يمنعه ما كان من علاقات سابقة مع يهود أن ينطق بهذا الحكم الإلهي في حق الخائن.

 

2-              وهذا عبادة بن الصامت لما كان يوم بني قينقاع وقد أعلنوا العداوة لله ورسوله بعد غزوة بدر فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فحاصرهم، فتمايزت صفوف المسلمين من غيرهم: أما ابن سلول

فقال: يا محمد أحسن في موالي، وكانوا حلفاءه في الجاهلية، فأبطأ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أحسن في موالي، فأعرض عنه رسول الله، فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال رسول الله، وغضب رسول الله، ثم قال.

أرسلني: فقال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربع مائة حاسر وثلاثمائة دارع منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة، إني الله أمرءاً أخشى الدوائر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم لك.(إذن أخذ يدافع هذا المنافق عن أوليائه من اليهود.

أما عبادة بن الصامت قال:

يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم،  ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت القصة في المائدة:

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ» إلى قوله: «فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ» يعني عبد الله بن أبي لقوله: أخشى الدوائر «يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ» سيرة ابن اسحاق

 

3-              ويحدثنا علي رضي الله عنه عن قصة حاطب بن أبي بلتعة وأراد النبي فتح مكة من غير أن يعلمهم ليحقن الدماء وقد زلت قدم حاطب و أخذ يعتذر بعد ذلك لرسول الله قال علي: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ، وَالمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، قَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً، وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا» ... ففعلوا ...قال علي : فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي  ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ صَدَقَكُمْ» ، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، قَالَ: " إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ " صحيح البخاري

 وفي ذلك قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [الممتحنة: 1]

فههنا نجد كيف يختل الإيمان في لحظة وماذا يترتب عليه.

سورة الممتحنة تفصل في علاقة الإيمان بالحب والولاء:

 وتمضي بنا آيات سورة الممتحنة تبين لنا حقائق الإيمان من خلال الحب لله وفي الله، والكره في الله فيقول تعالى ﴿ إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾ [الممتحنة: 2]

إذن كأنه يقول لنا لماذا تخدعون بهم وبمعسول كلامهم فإنه  حتى من أعلن صداقته منهم لكم هو عدو حقيقي لكم وهذا واقع نشاهده في الدنيا اليوم في ما يجري في  سوريا والعراق وفلسطين..

إذن أنتم لن تنتفعوا منهم في الدنيا بل كل الأذى منهم والسوء، ولكن يا ترى كيف يكون الحال في الآخرة فقال تعالى ﴿ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الممتحنة: 3] ثم تقدم لنا الآيات الأنموذج الأكبر في إبراهيم ومن معه ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ ﴾ [الممتحنة: 4]

مراجعات إيمانية ضرورية:

إذن نحن نتكلم عن حقائق الإيمان وأين نحن منها، ميزان واحد من هذه الموازين؛ انظر كم يكون أثره؟ لمن يكون حبك ونصرك وطاعتك ومودتك؟ وممن تبرأ ومن توالي .

إذن نحن أحوج ما نكون دائما إلى مراجعات للإيمان في قلوبنا تفعيلا للإيمان في القلب، تحقيقاً للإيمان في القلوب، ظهوراً لثمرات الإيمان في السلوك والعلاقات، ولا شك أننا بحاجة لوقفات أكثر وأعمق، حيث أننا نجد أن بعض المسلمين ربما كان حريصاً جداً على بعض الفرائض كالصلاة والصوم والزكاة والحج، وحريص على بعض الأعمال الصالحة كقراءة القرآن وقيام الليل؛ لكنك تجده غير مهتم بأمر الأمة ولا نصرة الحق ولا العمل لهذا الدين ولا يعنيه أن يقع في الربا، أو لا يقع ، ولا يعنيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يهتم لأمر الغيبة والنميمة، لا يهتم لعلاقاته هل هي صحيحة أو غير صحيحة مع الأرحام والجيران، لا يعنيه أن من العمل الصالح: البعد عن الغش والرياء والرشوة ولا يعنيه  من العمل الصالح : المواطنة الصالحة وصدق الإنتماء لبناء الأوطان، وقوة الإنجاز والحفاظ على الحقوق والأموال  العامة والخاصة.

ولذلك الحديث عن حقائق الإيمان مستمر .

 

 

الخطبة الثانية :

مرة أخرى مع أخطار تتهدد الأقصى؛ فأين نحن؟

أشرت في خطبتي السابقة إلى ما تتحدث عنه وسائل الإعلام عن زعم مكذوب من أن الصهاينة وجدوا أثراً يهودياً بجانب المسجد الأقصى وأن هذا الكذب يأتي في سياق استمرار سياسات حفر الأنفاق والسعي لتهويد القدس وطمس كل المعالم الإسلامية والعربية وأن هذا يأتي في سياق الخطر المتجدد المحدق إذ يخططون لتقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا ونحن في غفلة بل ربما يمدهم البعض في الغاز والزيت وهم في هذا الصدد يصرون:

 لا عودة للاجئين، لا وقف للاستيطان حتى أعلنوا مؤخرا عن 3500 وحدة استيطانية معظمها في منطقة القدس، وأن القدس خارج البحث والمفاوضات، مع الإصرار على يهودية الدولة،  إن من الواجب أن نعيش حقيقة الأخطار التي تحدق في المسجد الأقصى وواجبنا في مواجهتها ؛ خاصة أن من  المعلومات الجديدة في ذلك أن الصهاينة يبنون مدينة تحت المسجد الأقصى يمكنها أن تستوعب آلاف الزائرين كما تبنى قاعات بجوار المسجد الأقصى تتسع أيضا للالف كما أنهم بنوا مئة كنيس يهودي في منطقة القدس بالإضافة إلى نيتها بناء كنيس قرب المسجد المرواني داخل ساحات المسجد الأقصى، و تستمر أيضا سياسة التطهير العرقي العنصري لإعلان القدس عاصمة لدولة يهودية بدون عرب كان آخرها رفض تسجيل 22 ألف طفل فلسطيني في بطاقات ذويهم من مواليد القدس لئلا يعترفوا بهم كأبناء للمنطقة .

ومرة أخرى يأتي هذا السؤال هل نتنبه لهذه الأخطار ماذا فعلنا يا ترى؟ هل يمكن للتعاون الأمني أن يوقف هذا؟ هل يمكن للتعاون  الإقتصادي أن يوقف التهديد؟ هل يمكن للتحالف مع أمريكا حتى من كانوا يعلنون بالأمس أن أمريكا بالنسبة لهم الشيطان الأكبر اليوم يصبحون أصدقاء وتجري الصفقات؛ هل بهذه السياسات نحرر المسجد الأقصى؟!