الكعبة تئـنّ وتبكي ربيعنا

صدى الثورة: نِعَم

 نعم، كيف لا تئنّ المسلمينَ وتبكيهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لها: "لقد شرّفك الله وكرّمك وعظّمك، والمؤمن أعظم حرمةً منك"، حرمة المؤمن، تلك التي أهينت، فسُفك دمه، وسُرق ماله وهُدم بيته ويُتّم ابنه ورُمّلت امرأته وأُنتهكَ عِرضه، فأين ما تبقّى من حرمة؟!

 اصدقوني القول وأجيبوا: ألا يحصل هذا في سوريّة اليوم بل وأكثر من هذا بكثير؟! بلى يحصل، والكعبة تئنّ على حالهم هناك، وصوت الشيخ لازال يرنّ في أرجاء الحرم لا يلامس آذان الحجارة، تلك التي لامستها من قبل نداءات الاستغاثة، تلك التي آلمها الحال فتشكو إلى الله شديد المِحال! ويكأنّ الشيخ في الصين يخطب للمؤمنين في مواضيع الطلاق والزواج، في الأخلاق والعبودية لله، وعن العيد وعن تعاقب الأزمان! ولو كان في الصّين والله لربّما خطب نصرةً لإخوانه في الدّين، أو فلنقل بالإنسانيّة!!

 في سوريّة يصل الدم إلى الرّكب، لكن يبدو أن هذا الدم لم يهزّ قلب الشيخ (الشيوخ) بعد ليهزّ المنابر وقلوب المؤمنين مصطفين ألوفًا مؤلّفة، أو أنّ الموافقة الأمنية لم تأذن بعد لخطيبٍ أن يهتزّ قلبه! أو أنها فتنةٌ يبرأ إلى الله منها! واعجبي! لكنّي لا أحسب أنه يجهل أنّ خطبة الجمعة كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة تساير كلّ مستجدّ من مستجدات الأمور في المدينة..!!

 لأصدقكم الحديث، أنا لا أتابع خطب الجمعة من الحرم المكي الشريف لأني في الربيع العربي والخطيب لا يزال في الخريف! أستمع إلى خطب الجمعة على شاشة الجزيرة مباشر، من مصر وليبيا واليمن ومن سوريّة في حال توفّرت، أستمع لها فأجد نفسي هناك، روحي تحلّق بين المأمومين لأنها أخذتني بكياني كله وملكت عليّ قلبي ولبّي وخاطبت همومي وفكري، ولكني وصلت إلى الخطب عن طريق الشبكة العنكبوتيّة، استمعت إلى أكثرها وقرأت بعضها قراءة، تركت خطبة وأخذت خطبة من العشرين الأواخر، فيكون ما أخذته عشر خطب من بعد تاريخ الخامس عشر من شهر مارس/آذار أحسب أنها تجزئ عن سماع خمسة وثلاثين خطبة من بعد هذا التاريخ إلى تاريخ كتابة المقال، إذ من المنطق أن تكون الخطبة بعد مرور الأشهر أشدّ وأقوى، وأكثر مسايرةً للأحداث، ألا تعتقدون هذا؟! أسرد هنا لمحات مما جاء فيها ووقفت عليه لتكون أمامكم شاهدًا أعود بعدها إلى حديثي:

خطبة 26صفر1433 الموافق 20يناير2012: مسائل في الطلاق

 بعد الحمد والثناء أشار الشيخ إلى أن الزواج والحياة الأسرية هي محل الاهتمام في ديننا، ومحل العناية من علمائنا وأهل الفكر والرأي فينا وعلماء الاجتماع والنفس، لأن هناء الزوجين واستقرارهما واستمرارهما هو هناء الحياة واستمرارها وسعادة المجتمع واستقراره(!) وأشار أنه ليس في البيت منتصر ولا مهزوم بل النصر للجميع والهزيمة على الجميع. ثم عرج إلى الحديث عن الطلاق وأثره على الأطفال من انتشار الجريمة والأمراض النفسية، وأثره على المطلقة وغيره من آداب ومسائل خاصة بالطلاق.

ونسي أن يدعو (لإخوانه المسلمين) في سوريّة.

خطبة 12صفر1433 الموافق 6 يناير2012: المبادرة إلى الصلح ونبذ التحريش والخصومات

 يشير فضيلته إلى أن: التعارف و التوادّ بين الناس ضربان خاصّان من المحبّة في النفس ليس لهما في الأنواع ضريب، فهما اللذان يلتقي بهما بشران يتمم كل منهما الآخر، والناظر في واقع الناس اليوم سيجد ثلمة تخدش الصفاء والمودة. وأضاف أن: الصلح جائز بين المسلمين في الحقوق وواجب لنزع فتيل التباغض والتدابر، وذهب إلى قوله: ألا فاتقوا الله عباد الله، وكفى خصومات وتدابرًا لا سيّما فيما هو من تفاهات الأمور وسفسافها.

ونسي أن يدعو (لإخوانه المسلمين) في سوريّة

خطبة 28 محرم 1433 الموافق 23ديسمبر 2011: صيانة الأخلاق والقيم

 تحدث الشيخ عن القيم بما يدور حول قوله: لئن كانت الأديانُ روحَ الأمم فإن القِيَم أجسادُها، فلا جسدَ بلا روحٍ، ولا روحَ بلا جسد، ولئن كانت الأديانُ غيثَ السماء فإن القِيَم نبْتُ الفِطَر. وقال: إن الغَيور على دينه وأمته، الناصحَ لله ولرسوله ولأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم ليتقطَّعُ قلبُه أسَفًا، ويتحرَّقُ خوفًا ووجلاً حين يرى قِيَم الأمة تتحطَّمُ على يدِ إعلامٍ هابطٍ.
ونسي أن يدعو (لإخوانه المسلمين) في سوريّة

خطبة 14 محرم 1433 الموافق 9ديسمبر 2011: العبودية والخضوع لله

 يتساءل الشيخ فيقول: أين عقلك أيها الإنسان؟ وأين قلبك أيها الإنسان؟ وأين تفضيله لك على كثير ممن خلق تفضيلا؟ ألا قتل الإنسان ما أكفره، يخلقه ربه ثم هو يخضع لغيره، ويرزقه ربه فيشكر غيره، فضّله ربه بالعقل والحكمة والآدميّة، فأبى أكثر الناس إلا كفورًا.

ونسي أن يدعو (لإخوانه المسلمين) في سوريّة

خطبة 29 ذو الحجة 1432 الموافق 25 نوفمبر 2011: عام مضى بما فيه وعام مقبل فما أنت صانع ٌ فيه

 وفيها يخاطب حجاج بيت الله الحرام فكان مما قال: في تقلب الأيام وتصرّم الأعوام فرص للمراجعة والمحاسبة، فطوبى لمن أخذ العِبرة، وفاضت منه العَبرة، والحسرة لأرباب الغفلة.

وهنا ذكر الشيخ في دعائه إخوة في الدين فقال: اللهم إنّ لنا إخوانًا، مستضعفين مظلومين، قد مسهم الضر وحلّ بهم الكرب، واشتدّ عليهم الأمر، تعرّضوا للظلم والطغيان، سُفكت دماء وقتل أبرياء ورملت نساء ويُتّم أطفال، اللهم يا ناصر المستضعفين ويا منجي المؤمنين انتصر لهم وتولَّ أمرهم، واكشف كربهم وارفع ضرَّهم.
لكنّه لم يسمّهم!

خطبة 15 ذو الحجة 1432 الموافق 11 نوفمبر 2011: أيها الحجاج هلمّوا إلى ميلادٍ جديد

 كان مما ذكره الشيخ: "وإننا باسم الأمة الإسلامية قاطبة لنناشد من مهبط الوحي ومنبع الرسالة قادة الأمة وشعوبها القيام بدورهم التأريخي في العمل على بثّ الأمن والاستقرار في مجتمعاتهم ونبذ العنف والقمع والقتل والعدوان ورفع الظلم والبغي والطغيان مدركين أن الوعي الحصيف هو السبيل بعد الله لاختيار طريق التوحيد والوحدة لا التخبّط والاضطراب والفوضى".

وختم بدعاء منه: " اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اكشف الغمّة عن هذه الأمة، اللهم احقن دماء المسلمين واحفظ أمنهم وأمانهم واستقرارهم في كل مكان يا رب العالمين. (!)

خطبة 1 ذو الحجة 1432 الموافق 28 أكتوبر 2011: الصبر على الابتلاء

 "من إخبار بأن أهل الصبر هم أهل العزائم الذين لا تلين لهم قناة في بلوغ كل خير في الدنيا والآخرة (ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور)، ومن إخبار أن ما يلقّى الأعمال الصالحة وجزاءها والحظوظ إلا أهل الصبر."

 ونسيَ أيضًا (إخوانه) المسلمين في سوريّة..!


خطبة 16 ذو القعدة 1432 الموافق 14 أكتوبر 2011
: الحجّ ينادي

 الخطبة (مبيّنة) من عنوانها، ولكنّ مهمًّا قيل فيها:
 "لقد سبق الإسلام كل المحاولات البشريّة، لإيجاد منطقةٍ آمنة وزمن آمن، وإن شئت فقل زمانًا ومكانًا آمنًا منزوع السلاح، يأمن الناس فيه وينعمون بالسلام، وهذا من أعظم مقاصد الإسلام، الذي قصد إلى إشاعة الأمن والسلام، فالواجب على المسلمين أن يستشعروا هذه الحرمة، ويعظّموا الأشهر الحرم، خصوصًا بعد عامٍ عصفت فيه (الفتن)، واضطربت الأحوال، وأزهقت أنفس واختلطت أمور. ومن الناس من تشابهت عليهم الأزمنة، واختلطت في أفهامهم الأمكنة، فكأنما الأشهر الحرم حلٌّ لأشد المحرمات، وهي الدماء، وكأن البلد في بعث (الفتنة) بها سواء، وكأننا نعيش زمن الخبر النبوي المتحقق في آخر الزمان، يكثر الهرج، وهو القتل، ولا يدري القاتل فيم قتل، ولا المقتول فيمَ قُتل، وهي (فتنٌ) الراقد فيها خير من القاعد، والقاعد خيرٌ من الماشي."

وإلى ما هنالك من هذا الحديث.

خطبة 2 ذو القعدة 1432 الموافق 30 سبتمبر 2011: الامتثال لأوامر الله

و ربما قد كانت أفضل ما قيل!

 في هذه الخطبة قال الشيخ: "كلُّ إنسان على هذه البسيطة له أمنية لا تفارق خياله، ولا تنفكُّ عن أن تكون من أهم تطلعاته في هذه الحياة، وهي أن يعيش حرًّا كريمًا عزيزًا تتاح له مساحة واسعة من الحريّة والاستقلال، ليشارك ويحاور، ويأخذ ويعطي، وإلى هذا الحد نجد أن شريعتنا الغرّاء قد كفلت لكل مسلم هذه الأمنية ورعتها حقّ رعايتها، فجعلته حرًّا عزيزًا كريمًا، لا سلطان عليه غير سلطان الشريعة، فهو حرٌّ صبيًّا وشابًّا وكهلاً وشيخًا في حرية مطلقة ما لم يخلَّ بواجباته تجاه ربِّه ودينه وبني ملَّته، وما لم ينتهك من الموانع والمحاذير ما يوقف عنه هذه الخصّيصة التي يتطلع إليها، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره ، التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه" رواه مسلم.

 "لقد تواطأ الناس على البحث عن الحريّة والكرامة، وأعياهم طلابها، غير أن كثيرًا منهم سار في غير مسارها والتمسوها في غير مظانّها فحسبها بعضهم في اللهث وراء الدنيا بزينتها وزخرفها والعبّ منها كما الهيم، بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلكم، ليصير مفهوم الحرية عنده إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب ....... وأن الحرية عندهم أن تقول ما تشاء وتفعل ما تشاء وتكتب ما تشاء وتتكلم فيمن تشاء"..!

 وبعد ذكر عدة أحاديث في حرمة دم المسلم قال الشيخ: "ألا فليتق الله أولئك الظالمون المتهورون الذين يصوبون فوهات بنادقهم وأسلحتهم إلى صدور إخوانهم، وبني مجتمعهم، فيقتلون ويسرفون في القتل، ويرتكبون أبشع الجرائم والمجازر، فلا يرعون حرمة دمٍ ولا مالٍ ولا ولد، كل ذلك لأجل عرض من الدنيا زائل، قدّموا مصالحهم على حرمات العباد، حتى لقد صار إهراق الدم عنهم أهون من قتل البعوضة، وتالله وبالله إن لهذا لهو البوار وهو الخسران ... ألا فليتق الله الذين يقتلون إخوانهم في بلدانهم"

وختمها بالدعاء لله بإصلاح الأحوال في مصر وسوريّة واليمن وليبيا وسائر بلاد المسلمين.
فاللهم آمين

خطبة 18 شوال 1432 الموافق 16 سبتمبر 2011: فتنة انحراف الفهوم والعقول

 "أيها المسلمون: في هذه الآونة التأريخية، تعيش أمتنا الإسلامية فتنًا حالكة، وعواصف من المآسي هالكة، اختلفت ضروبها واستحرّت كروبها، وغدت كعارضٍ منهمر و برق مستمر، أملت على المسلمين التدبر والاعتبار وعلاجها عاجلاً بأوفق مسبار، ولكن في حكمة واقتدار، ومن أنكى تلكم الفتن في الأمة وملّتها ووحدتها وألفتها، فتنة انحراف الفهوم والعقول"
ثمّ دعا للمسلمين أن يحقن الله دمائهم في كلّ مكان، ورفع ضرهم وإصلاح أحوالهم..

 بعد هذه الخطب الهشّة الهزيلة، الهشّة –عذرًا- فكرةً ومضمونًا، فكرة لأنه –عذرًا أخرى-من السذاجة بمكان أن يطلب معلمٌ من طالب كتابة موضوع عن اليهود، فيكتب له عن التعايش معهم في أحسن الأحوال، أو يكتب عن المشاكل الاجتماعية على أساس أنهم يعانون منها أيضًا! أما مضمونًا، فلأن الاعتماد على"نيّة" زراعة القمح لن تزرعه، ولأن زراعة القمح في الصحراء سذاجة من نوع آخر..!

 فأتساءل بعد هذه الخطب، إذا سلّمنا وقلنا أن ثورة تونس كانت خروجًا على (وليّ الأمر) زين الهاربين الذي منع النساء حتى من ارتداء الحجاب، وضيّق على الرجال حتى في صلاتهم، وصنع دولةً بوليسيّة تنكّل بالمواطنين وتسومهم سوء العذاب، وإذا كانت ثورة مصر خروجًا على (وليّ الأمر) الذي جوّع أهل مصر وقيّد حرياتهم، وتطاول ليساهم في تجويع أهل غزّة أيضًا، ثمّ كان على عهده قيام دولة أمنيّة تقف للمواطن المصري بالمرصاد، نشرت فيه الفقر والرشوة والمحسوبيات، هذا غير الحوادث الكارثية التي كان يحدث واحد منها على الأقل كل عام بسبب الإهمال وسرقة المال العام، من غرق باخرة إلى انحراف قطار إلى انهيار المقطّم وكذلك بنايات على رؤوس أصحابها! وإذا كانت ثورة ليبيا خروجًا على (وليّ الأمر) الـجرذ القذافي، الذي ألّه نفسه فصنع له كتابًا أسودًا هو مرجع الأمّة الليبية، فيه من التخابيص والغباء ما يضحك ويبكي في آن، والذي أخذ بأيدي كثير من الليبيين من حياة ما فوق الأرض إلى ما تحتها! وإذا كانت ثورة اليمن خروجًا على (وليّ الأمر) الذي دمّر اليمن وعاث فيها فسادًا حتى إنك لتحسب اليمن في عالمٍ آخر لا يمتّ لعالمنا بصلة، ونشر الفقر بين أبناء اليمن السعيد فصار حزينًا، وحوّل قهوته المحبوبة السمراء إلى سوداء كما هي حياة اليمنيين بمرارتها، إذا كان كلّ هذا خروجًا على أولياء الأمور المسلمين المؤمنين القانتين لله التائبين العابدين الفاعلين لأوامره المجتنبين نواهيه الآخذين على يد من يخالف الكتاب والسنة والضاربين بيد من حديد على الخارجين عن حدود الله! فهل الأمر هذا ينطبق على وليّ الأمر السوريّ النصيري العلويّ المتّخذ نفسه ربّ الأرباب ومسبب الأسباب، آخذ الحكم من يد ربّ العباد، وما أخذ من يد رب العباد بالقوّة لن يعود إليه إلا بالقوّة؟؟؟!