من ثمرات الأعياد

خطبة الجمعة 18و25 /10/2013م

(الجزء الأول والثاني)

د. محمد سعيد حوى

_ العبادات والمناسك والشعائر والنسك من الأضاحي وغيرها و كذا الأعياد لها حكم ومقاصد عظيمة ؛ فأين نحن منها؟ .

_أين نحن من ثمرات الأعياد اليوم؟ و على وجه الخصوص  ما اشتملت عليه من نُسك ,أضاحٍ ، وأداء فريضة حج وغيرها من الأعمال الصالحة.

_يمكننا أن نلخص ثمرات الأعياد: أنها تصحيح وتقويم للعلاقة بين الخلق والخالق من جهة وبين الخلق أنفسهم من جهة آخرى.

أولا: الشكر :

فمن أول ثمرات الأعياد التحقق بالشكر لله تعالى؛ وقد قال تعالى﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الزمر: 66]

لذلك عندما حدثنا ربنا عن انتهاء الصوم قال: ﴿وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

 وعندما حدثنا عن نُسك الأضاحي وما يقدم من هدي في الحرم في أيام ذي الحجة والتشريق قال: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الحج: 36]

وحقيقة الشكر: عمل القلب والعقل والجوارح بما يرضي الله قياماً بحق النعمة مع استشعار تقصيرك بحق الله وأن كل نعمة منه سبحانه﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]

ولعظم هذا مقام الشكر قال سبحانه : (وقليل من عبادي الشكور)وقال سبحانه في حق نوح ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ﴾ [الإسراء: 3]

ونجد نبينا صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ويقول (أفلا أكون عبداً شكوراً).

نعم لو فكرت في نفسك كيف تجعل كل نعمة أنعمها الله عليك _و هي لا تعد ولا تحصى_ في طاعة الله لا في معصيته على طريق الشكر لأدركت عظم المقام.

والشكر وقاية من العذاب ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾ [النساء: 147]

والشكر طريق حفظ النعمة والزيادة ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]

وأول طريق الشكر الذكر ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]

الأعياد تذكرنا بنعم الله التي لا تعد ولا تحصى: ومن ثم واجبنا فيها الشكر؛ فمثلا افتداء الله إسماعيل بذبح عظيم وافتداؤنا معه ، وهذه من أعظم النعم نستشعرها في أعيادنا كما نستشعر نعمة تسخير الأنعام ونعود بعد ذلك نقول كما قال تعالى ﴿ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]

والشكر في حقيقته تحقيق لمعنى العبودية لله.

وحقيقة العبودية طاعة لله بخضوع وتذلل ، مع الرضا والتسلم ، مع الحب والتعظيم.

وأول ثمرات العبودية: تصحيح معنى الفهم الشامل للإسلام فهو عقائد و عبادات، وهو أخلاق و منهج حياة، وهو تشريع وشعائر، وهو قانون ودولة.

 

 

ثانياً: تصحيح الناس العلائق فيما بينهم :

فمن أعظم ثمرات الأعياد أنها المناسبة الأعظم لصلة الأرحام وبر الوالدين ووصل الجوار والأصدقاء والتواصل في ما بين الناس وإزالة الشحناء والضغائن وتصفية القلوب وكم وجدنا من علائق كانت منقطعة جاءت الأعياد لإزالة هذه القطيعة ولذلك تظهر مكارم الأخلاق في الأعياد ؛فعن أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ»البخاري ومسلم

 وقال عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» سنن أبي داود

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي المِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ» الترمذي، حديث حسن

وسئل عن أكثر ما يدخل أهل الجنة الجنةعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، فَقَالَ: «تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ» ، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ: «الفَمُ وَالفَرْجُ» حسن الإسناد - سنن الترمذي -

قال تعالى ﴿ خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]

فقد ورد في تفسير ذلك كما في بعض الآثار: صل من قطعك واعف عن من ظلمك واعط من حرمك.

وقالوا: حسن الخلق طلاقة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى.

وقد قالوا أيضا : ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار.

كذلك تكون الأخلاق.

نعم في الأعياد تحقيق معنى قوله تعالى﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]

لكن من غير منٍ ولا أذى .

ثالثاً: استشعار إنسانية الإنسان

الإنسان بلا إيمان بفقد حقيقة إنسانيته، والأعياد ثمرة الإيمان وثمرة العبودية،

نعم هاهنا وقفة طويلة كيف أن الأعياد ميدان فسيح يستشعر فيه الإنسان انسانيته إن من خلال اكرام الله له كإنسان ومن خلال تشريعات التي شرعها سبحانه لرفع قدر الإنسان أو من خلال التواصل بين الناس ومن خلال شمول هذا التواصل  المستضعفين والفقراء والأيتام.

مأساتنا اليوم أننا نفتقد في قطاعاتنا العربية حقيقة الإنسانية إذ تترسخ ثقافة الفساد والاستبداد والنفاق والخضوع وخذلان الحق، ونفتقد حقيقة الحرية و الكرامة، بل ونجد من يوالي الظالم ويناصره ويسايره.

وهنا نواجه مشكلتين

الأولى: إذ يبهر البعض بما في الغرب من عدالة وحقوق إنسان ومحاسبة للفاسدين وديمقراطية.

لكننا نتسأل لو كانوا صادقين في ذلك لماذا تدعم قوى الغرب الشرَّ في بلادنا وتدعم الفساد والاستبداد وتسرق مقدراتنا وتقتل شعوبنا في بلادنا في فليطين في غيرها ثم يؤيدون الظالم؟ فقط نشير بذلك لئلا يبهر الإنسان وإلا فنحن المسؤولون عن هذه الحالة لأننا رضينا عن هذا الوضع.

والمشكلة الثانية التي تتولد من ترسخ ثقافة الفساد والاستبداد: هو اليأس الذي قد يتراكم على بعض النفوس ومن غير إطالة في تحليل ذلك وأنه لا يجوز الاستسلام لليأس شرعاً وأن الأمر كما قال تعالى ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]

لكن المؤمن لا ييأس وعلى سبيل المثال هذه أوروبا وأمريكا عاشت دهوراً في الظلمات ثم نهضت مادياً ومدنياً

أكثر ما يحطم معنى الإنسانية فينا تأله المستبد (أنا ربكم الأعلى ) ( ما اريكم الا ما أرى) ويجعل ضريبة التغيير مرتفعة جدا  ﴿  لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الشعراء: 49]

 

لكنه مرة أخرى لا نيأس لأن سنن الله تقضي بنهاية كل طاغية وأن الله لا يصلح عمل المفسدين.

ويتعكمون من الصالحين متناسين قول الله تعالى(﴿ وَقَالُوا مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الأَشْرَارِ، اتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِياًّ أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ  ، إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴾ )[ص:62- 64]

 

رابعاً : ومن ثمرات الأعياد تحقيق الصحة النفسية والعقلية والقلبية والروحية والبدنية؛معاً، وتحقيق التوازن في نفس الإنسان بين متطلبات الروح والجسد والعقل والقلب وإيجاد الأجواء التي تساعد على السكينة والطمانينة تحقياً لمعاني التوازن في ديننا؛ وفي الحديث:

(إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا)البخاري ومسلم

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ولذلك نجد قوله عليه السلام في أيام التشريق: « أَلَا وَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» صحيح - سنن أبي داود – وأصله في صحيح مسلم

فهذا يحقق معنى الصحة النفسية كما الجسدية والقلبية والروحية .

الخطبة الثانية:

لا بد من الإشارة إلى بعض الأخطار الكبيرة التي تتهد المسجد الأقصى، ومن أخطر هذه المستجدات :

-اعلنت السلطة الصهيونية اخر شهر 9 عن عثور باحثين برعاية عالمة آثار من الجامعة العبرية على كنز عند أطراف المسجد الأقصى في القدس يجتوي على قلادة نقشت عليها صورة الشمعدان والبوق ونسخة من التوراة وعلق نتن ياهو على ذلك : هذا مكتشف أثري عظيم على الصعيد القومي وبرهان على التواجد اليهودي الطويل الأمد وعلى قدسية هذا المكان.

ومع تأكيد كثير من العلماء على أنه مجرد كذب ومجرد إعلان إعلامي ليأسهم  من إمكانية عثورهم على شيء يبرر استمرارهم في الحفريات التي تكاد تأتي على أساسات المسجد الأقصى .

لكن يأتي هذا في سياق أكبر إذا عرفنا أن هنالك مخططات عملية تهدف إلى تقسيم المسجد الأقصى كما قسم الحرم الإبراهيمي وكان من مظاهر ذلك دخول جحافل من المستوطين إلى المسجد الأقصى في ساعات الصباح في ما يسمى عيد العرش وإخراج الفلسطينيين منه وأنهم يعلنون بين الفينة والأخرى أن قدسية الهيكل ليهود كالكعبة للمسلمين ويرددون شعار بن جوريون لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل ثم يجددون تأكيدهم على رفض عودة اللاجئين(يردون على المفاوض الفلسطيني بسخربة: عدد المسموح له للعودة صفر و القدس خارج البحث) ويصرون على يهودية الدولة ويتوسعون بالإستيطان ولم يسلم منهم لا الحجر ولا الشجر يحاربون حتى شجر الزيتنون فيقطعونه ثم يجدون من عربنا من يصدر لهم الزيت والغاز

فتستمر سياساتهم في التهويد والاستيطان والتهحير والتقسم للأقصى، فماذا نقول كيف سنحمي المسجد الأقصى هل تكون حمايته بالوفود السياحية  التطبعية ؟! أم باستمرار المفاوضات غير المجدية؟! أم بالتعاون الأمني؟ أم بإمدادهم بأسباب الحياة اعتقال المخلصين من الأمة، إذن نلوم من؟(لوموا أنفسكم).