خطبة عيد الفطر 1433هـ

أ.د. عبد الرحمن البر

خطبة عيد الفطر 1433هـ

أ.د. عبد الرحمن البر

أستاذ الحديث وعلومه

وعميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر

وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين

الحمد لله الذي أعظم عَلَى عِبَادِهِ الْمِنَّةَ، بِمَا دَفَعَ عَنْهُمْ كَيْدَ الشيطان وفنَّه، وردَّ أملَه وَخَيَّبَ ظَنَّهُ، إِذْ جَعَلَ الصَّوْمَ حِصْنًا لِأَوْلِيَائِهِ وجُنَّة، وفتح لهم به أبوابَ الجنَّة، له الحمدُ كثيراً كثيرا، وله الشكرُ بكرةً وأصيلاً، الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر الله أكبر الله أكبر.

الله أكبر ما تواضعَ كلُّ شيءٍ لعظمتِه، الله أكبر ما ذلَّ كلُّ شيءٍ لعزَّتِه، الله أكبر ما خضعت الرقابُ لقدرتِه، الله أكبر ما سكن كلُّ شيءٍ لهَيْبَتِه، الله أكبر ما عَنَت الوجوهُ لعظمتِه. الله أكبر خلقَ كلَّ شيءٍ بقَدَر، الله أكبر مَلَكَ كلَّ شيءٍ وقَهَر. الله أكبر مَا شَاءَ رَفَعَ ومَا شَاءَ وَضَعَ، الله أكبر مَا شَاءَ أَعْطَى وَمَا شَاءَ مَنَعَ. الله أكبر كبيرا، وسبحان الله بُكْرةً وأصيلا. سبحان مَنْ قَهَر بقوَّتِه القياصِرة، وكَسَر بعظمتِه الأكاسرة، وأَذَلَّ بجبروتِه الجبابرةَ والأباطرة، الذين طغَوْا وبَغَوْا فأَرْدَاهُم ظلمُهم في الحافِرة.

الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وفضَّلَنا بِهِ على جَمِيع الْأَنَام، وأتمَّ علينا النِّعمةَ، وأكمل لنا العِدَّة، فصُمْنا رمضانَ، وخرجْنا نُكَبِّرُ اللهَ ونَشْكُرُه، ونحمدُه تبارك وتعالى ونستغفرُه.

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله، المانُّ على عبادِه بتواتُرِ آلائِه، المتفضِّلُ عليهم بسوابغِ نعمائِه، الذي أنشأ الخلقَ حين أراد بلا معين ولا مُشير، وخلق البشرَ كما أراد بلا شبيهٍ ولا نظير، فمضتْ فيهم بقدرتِه مشيئتُه، ونفذت فيهم بعزتِه إرادتُه، فهم فيما قضى وقدَّر عليهم يَهِيمون، و﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾.

وأشهد أن سيدَنا محمداً عبدُه المجتَبَى ورسولُه المرتَضَى، بعثه بالنورِ المُضِي، والأمرِ المُرْضِي، على حينِ فتْرةٍ من الرُّسُل، ودُرُوس من السُّبُل، فدَمَغ به الطغيانَ، وأكملَ به الإيمانَ، وأظهرَه على كلِّ الأديان، وقمعَ به أهل الأوثان، ووفَّق للاقتداءِ به مَنْ أراد هدايتَه وتهذيبَه، ونسخ بمِلَّتِه مِللاً، وطوَى بشريعتِه أدياناً ونِحَلاً، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا سبيلَ ربهِم ذُلُلاً، ومن سلك سبيلَهم واقتفى آثارَهم، مَا دار في السماءِ فَلَك، وما سبَّح في الملكوتِ مَلَك.

أما بعد، أيها الأخوة الموحدون الذين أتموا صيام رمضان وقيامه؛ فبشراكم توفيقُ الله إياكم بإكمال عِدَّةِ رمضان، وحُقَّ لكم اليوم أن تفرحوا ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58] وتلك أولى الفرحتين اللتين بشَّر بهما النبيُّ ^ الصائمين حين قال فيما أخرجه الشيخان:  «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ»، وإنا لَفِي انتظارِ تحقيقِ موعودِ الله لنا بالفرحةِ الأتمِّ والأعظمِ يومَ اللقاءِ العظيم.

لقد آتت الثورةُ المباركةُ جانباً من أُكُلِها في هذا الشهر الكريم، بعد أَنْ أعلنَ الشعبُ الكريمُ عن نفسِه وعبَّر عن أشواقِه وإرادتِه، حين واتتْه الفرصةُ الطبيعيةُ فقال رأيَه واختار قيادتَه دونَ خشيةٍ من النُّظُمِ الجائرةِ التي كانت تُطْلقُ العِنانَ لكلِّ مفسدٍ، وتُضَيِّقُ الخناقَ على الشرفاءِ الأطهارِ المصلحين، وها هو رمضانُ يودِّعُنا بعد أن غمرتْ قلوبَنا الفرحةُ بالقراراتِ الرئاسيةِ القويةِ الصائبةِ التي أعادت القرارَ في مصرَ لأهلِها المحبِّين لها والحريصين على عِزَّتِها ونهضتِها، فالحمدُ للهِ على تمام نَعْمائه، والأملُ لا يزالُ معقوداً في انتظارِ المزيدِ من القراراتِ الموفَّقةِ والأعمالِ النافعةِ في كلِّ المجالات.

ومن واجبنا أن نؤكِّدَ أن هذا الإيمانَ الذي تجدَّد في الشهر الكريم يجب أن يظلَّ حياً في نفوسِ الأمةِ، مُتَّقِداً في قلبِها، يمنحُها الزادَ ويمدُّها بالقوةِ التي تجعلها تُواصِلُ العملَ الجادَّ لتحقيق كلِّ ما مِنْ شأنِه أن يُحقِّقَ الرفعةَ والتقدُّمَ والازدهارَ للأمة.  

وبدافعٍ من حُبِّنا لدينِنا وقومِنا نُنادِي وبأعلى صوتٍ أنْ تَخْمَدَ هذه المعاركُ الداميةُ غيرُ الطبيعية، بين الشعبِ والجماهيرِ المسلمةِ وبين الحكومة المستبدةِ في سوريا، ولْتعتبِرْ هذه الحكومةُ البائسةُ بما جرى للمستبدِّين في تونس ومصر وليبيا، وعليها أن تدركَ أن هذه الجماهيرَ المسلمةَ تمتلك طاقاتٍ هائلةً من الإيمانِ والوطنيةِ، لا يُمكنُ لأحدٍ إِخمادُها، ولا مستقبلَ لهؤلاءِ الحكامِ الجوَرَة في ظل هذه الروح الجديدة التي جمعت كلَّ السوريين على اختلافِ طوائفِهم ومذاهبِهم لتحقيقِ الحريةِ والكرامةِ الإنسانية واستعادةِ دورِ سوريا الحبيبة العربيِّ والعالمي بإذن الله، وللسوريين في إخوانهم العرب والمسلمين أعوان وأنصار لن يخذلوهم بإذن الله.

لَئِنْ عَرَفَ التَّاريخُ أَوْساً وخَزْرَجاً            فَلِلَّهِ أَوْسٌ قادِمُونَ وخَزْرَجُ

وإنَّ كُنوزِ الغيْبِ لَتُخْفِي طَلَائِعاً            صَابِرَةً رَغْمَ المكائِدِ تَخْرُجُ

لا بد  أيها المسلمون -ونحن في موسمٍ عظيمٍ من مواسمِ إظهارِ الفرحِ بطاعة الله - أن نتذكر أموراً مهمةً في هذه المرحلةِ الفاصلةِ في تاريخِ أمتنا:

أولها: الاستمساكُ بدينِنا والاعتصامُ به، فهماً لأصولِه، وتَعَلُّماً لشرائِعِه، وتَمَثُّلاً لأخلاقِه، وتَحَلِّياً بآدابِه، وتطبيقاً لأحكامِه وشريعتِه، والتزاماً بأُسُسِه وقواعدِه، وتوحُّداً على عقائدِه ومبادئِه، فهو عصمةُ أمرِنا وقُطْبُ الرَّحَى في حياتِنا، وهو غايةُ ما لِأَجْلِهِ خَلَقَنا ربُّنا سبحانه وتعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، فنجعلُ حياتَنا كلَّها محرابَ عبادةٍ وطاعةٍ لله ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 161 - 163]. إن تكبيرَنا في العيدِ إعلانٌ لانتصارِ الدينِ على الدنيا، والآخرةِ على الأولى في نفوسِنا, فالله أكبر من الدنيا ولذائذِها, والله أكبر من كيْدِ ومؤامراتِ الأعداء، لقد دخلْنا الأندلسَ لما كان نشيدُ طارقِ بنِ زيادٍ في عبور البحر (الله أكبر)، وبقِينا فيها زماناً كانت الهمَّةُ تغلبُ الشهوةَ, حتى ذكر أهلُ السِّيَر أنه لما قُدِّم لعبدِ الرحمنِ الداخلِ الخمرُ قال: إني لِما يزيدُ في عقلي أحوجُ؛ لا لِما يُنقِصُه، ولقد انتصَرْنا على الصهاينةِ في رمضانَ حين كان صيحةُ (الله أكبر) نشيدَ المجاهدين، وكان يقينُ جنودِنا أن اللهَ أكبرُ من كل تحصيناتِ الصهاينةِ ومَنْ وراءَهم

إِذَا جَلْجَلَتْ اللهُ أكبرُ في الوَغَى    تَخَاذَلَت الأصواتُ عَنْ ذلِكَ النِّدَا

ومَنْ خَاصَمَ الرَّحْمنَ خابَتْ جُهُودُهُ وضَاعَتْ مَسَاعِيهِ وأَتْعَابُهُ سُدَى

لمَّا كانتْ قلوبُنا تُرَدِّدُ التكبيرَ مع الأَلْسُنِ نُصِرْنا بالرُّعْبِ مسيرةَ شهر, وأحْكَمْنا الأَمْر، فهلْ نَعِي هذا الدرس؟

أما الأمرُ الثاني: فهو الحرصُ على وحدةِ الأُمَّةِ؛ إذْ لا يُمْكنُ أن نواجهَ تحدياتِ المرحلةِ إلا بصفٍّ وطنيٍّ متماسكٍ، ولُحْمَةٍ قويةٍ مَتِينةٍ على سائرِ المستويات، بدْءاً بالأسرةِ الواحدةِ، ومروراً بالجماعاتِ والهيئاتِ المتعاونةِ، والمجتمعاتِ المترابطةِ، والصفوفِ المتحدةِ، والموَدَّةِ المتبادلةِ واحترامِ الحقوقِ الإنسانيةِ بين الحكامِ والمحكومين في الدولةِ الواحدةِ، وانتهاءً بتقويةِ أواصرِ الوَحدةِ بين الشعوب العربية والإسلامية في مختلف المجالات، لتكونَ كلُّ دولةٍ قوةً لأختِها في مناصرةِ الحقوقِ المشتركةِ وتدعيمِ القِيَمِ الفاضلةِ، وشعارُ الجميع قولُه تعالى ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]، وقوله تعالى ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: 52]، ولْيُدْرِكْ الجميعُ أنَّ التَّفَرُّقَ سِرُّ الضَّعفِ ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام: 159]، وأنَّ التنازعَ بابُ الفشل ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال: 46]، خصوصاً إذا كان العدوُّ على أبوابنا، وحريصاً على العبثِ بمقدَّساتِنا، والاستهانةِ بدماءِ جنودِنا وأبنائِنا، ومجتهداً في شقِّ صفوفِنا، وساعياً إلى الانفرادِ بكلٍّ مِنَّا على حدةٍ.

ولهذا فإننا يجب أن نقف صفًّا واحداً حازماً في مواجهةِ أسبابِ الفتنةِ والفوضى، ودعواتِ الهدمِ والتخريبِ، ومؤامراتِ بثِّ الفرقة بين أبناء الشعبِ الواحدِ، ومحاولاتِ العودةِ للماضي الكئيبِ، وندعو الذين يتنادَوْن لحشدِ الجموعِ بزعم إسقاطِ الرئيسِ المنتخبِ بإرادةٍ شعبية حرَّةٍ لأنْ يُراجعوا أنفسَهم، ويستمعوا  لصوتِ العقْلِ، ويُجنِّبوا الأمةَ الشرورَ والفتن، وليعلموا أنَّ التاريخَ لا يمكن أن تدورَ عجلتُه إلى الخلف أبدا، وأنَّ من الخير لهم وللأمة أن يصرفوا جهودَهم وأموالَهم وأوقاتَهم إلى عملٍ صالحٍ يحقق خيرَ البلادِ والعبادِ، وأن يخوضوا المنافسةَ السياسيةَ في خدمةِ الوطنِ بشرفٍ وصدقٍ وإخلاصٍ مع كل الفصائل الوطنية الشريفة، وأن يجتهدوا في صَوْغِ وتقديمِ برامجَ نهضويةٍ عمليةٍ تُلَبِّي طموحاتِ الشعبِ وتستجيبُ لآمالِه، بدلاً من استفراغ الطاقة والجهد والوقت في النَّيْل من العاملين والتحريضِ على المجتهدين وتشويهِ الصادقين، وإني أذكرهم بتحذير الله تبارك وتعالى ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الشورى/41، 42].

وإنني أنادي كلَّ وطنيٍّ غيورٍ وكلَّ مخلصٍ لدينِه وأمتِه إلى التوحُّد خلفَ الرئيسِ المنتخَبِ الذي يثبت كلَّ يوم أن مصر قد دخلت معه عهداً جديداً، يحتاج إلى تضافرِ الجهودِ وتكاتُفِ الصفوف، وبذلِ غايةِ  الجهدِ في مواجهةِ المشاكلِ التي خلَّفها النظامُ البائدُ، الذي تُصِرُّ بعضُ بقاياه على عدمِ قراءةِ الواقعِ أوالتجاوبِ مع حقائقِه، وتسعى في منعِ أيِّ نجاحٍ وتعويقِ أيِّ جهدٍ مخلصٍ لنهضةِ البلاد، وكلُّها محاولاتٌ محكومٌ عليها بالفشلِ؛ لأنها ضدَ قانونِ اللهِ الثابتِ في انتصارِ الحقِّ وزُهُوق الباطل، وغلبةِ الخيرِ وانهزام الشر ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور/55]

أيها الإخوةُ الموحِّدون، أيهاالمسلمون ، أيها الناسُ أجمعون: إنَّ نصرَ هذه الأمةَ قد انعقد غَمَامُه، وقد أقبلتْ أيامُه، فأَحْسِنُوا الظنَّ بربِّكم، واجمعوا صفوفَكم، واقرِنُوا مع الأملِ حسنَ العملِ, واعلموا أنَّ الشدائدَ التي تمرُّ بها الأمةُ هي أماراتُ ميلادٍ جديدٍ بإذن الله، فإنَّ مع العُسْرِ يُسْراً، إنَّ مع العُسْر يُسْرا، وقدْ لَاحَتْ بشائرُ الصبحِ الجديدِ تغنِّي قصيدةَ الأملِ المنشود:

لا تقولوا:زَرَعَ الزَّارِعُ والباغِي حَصَدْ

ذهبَ الأقْصَى وضاعَتْ قُدْسُنا مِنّا وحَيْفَانا ويَافَا وصَفَدْ

لا تقولوا: حارسُ الثَّغْر رَقَدْ

أنا لا أُنكرُ أنَّ البَغْيَ في الدُّنيا ظَهَرْ

والضَّميرَ الحيَّ في دوَّامة العصرِ انْصَهَرْ

أنا لا أُنكر أنَّ الوهمَ في عالمِنا المسْكونِ بالوَهْمِ انْتَشَرْ

غيرَ أنَّي لم أزلْ أحلفُ باللهِ الأحَدْ

أنَّ نَصْرَ اللَّهِ آتٍ ، وعدوَّ اللهِ لنْ يَلْقَى من الله سَنَدْ

لنَ يَنَالَ المعتدِي ما يبتَغِي في القُدْسِ...

ما دامَ لنَا فيها وَلَدْ

الأمرُ الثالث: أن تتعلَّم الأمةُ كلُّها الدَّرْسَ الذي لم يفهمْهُ المستبِدُّون الساقطون إلا بعدَ فَوَاتِ الأَوَانِ، وهو أنَّ الركونَ إلى الدُّنْيا والاغترارَ بالسلطانِ والقوَّةِ والجاهِ والإِغْراقَ في التَّنَعُّمِ والمَلَذَّاتِ وإهمالَ حاجاتِ الشعوبِ وإغراقَهم في مجاعاتٍ قاتلةٍ وأمراضٍ فتَّاكةِ، وتسليطَ قُوَى البَغْيِ والقمعِ للتسلُّط على الناسِ مآلُه إلى الخزيِ والعارِ ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [الحشر: 2]. وأذكِّر بقية المستبِدِّين هنا بما ذكره أبو بكر الطرطوشي في (سراج الملوك) أنَّ مروانَ بنَ محمد آخرَ ملوكِ بني أميَّةَ سُئِل: ما الذي أضعفَ مُلْكَكَ بعد قوةِ السلطانِ وثباتِ الأركان؟ فقال: الاستبدادُ برأيي. كما أذكر المترَفين الغارقين في الملذات المشغولين عن مصالح أمتهم بهذه القصة عن أحد مُتْرَفي أمراءِ الأندلس:

كان المعتمِدُ بنُ عَبَّادٍ أحدُ أمراءِ الأندلُسِ، وأقام بالمُلكِ نَيِّفاً وعشرين سنةً، وقد ذكر التلمساني في (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) والزَّرَكْلِي في (الأعْلام) أنَّ زوجتَه الرُّمَيْكِيَّةَ رأتْ ذاتَ يومٍ بإِشْبِيليَّةِ بعضَ نساءِ الباديةِ يَبِعْنَ اللبَنِ في القِرَب، وهُنّ ماشياتٌ في الطِّينِ رافعاتٌ عن سُوقِهنّ، فقالتْ له: أَشْتَهي أنْ أفعلَ أنا وجَوَارِيِّ مثلَ هؤلاءِ النساءِ، فأمر المعْتمِدُ بالْعَنْبرِ والمسكِ والكافورِ وماءِ الوَرْد، وصيَّرَها جميعاً طيناً في قصره، وجعل لها قِرَباً وحبالاً من إِبْرَيْسم، وخرجت فخاضتْ هي وبناتُها وجواريها في ذلك الطين.

وجرت السُّنَّةُ الإلهيةُ وتهاوَى ملكُه بسببِ اللَّهو والغفلةِ والإغراقِ في الشهواتِ, لِيُؤْخَذَ المعتمِدُ وهي معه أسرى إلى (أَغْمَاتَ) من بلاد المغرب، فيقال: إنّه لمّا خُلِع من المُلْكِ وكانت تتكلّم معه مرّةً، فجرى بينهما ما يجري بين الزوجين، فقالتْ له: والله ما رأيتُ منك خيراً، فقال لها: ولا يومَ الطِّين؟ تذكيراً لها بهذا اليوم الذي أباد فيه من الأموال ما لا يعلمه إلاّ الله تعالى، فاستَحْيَتْ وسكتَتْ. وبقي بنوه وبناتُه يتجرَّعْنَ كأسَ الفقرِ بعدَ الغِنى، والذِّلَّةَ بعدَ العِزَّةِ، وكُنَّ بناتُه يغْزِلْنَ للنّاسِ بالأُجرةِ في (أغْماتَ)، ويذكر التلمساني والذهبي في (تاريخ الإسلام) وابن كثير في (المختصر في أخبار البشر) أنه دخل عَلَيْهِ فِي السجْن بنوه وَبنَاتُه يُهَنُّونه يَوْم عيدٍ، وعَلى بَنَاتِه أَطْمَارٌ (أي ثيابٌ بالية) كَأَنَّهَا كسوفٌ وَهُنَّ أقمارٌ، وأقدامُهنَّ حافيةٌ، وآثارُ نِعمتِهنَّ عَافِيَة (أي ذاهبة)، فَصَدَعْنَ قلبَه، فقال:

فيما مَضَى كُنْتَ بالأعيادِ مسرورًا ... فسَاءَكَ العِيدُ في أَغْماتَ مَأْسُورا

تَرَى بَنَاتِكَ في الأَطْمَارِ جائِعةً ... يَغْزِلْنَ لِلنَّاسِ لا يَمْلِكْنَ قِطْميرا

بَرَزْنَ نَحْوَكَ لِلتَّسْليمِ خَاشِعةً ... أَبْصارهُنَّ حَسِيراتٍ مَكَاسيرا

يَطَأْنَ في الطِّينِ والأَقْدامُ حَافِيةٌ ... كأَنَّها لَمْ تَطَأَ مِسْكًا وَكَافورا

قَدْ كَانَ دَهْرُكَ إِنْ تَأمُرْهُ مُمْتَثِلاً ... فَرَدَّكَ الدَّهْرُ مَنْهِيّاً وَمَأْمُورا

مَنْ بَاتَ بَعْدَكَ في مُلْكٍ يُسَرُّ بِهِ ... فإنَّما بَاتَ بِالأَحْلامِ مَسْرُورا

فهلْ يَعِي المتحَكِّمون في مصائرِ الشعوبِ هذا الدرسَ قبلَ فَوَاتِ الأوان؟ وهل يُدْرِكُون أنَّ العصرَ القادمَ هو عصرُ الشعوبِ بامتيازٍ، فيَقْتَرِبُون مِنْ شعوبِهم، ويَعْدِلُون في حُكْمِهم، ويُنْقِذون أنفسَهم وأهليهم وأوطانَهم من النهايةِ المأسوفةِ، ويتعاونون مع المخلصين مِنْ أبناءِ وطنِهم في تحصيلِ أسبابِ المجدِ والارْتقاء؟ هذا أَمَلُنا، إنْ يَكُنْ عزيزاً فما هو على الله بعزيز. أسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أنْ يجمعَ الأمةَ على كلمةٍ سواء.

أقول قَوْلي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كثيرا، واللهُ أكبر كبيرا، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، جلَّت نعمُه عن الإحصاءِ، وأشهد أن محمداً عبدُ الله ورسولُه مِسْكُ خِتامِ الأنبياء، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليْه وعلى آلِه وصحبِه ما بَقِيَت الأرضُ والسماء.

أما بعد، أيها الإخوة الموحِّدون، فإنَّ علامةَ قَبُولِ أيِّ طاعةٍ من الطاعات أنْ يَصِلَها صاحبُها بطاعةٍ أخرى، وعلامةَ رَدِّها أنْ يُعْقِبَ تلك الطاعةَ بمعصيةٍ، فما أحسنَ الحسنةَ بعد السيئةِ تمحُوها! وأحسنُ منها بعدَها الحسنةُ تَتْلُوها، أخرج الترمذي وصحَّحه عَنْ أَبِي ذَرٍّ t قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»، فهل فكَّرْتَ وأنت تُوَدِّعُ رمضانَ بكلِّ ما فيه من رُوحَانيَّاتٍ عاليةٍ وإيمانيَّاتٍ ساميةٍ، كيف سيكون حالُك بعدَ رمضانَ من الإقبالِ على اللهِ والقُرْبِ منه؟، أم أنك ستفعل ما اعتاده بعضُ الغافلين من طَيِّ سِجِلِّ العملِ الصالحِ بعد رمضان؟ على حدِّ قولِ القائل:

رمضانُ وَلَّى هَاتِها يا سَاقِي


 

 

مُشْتَاقَةً تسْعَى إلى مُشْتَاقِ


 

 

قيل لِبِشْرٍ الحافي: إنَّ قوماً يتعبَّدون ويجتهدون في رمضان، فقال: بئس القومُ لا يعرفون للهِ حقَّا إلا في شهر رمضان! إنَّ الصالحَ الذي يتعبَّدُ ويجتهدُ السنةَ كلها. وسُئِل أحدُ العلماء: أيُّما أفضلُ رجبٌ أم شعبان؟ فقال: كُنْ ربانيًّا و لا تكنْ شعبانيًّا، كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم عملُه دِيمَة. أخرج الشيخان عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ ^؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟ قَالَتْ: «لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَطِيعُ». وأخرج الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» زاد مسلم : وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ.

إذا كان رمضانُ قدْ وَلَّى فإنه قد ترك فينا خوفَنا من اللهِ ربِّ العالمين، وقد تدرَّبْنَا فيه على الصيامِ وحبسِ النفسِ عن الشهواتِ، وتعلَّمْنا أنْ نقومَ فيه بالليلِ لله، وتدرَّبْنا على أن نقولَ فيه للناسِ حُسْنا، وهو ما ينبغي أنْ نحافظَ عليه بعدَ رمضان، حتى نُحقِّقَ التقوى التي هي الغايةُ من تشريعِ الصيام ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].

فالعبدُ المسلمُ الحقيقيُّ يكون عبداً ربانيًّا لا عبداً رمضانيًّا؛ لأنَّ ربَّ رمضانَ هو ربُّ الشهورِ كلِّها، والعاقلُ يعتبر رمضانَ مرحلةً تدريبيةً يخرج منها قادراً على مواجهةِ الحياةِ والشهواتِ والمفاسدِ؛ ليعيشَ حياتَه مُرْضِياً لله ربِّ العالمين. فيا مَنْ وفَّى في رمضان على أحسن حال لا تُغَيِّرْ في شوَّال، ويا مَنْ أدركَ العيدَ عليك بشُكْرِ النِّعَمِ والثَّناءِ على العطاءِ، ولا تَنْقُضْ غَزْلاً مِنْ بعد قوةٍ وعناءٍ ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (النحل : 92).

وقد شرعَ لنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم صيامَ ستةِ أيامٍ من شوالٍ وصيامَ أيامِ الاثنين والخميس، وصيامَ ثلاثةِ أيامٍ من أوْسطِ كلِّ شهرٍ، وصيامَ يومِ عاشوراءَ، وغيرَ ذلك من صيامِ النوافِلِ؛ لنبقَى دائماً على حالةٍ منَ التواصُلِ مع هذه الطاعةِ الكريمةِ وما تُرَبِّي عليهِ منْ أخلاقٍ وآداب. 

أيها الإخوةُ الموحِّدون، العيدُ فرصةٌ لتحسينِ العلاقاتِ وتسْويةِ النِّزاعاتِ وقطْعِ العداواتِ وصِلَةِ الأرحامِ، وتقارُبِ القُلُوبِ، وزَوالِ الشَّحْناء والغِلِّ من الصُّدُورِ إلى غيرِ رَجْعةٍ، فيجب أن نتمثَّل صفةَ أهلِ الجنةِ لنكونَ من أهلِها في الآخرة. فأهلُ الجنةِ يقول الله عنهم: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ (الحجر:47). ما أجدَرَنا اليومَ أنْ نقرأَ ونُنَفِّذَ قولَ الله تعالى ﴿خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ﴾ (الأعراف:199).  رَوَى ابنُ أبي حاتم عن سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ الْعَالِمَ، ثُمَّ عَادَ جِبْرِيلُ، وَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ إنَّ رَبَّك يَأْمُرُك أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ» فتأدَّبَ صلى الله عليه وسلم بهذا؛ فأثنى الله عليه وقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (ن:4)

وما دعوةُ الإسلامِ إلى جَمْعِ المسلمين في مكانٍ واحدٍ لأَداءِ صلاةِ العيدِ إلَّا توجيهاً عمليًّا لجمعِهِم على الحق، والتأليفِ بين قلوبِهم على التقوى، حتى يُحَققوا ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن النعمانِ بنِ بشير y: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».

جديرٌ بنا في هذا اليوم أيها الأخوة والأخوات أن نمدًَّ أيديَنا بالمصافحةِ، وألسنَتَنا بالكلامِ الطيِّبِ، وأن نغسلَ قلوبَنا من الأضغانِ والأحقادِ والشحناءِ والبغضاءِ، وأن يكونَ العيدُ فرصةً لِصِلَةِ المتهاجِرِينَ والْتِقَاءِ المتقاطِعِين. إنَّ الرجلَ الكريمَ هو مَنْ يَعْفُو عن الزَّلَّةِ، ولا يُحَاسِبُ على الهَفْوَة، ورحم الله من قال:

وإنَّ الَّذِي بَيْنِي وبَيْنَ بَنِي أَبِي      وبَيْنَ بَنِي عَمِّي لَمُخْتَلِفٌ جِدَّا

أَرَاهُمْ إِلَى نَصْرِي بِطَاءً وَإنْ هُمْ     دَعَوْنِي إِلَى نَصْرٍ أَتَيْتُهُمْ شَدَّا

إِذَا قَدَحُوا لي نَارَ حَرْبٍ بِزَنْدِهِمْ     قَدَحْتُ لهُمْ في كُلِّ مَكْرُمَةٍ زَنْدَا

وإِنْ أَكَلُوا لَحْمِي وَفَرْتُ لحُومَهُمْ     وإِنْ هَدَمُوا مَجْدِي بنَيْتُ لهُمْ مَجْدَا

وَلَا أَحْمِلُ الحِقْدَ القَدِيمَ عَلَيْهِمُوا      ولَيْسَ رَئِيسُ القَوْمِ مَنْ يَحْمِلُ الحِقْدَا

اللهم إنا نسألُك طهارةَ قلوبِنا، وزكاةَ نفوسِنا، وعِفَّةَ ألسنَتِنا، وغَضَّ أبصارِنا، وصَوْنَ أسماعِنا عن كلِّ ما حَرَّمْتَ عَلَيْنا، ونسألُك اللهمَّ إيماناً كاملاً، ويقيناً صادقاً، وقلباً خاشعاً، ولسانًا ذاكراً، وطرفاً دامعاً، وتوبةً قبل الموتِ، ومغفرةً بعد الموتِ، برحمتك يا أرحم الراحمين .

اللهم أصلحْ لنا وليَّ أمرِنا، وأصلِحْنا له، وأَنِرْ بالإيمانِ بصيرتَه، واجمعْ له الكلمة، وأتمَّ عليه النعمةَ، وارزقْه البطانةَ الصالحةَ والوزارةَ الناصحةَ، التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، وزِدْهُ توفيقاً على توفيقه، واحفظْه من كيد الحاسدين ومكر الماكرين، وهيِّءْ له من أمره رشَدا، واجعل معونتَك العظمى له سنَدا، حتى لا يفعلَ إلا ما يرضيك، ولا يفكرَ إلا فيما يصلح خلقك، يا أكرمَ مسئول وأعظمَ مأمول.

اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وارْفَعْ بفضلِكَ كلمةَ الحقِّ والدِّين، ونكِّسْ راياتِ الظالمين والمستَبِدِّين، وأَرِنَا فيهم عجائبَ قدرتِك، وعظيمَ سَطْوَتِك، اللهم اجعل الخُلْفَ في صفوفِ الظالمين وأعداءِ الدِّين، واقْذِف الرُّعْبَ في قلوبِ الصهاينةِ الآثِمين، والْطُفْ بعبادِك المؤمنينَ من المضطَهدينَ والمُعَذَّبِين في كل مكانٍ، يا ربَّ العالمين.

اللهم اجعل لنا وللمسلمينَ من كلِّ همٍّ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل فِتنةٍ عِصْمةً، ومن كل بلاءٍ عافيةً، واجعل هذا العيدَ أمناً وسلاماً وراحةً وطُمأَنِينةً على المسلمين في كل مكان، يا رب العالمين. اللهم إنا نسألُك أن توفِّقَنا بعد رمضانَ للصالحاتِ، والمواظبةِ على الطاعات، وعدمِ الرجوعِ إلى الغفلةِ والمعاصي والمُلْهِيات، برحمتِك يا ربَّ الأرض والسماوات. وآخرُ دَعْوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.