ميج وميراج  - 11

ميج وميراج  - 11

د . خالد الأحمد

في الأول من مايو 1967م ([1]) استقبل الملك حســين في عمان الفريق أول عبد المنعم رياض ، وأفصح له عن مخاوفه بأن إسرائيل والولايات المتحدة تريد جر مصر إلى حرب تدمر فيه القوات المصرية ، وتحطم صورة عبد الناصر كزعيم عربي ، وقال الملك حسين بأن سوريا قد تكون الطعم الذي يتم فيه استدراج عبد الناصر ، وطلب الملك حسين من الفريق رياض نقل هذه الرسالة بسرعة لعبد الناصر .

عاد رياض للقاهرة ، وقدم تقريره التحريري عن سفره ، ولكن الرسالة وصلت عبد الناصر بعد ثلاثة عشر يوماً وبالتحديد ظهر الأحد (14/5/1967م) ، واجتمعت القيادة العسكرية المصرية برئاسة المشير عبد الحكيم عامر ، وقررت إيفاد الفريق محمد فوزي إلى سوريا للتحقق من حشود إسرائيل عليها ، وعاد ليؤكد عدم وجود حشود عسكرية على سوريا ، ومع ذلك تقرر رفع درجة الاستعداد العسكري في مصر ، ودفعت تشكيلات قتالية إلى شرق قناة السويس ،ويدعي هيكل أن الوصول المتأخر لرسالة الملك حسين ، لم يستطع إيقاف تداعي الأحداث .

اقتنع عبد الناصر بأن إسرائيل تريد مهاجمة سوريا وإسقاط نظامها التقدمي ، ولم يتراجع عن دخول الفخ الأمريكي الإسرائيلي  ، وطلبت مصر من الأمم المتحدة سحب قوات الطوارئ الدولية ، وأعلن يوم (22/5) أمام حشد من الطيارين في قاعدة ( أبو صوبر ) إغلاق مضائق تيران ...

وفي يوم الجمعة (2/6/1967) في اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة الذي حضره عبد الناصر ، قال عبد الناصر إن معلومات الاستخبارات تقول أن العدو سيشن الحرب خلال بضعة أيام ، ثم رجح أن يشن الحرب يوم الاثنين (5/6) ، ثم التفت إلى الفريق (صدقي محمود ) قائد القوات الجوية ، وأمره أن لاتكون مصر هي التي تبدأ العدوان ، وأن عليها الاستعداد لتلقي الضربة الأولى ، ثم تـرد بعدها ، فدهش الفريق صدقي ، وقال لاتوجد قوات جوية في العالم ، سوى أمريكا والاتحاد السوفياتي ، تستطيع أن تتلقى الضربة الأولى ، ثم تـرد بعد ذلك ، لأن الضربة الأولى ستفقدنا قـدرة الـرد ، ومطاراتنا لاتوجد فيها ملاجئ لحماية الطائرات ... وقال الفريق صدقي : كلامك يعني إلغاء الخطة ( أسد ) التي تهدف احتلال قطاع إيلات ، والنقب ، وعزله بواسطة وحدات الصاعقة المصرية ، مدعومة بتشكيلات من الدبابات والقوات البرية ، والاتصال براً بالقوات الأردنية .

ورد جمال عبد الناصر على صدقي محمود بأنه إذا بدأنا العدوان سنعطي الولايات المتحدة الحق في أن تبدأ الحرب علناً مع إسرائيل ... يقول جمال الدين حسين ([2]) : وللأسف الشديد أن عبد الناصر لم يكن مدركاً أن الولايات المتحدة لا تنتظر هذه الذريعة ، كي تشارك في الحرب مع إسرائيل . 

 عندما اتخذتِ القواتُ المصرية مواقعَها في سيناء، وأغلقت مضائق تيران، ساد عندها الشعورُ بالنصر وكأن المعركة انتهت، ساهم في ذلك بعضُ المحللين العسكريين الأجانب، الذين قالوا إن إسرائيل خسرت الحربَ سلفاً، لأنها سمحت للقوات المصرية باتخاذ مواقعها في سيناء وإقامة التحصينات على مدى عشرة أيام، كما ساهمت إسرائيلُ في ذلك عندما سُئِلَ (موشي ديان) قبل الحرب بيومين أو ثلاثة، فقال: "لقد فات وقتُ الحرب، وأُفلِتَ الزِّمامُ من يد إسرائيل، وسنحاول أن نُعَوِّضَ بالسياسة ما خسرناه في الحرب"، وتناقلتْ وكالاتُ الأنباء العالمية هذا التصريح الذي رُبِطَ بإثارة العطف العالمي إلى جانب اليهود، لأن عجلة الدعاية الإسرائيلية لا تفصل السياسة عن الحرب، وقد دارت بكلِّ قوتها في اتجاه يقول : إن مصر تريد تدميرَ إسرائيل، والعرب يريدون رَمْيَ اليهود في البحر. وقد ساعدت تصريحاتُ قادة البعث السوري من إذاعة دمشق هذا الادِّعاءَ اليهودي.

دخلت (سهير زكي) دارَ (آرام) بصحبة (الفريق لطفي حبيب)، وقد تكدَّرَ لونُها واحتدَّتْ نبراتُ صوتها:

-   منذ عدة سنوات وأنا أبتكر تقليعات في الرقص جديدة لأرقصَ بها في يافا، واليوم عندما حان الوقتُ سترقص (نجوى فؤاد) بدلاً مني؟

-       من أين لك هذه الأخبار يا سوسو؟

-       من المقربين لها.

-       كيف تصدقين والجنرال حَيّ ؟!

-       الجنرال ينسى صاحباته لأنهُنَّ كثيرات.

-       لكلِّ قاعدة شواذ، وأنت شواذ قاعدتي. أجاب (الفريق لطفي )، وتابع:

-       فأنت الوحيدة التي دام عشـقي لها عدة ســنين، اطمئني يا سوسو، وجهِّزي تقليعاتك، سترقصين قريباً جداً.

-   لماذا لا تزحفون وترمونهم في البحر؟ الناس يقولون انتصرتْ مصر، ومعظم الفنانين والفنانات يعدُّون برامجَ النصر التي سَتُقامُ على شواطئ حيفا ويافا، أما الحفلات الشعبية في الأحياء فقد بدأت.

  *       *       *

اجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي، وقالت الأخبار إنه ناقش قضايا زراعية وصناعية واقتصادية، ولم يتطرَّق لشؤون الحرب - على ذمة أخبار إسرائيل - وشوهد الجنودُ الإسرائيليون في شوارع مدن الأرض المحتلة يغادرون وحداتهم العسكرية في إجازات إلى بيوتهم، وكانت أعدادُهم كثيرةً بحيث شوهدوا في كافة أرجاء الأرض المحتلة، وانتشر أن زمن الحرب قد فات، وأن أمريكا قد تعهدت بفتح مضائق تيران بالقوة لضمان حياة إسرائيل، لذلك سيسافر (زكريا محيي الدين) يوم الخامس من يونيه إلى واشنطن لهذا الغرض، وإن لم توافق مصر فإن أمريكا ستطلب قوات دولية تفتح بها خليج العقبة بالقوة وتحميه ليبقى ممراً دولياً.

أما في مصر فقد عرف الناسُ أن (زكريا محيي الدين) سيسافر إلى واشنطن، ليملي على اليهود شروطَ النصر، حيث أن أمريكا هي ولي أمر إسرائيل التي انتشرت حوله القوات العربية على جبهات مصر وسوريا والأردن، وإن لم تتداركْ أمريكا الأمرَ وتحلّ الأمر سياسياً سيلقي العربُ اليهودَ في البحر!.

  *     *      *

أما إذاعة دمشق فلا بديل لحرب التحرير الشعبية التي تدكُّ قصورَ الخيانة والعمالة في الأردن - حسب قول دمشق - والرجعية والإقطاع في الداخل والخارج، ثم بعد ذلك ترمي اليهودَ في البحر،  وفي نيسان أو أيار( 1967م) نظم اتحاد الطلبة في مدينة حمص محاضرة في سينما الأوبرا حضرها مئات الطلاب، وقد وصف لي شاهد عيان هذه المحاضرة يقول واصفاً المقدم مصطفى طلاس: ( دخل المقدم أبو فراس بلباس المغاوير وقفز من أمام المسرح ليصل إلى مكان المحاضر فارتفع التصفيق للبطل المغوار، وبدأت المحاضرة فقال المقدم أبو فراس بعد أن علق خريطة على الجدار وأمسك بيده عصاخاصة بكبار الضباط قال: سوف تتحرك قواتنا باتجاه الجنوب لتدك قصر الرجعية([3]) أولاً، ثم نتجه غرباً في اليوم الثاني، وخلال هذين اليومين تكون القوات المصرية اجتازت سيناء ووصلت إلى ساحل فلسطين، وفي اليوم الثالث سوف نطبق فم (الكماشة) على الصهاينة و...)، فصاح الطلاب مرة واحدة (ونرميهم في البحر )،فعلا الهتاف ( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، أهدافنا  وحدة حرية اشتراكية، الخلود لرسالتنا وللجيش العقائدي) ...

إذن كانت سوريا هي المحرضة على الحرب، فقد أدلى وزير الدفاع السوري وقائد سلاح الطيران اللواء حافظ الأسد بتصريح لصحيفة الثورة السورية يوم (20 /5 / 1967م ) جاء فيه : ( .. إنه لابد على الأقل من اتخاذ حد أدنى من الاجراءات الكفيلة بتفيذ ضربة تأديبية لإسرائيل، تردها إلى صوابها ... إن مثل هذه الإجراءات ستجعل إسرائيل تركع ذليلة مدحورة، وتعيش جواً من الرعب والخوف يمنعها من أن تفكر ثانية في العدوان. إن الوقت قد حان لخوض معركة تحرير فلسطين، وإن القوات المسلحة السورية أصبحت جاهزة ومستعدة ليس فقط لرد العدوان، وإنما للمبادرة في عملية التحرير ونسف الوجود الصهيوني من الوطن العربي، إننا أخذنا بالاعتبار تدخل الأسطول السادس الأمريكي!!!  وإن معرفتي لإمكانياتنا تجعلني أؤكد أن أية عملية يقوم بها العدو هي مغامرة فاشلة، وهناك إجماع في الجيش العربي السوري الذي طال استعداده ويده على الزناد، على المطالبة بالتعجيل في المعركة، ونحن الآن في انتظار إشارة من القيادة السياسية . وإن سلاح الجو السوري تطورتطوركبيراً بعد(23/2 /1966م ) من حيث الكمية والنوع والتدريب، وأصبحت لديه زيادة كبيرة في عدد الطائرات، وهي من أحدث الطائرات في العالم، كما ازداد عدد الطيارين وارتفع مستوى التدريب.

              

[1] - انظر كتاب الانفجار قصة حرب يونية لمحمد حسنين هيكل ، وكتاب حرب الثلاث سنوات للفريق أول محمد فوزي  .

[2] - كاتب صحفي في أسرة العرب .

([3]) وهكذا من بدهيات النظام الأسدي أن محاربة الرجعية أهم من محاربة إسرائيل، وكنا نظن ذلك على سبيل الكناية والمبالغة، حتى تأكد لنا أنه على سبيل الحقيقة، فقد حاربوا المسلمين وقتلوا العلماء ودمروا المساجد، ولم يعكروا أمن إسرائيل بعد. وقتلوا عشرات الألوف من أبناء الحركة الإسلامية ( الرجعية كما يسمونها )، والصهاينة ينعمون بالأمن في الجولان