الجمال النبوي

خطبة الجمعة 25 / 12 / 2015م

13ربيع الأول/ 1437هـ

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ﴾ [الأحزاب: 45-46].  شرح الله الصدور به r فأنزل: (ألم نشرح لك صدرك)، ورفع ذكره r ( ورفعنا لك ذكرك) تكلمنا عن وجوب حب النبي r وأنه فرض وإيمان، وانه مقترن بحبنا لله، وهو من حبنا لله سبحانه، وتكلمنا عن تحقق الصحابة بحبه r وتفاعلهم بذلك أعظم التفاعل.

وأشرت إلى حب النبي r إلى أمته وحرصه عليها.

وواجبنا أن نبادله حباً بحب ووفاءً بوفاء، ومن ثمرات هذا الحب: طاعته واتباع سنته، وكثرة الصلاة عليه r، وتعرف خصائص وشمائله ودراسة سيرته، والتعايش في ظلالها، لذلك نجد القرآن خلد كثيراً من سيرته r، فضلاً عن أن خلقه القرآن r.

وأود أن أتحدث عن جوانب أخر:

هل من غلو في حب النبي r؟

البعض يظن أننا إذا تكلمنا كثيراً عن النبي r وحبه ومدحه، والتأكيد على كثرة الصلاة عليه أن في ذلك غلواً،والغلو هو خروج عن الحق، ولذلك فالحق يقال لا غلو في حب النبي r مهمها تكلمنا عنه، وعن أخلاقه، وسيرته، ومدحه، فهل إذا قال قائل

ميلاد أحمد للحياةِ حياة ****  فالأرض ظمأى والحبيب فرات

لما أتى هذا الوجود أضاءه(أحاله) *** روضاً فألسنة الوجود شداة

فإذا الهوى أسطورة وإذا الهدى     تسبيحة والكائنات صلاة

دنيا السعادة لا تشاد بغيره ****    أركانها الإيمان والآيات

يا أيها الأمي هل من ومضة (عودة) **** تُجلى بوهج بريقها الظلمات

فأي غلو في ذلك؟

نعم، ورد (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ») صحيح البخاري، 3445.

فالإطراء هنا أن نخرجه عن حدود البشرية

لذا قال الشاعر

دع ما ادعته النصارى في نبيهمُ *** واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكمِ

فأي ثناء ومدح لرسولنا r منضبط بكونه بشراً رسولاً فلا حرج فيه شرعاً، كما قال الشاعر

فمبلغ العلم فيه أنه بشر *** وأنه خير خلق الله كلهم.

نعم قد يأتي في كلام بعض الشعراء ما لا ينبغي كقول واحد منهم

ولن يضيقَ رسولَ اللهِ جاهك بي *** إذا الكريم تجلى باسم منتقمِ

فإن من جودك الدنيا وضُرَتَها *** ومن علومك علم اللوح والقلم

مع أنه فسره بعضهم بمعنى الشفاعة، وبمعنى ان الله هو الذي يعلمه، وعلمه مقتبس من علم الله.

وما انتقد: قول القائل

وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من *** لولاه لم تخرج الدنيا من العدم

فهذا لا ينبغي.

إذاً نحن مع المدح والثناء والحب، وكثرة الصلاة عليه والاتباع لسنته، على أن يكون ذلك منضبطاً بالشرع فلا غلو ، في هذا:

(عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: يَا أُمَّتَاهْ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلاَثٍ، مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ} [الأنعام: 103] ، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] . وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34] . وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] الآيَةَ وَلَكِنَّهُ «رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ») صحيح البخاري، 4855.

ولا غلو في كثرة الصلاة عليه r فكثرة الصلاة عليه فحق وواجب، (عَنْ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ، قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ» . قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ») سنن الترمذي، حسن، 2457.

إن التاكيد على حب النبي r أشار إليه النبي r في قوله: (( وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ، لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِه)) . البخاري من حديث أبي هريرة.

ليس في إحياء مناسبة المولد غلو ولا ابتداع:

والحديث عن المولد نستلهمه من قوله تعالى( وذكرهم بأيام الله) وقوله تعالى في حق يحيى: (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً)، وفي حق عيسى: (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً) فسلام عليك سيدي رسول الله في كل وقت. ولما سئل النبي r عن صيام الإثنين، قال: (ذاك يوم ولدت فيه) صحيح. ومن ذلك: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) وهو الرحمة r .

منزلة محمد r عند ربه شيء عظيم ،انظروا فرح ابي لهب بمولده أفاده؛ إذ أعتق يوم مولده ثويبة

فجاء في البخاري

(وثُوَيْبَةُ مَوْلاَةٌ لِأَبِي لَهَبٍ: كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا، فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ) (البخاري 5101)

ووصلت شفاعته أباطالب

عن العَبَّاس بْن عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: «هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»البخاري3883 ومسلم

صفته الخلقيةr

لقد أحصى الصحابة من حبهم لرسول اللهr كل شئ في حياته:ومن ذلك أوصافه الخلقية.

أني أريد أن أتحدث عن صفته الخَلقية، طالما تحدثنا عن صفته الخُلقية، إذاً من المهم أن نتحدث عن صفته الخَلقية لنزداد حباً، لنجد أنفسنا أمام جمال مدهش وحسن أعظم منحه الله إياه، ونلاحظ أن من آثار حب الصحابة للنبي عنايتهم بهذا الجانب:

(عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ(مقمرة) فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى القَمَرِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ القَمَرِ» ») سنن الترمذي، حسن غريب، 2811.

(عَنْ جَابرٍ بْنَ سَمُرَةَ، قال: " ...كَانَ rمِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَكَانَ مُسْتَدِيرًا وَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ عِنْدَ كَتِفِهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ ... ") صحيح مسلم، 2344.

 (عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ») متفق عليه.

(عن البَرَاءِ، قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ البَائِنِ، وَلاَ بِالقَصِيرِ») متفق عليه.

(عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ:كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَبْيَضَ مَلِيحَ الْوَجْهِ») صحيح مسلم، 2340.

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ القَدَمَيْنِ، حَسَنَ الوَجْهِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ») صحيح البخاري، 5908.

 (أخرج مسلم عن جابر بن سمرة قال: مسح رسول الله r خدي فوجدت ليده برداً وريحاناً).

(عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلاَ دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص:190]، وَلاَ شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْق النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ») متفق عليه.

ومن شعر أبي طالب:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وأكثر حديثين اشتهرا في وصف رسول الله r خِلقةً حديث هند ابن أبي هالة، وحديث أم معبد، وهما متقاربان، وحديث أم معبد أحسن إسناداً من حديث هند.

       وفيه: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ مَكَّةَ

خَرَجَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَمَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الأُرَيْقِطِ اللَّيْثِيُّ، مَرُّوا عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ، وَكَانَتْ بَرْزَةً (كهلة) تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْخَيْمَةِ، ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ، فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوا مِنْهَا، فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ (في قحط)، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الخَيْمَةِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ(الهزال) عَنِ الْغَنَمِ، قَالَ: هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلُبَهَا، قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلَبًا، فَاحْلُبْهَا، فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا، فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ، وَدَرَّتْ، وَاجْتَرَّتْ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ (يروي) الرَّهْطَ، فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى عَلاهُ الْبَهَاءُ(الرغوة دلالة الامتلاء)، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رَوِيَتْ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوُوا، ثُمَّ شَرِبَ آخِرَهُمْ، ثُمَّ أَرَاضُوا(رووا مراراً)، ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ ثَانِيًا بَعْدَ بَدْءٍ حَتَّى مَلأَ الإِنَاءَ، ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا وَبَايَعَهَا، وَارْتَحَلُوا عَنْهَا، فَقَلَّمَا لَبِثَتْ حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا، يَتَسَاوَكْنَ (يتمايلن) هَزْلَى ضُحًى، مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ، عَجِبَ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا اللَّبَنُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، وَالشَّاءُ عَازِبٌ حِيَالٌ (ليست حاملاً) لَا حَلُوبَ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، إِنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا.

قَالَ: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجَ الْوَجْهِ(مشرق الوجه)، لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ(ضعف)،( أو ثجلة: عظم البطن)وَلَمْ تُزْرِ بِهِ  صَعلة(صغر الرأس) وَسِيمٌ قَسِيمٌ، فِي عَيْنِهِ دَعَجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَهَلٌ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ (تقوس الحاجب) أَقْرَنُ، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَجْلاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ، حُلْوُ المَنْطِقِ، فَصْلٌ لَا نَزْرٌ وَلا هَذَرٌ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، رَبْعَةٌ لَا تشنؤه مِنْ طُولٍ، وَلا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إنْ قَالَ: أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا لأَمْرِهِ، مَحْشُودٌ مَحْفُودٌ، لَا عَابِسٌ وَلا مُفَنَّدٌ.

شرح السنة 3704

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ وَصَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " كَانَ عَظِيمَ الْهَامَةِ، أَبْيَضَ، مُشْرَبًا حُمْرَةً، عَظِيمَ اللِّحْيَةِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ(ملتقى العظام أو رؤوسها، كملتقى الركبتين)، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ، كَثِيرَ شَعَرِ الرَّأْسِ رَجْلَهُ، يَتَكَفَّأُ فِي مِشْيَتِهِ كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ فِي صَبَبٍ، لَا طَوِيلٌ، وَلا قَصِيرٌ، لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " " (أحمد 944، حسن)

الخطبة الثانية

أذكر بحديث رسول الله r:

عَنْ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ» ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ: «اتَّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ» أخرجه الترمذي، وحسنه بعض أهل العلم

وسوم: العدد 648