مذكرات كلب (5)

عكاب يحيى

وتستمر الحياة

شكّلت هذه الحادثة علامة بارزة في حياتي، منحتني الكثير، وحملتّني بعض الأعباء.. وأولها: أني كسبت صداقة مجيد الذي صار الأقرب إليّ.. لا يترك فرصة سانحة إلا ويأتيني محمّلاً بالمأكولات والهدايا.. وبالكثير من الحب. وازدادت مكانتي في العائلة.. فصرت كلبها المدلل، فكثرت المشاوير، وازدادت العناية، والمأكولات.. والهدايا..

صرت رفيقهم، شبه الدائم، وكان هذا يحرجني أحياناً، فتسابق الأولاد للعب معي، والجري، والقفز.. كانت أياماً لا تنسى..

ومن جهة أخرى، وضعتني هذه الحادثة تحت الضوء، فصرت الأشهر في كلاب المنطقة، تخافني الكلاب، وتعجب بي الكلبات.. وللشهرة ثمنها: سلبياتها وإيجابياتها.. فالصحف تحدثت عني طويلاً: كبطل نادر، قام بما يشبه المعجزة لإنقاذ صاحبه.. فأشادت بي كثيراً، وأسبغت عليّ أوصافاً عديدة، كانت المبالغة واضحة فيها.. إلى درجة تكاد تحولني إلى أسطورة..

صحف أخرى هاجمتني بعنف، وألقت تهماً جزافاً عليّ.. فوصفتني بـ: الوحشية، واللؤم، والغرور، والعدوانية.. وبعضها حذّر منّي.. وأطلق شائعات حول احتمال إصابتي بعدة أوبئة، أكون قد نقلت بعضها إلى (ضحاياي) ومنها: الكَلَب، والجدري، وإصابة الكبد والرئة بالكيس المائي!! وغير ذلك من الأمراض!!!.

وتواصلت الحملة العدائية.. التي أدركت أنها لا تستهدفني (فما أنا سوى مجرد كلب.. لا تعنيه كثيراً أوصاف البشر) بل تتناول، وإن بشكل غير مباشر، ثم بطريقة علنية: سيدي.

كانت البداية غمزاً في قناة "أولئك المسؤولين الذين لم يكتفوا بنهب البلد وقمع المواطن" فراحوا "يطلقون كلابهم المسعورة للتعرض للناس البسطاء، وزرع الخوف فيهم".

ثم تركزت الحملة حول سيدي، صراحة، وبالاسم، فتجاوزت قضية (كلبه) إليه شخصياً.. الذي "حوّل بيته إلى قلعة مخيفة.. تعجّ بكلاب متوحشة.. لا تعرف من أين جاء بها.. لمنع المواطنين من عبور الطريق سيراً، أو مجرد الاقتراب من حصنه المنيع.."!!!

لكن صحفاً أخرى، موضوعية، أو متعاطفة مع سيدي.. لم تصمت، ففندت تلك الافتراءات، وقدمت مراراً إلى البيت تأخذ صوراً لي (لإظهار أني مجرد كلب عادي) وللقط (مينو) ولداخل البيت، والطريق المليء بالبشر، والرصيف المحاذي للحديقة.. حيث يتعانق الأحبة مثنى.. وللعائلة بكاملها. كانت حرباً طاحنة: سبّبها كلب بسيط.. أو حادثة عادية.. بطلها كلب قام بواجبه.

          

سيدي.. وبعض ما أعرف عنه..

حملة الصحافة، وبعض الإشارات الملتقطة من هنا وهناك.. فتّحت عيوني لأرى الواقع جيداً، في محاولة لفهم كلّ ما حولي، وبشكل خاص: سيدي –ربّ البيت، والمسؤول المهمّ.

واحتاج الأمر مني سنوات لأعرف جزءاً من حياته ومسيرته، وصولاً إلى موقع المسؤولية..

ينحدر سيدي من أسرة فلاحية فقيرة –كآلاف الأسر في هذه البلاد- حيث الأميّة، والجهل، والفقر، والمرض.. والحبّ والبساطة، والعطاء، والكرم، والطيبة، والصدق، والتعلّق بالأرض والوطن..

كانت العائلة كبيرة، ودخل الأب محدوداً (الأرض تبخل وتجود.. ولكن ماذا تعطي أرض صغيرة في معاصي الجبال.. تقهرها الصخور والعواصف.. والحجارة المتناثرة فيها، وعوامل الطبيعة الفاعلة..؟!!).

مع ذلك أصرّوا على تعليم أولادهم، حتى وإن كان ذلك على حساب لقمة العيش. (كانت فعلاً على حساب لقمة العيش..) وبدت علائم التفوّق واضحة على الطفل أحمد (هو اسم سيدي) كما وبرزت ميوله السياسية منذ مراهقته: غيرة على الوطن وما يجري فيه وله، ودفاعاً عن الحق والعدل والفقراء وقضاياهم..

ويقال إنه اعتنق أفكاراً ثورية (لا نعرفها نحن الكلاب هذه الأيام.. ويبدو أنها كانت رائجة كثيراً أيامها) تحضّ على الثورة ضدّ الظلم والطغيان، والتجبّر واللامساواة.. وبالأساس: ضدّ الاستعمار والاحتلال والهيمنة الخارجية التي تنهب خيرات البلاد، وتستعبد العباد.. وتنادي بمجتمع يتساوى فيه الجميع (فقراء وأغنياء) ثم انخرط في حزب يعتنق تلك المبادئ والأفكار، أو هو قريب منها.

في الحزب، ظهرت مواهب (سيدي أحمد) الخطابية، والتنظيرية، والكتابية.. التي تلازمت مع نشاط حثيث لتوسيع دائرة المنتمين للحزب، خاصة من الفقراء المتعلمين والعسكر، المؤمنين به.. فبرز أحمد بسرعة: قائداً يصعد سلالم المسؤولية بقوة وإرادة وتصميم.

ولأن الكثير من رفاقه لا يحملون شهادات دراسية عالية.. رشّحته إجازته في الآداب ليكون من بين القلّة.. المثقفة في الحزب (ثقافة الشهادة والمطالعة والحياة) التي تشكّل نوعاً من جواز المرور لمواقع قيادية.

يقولون إن أحمد –سيدي- كان طوال تلك الفترة: عصامياً، فقيراً، ملتزماً بأفكاره، مؤمناً بقضايا الفقراء وحقوقهم، منافحاً عن استقلال الوطن وتحريره، وحريته، وتحديثه وتطويره، وبنائه على أسس قوية.. وأشياء كثيرة بين الحلم والأماني.. فلم تغيّره المناصب، أو تقتلعه عواصف المسؤولية والجاه.

وفي ظرف ما –يطول شرحه- وصل أحمد ورفاقه إلى الحكم عن طريق دبابات رفاقهم العسكر.. فيما اعتبروه ثورتهم التي طالما بشّروا بها، وعملوا لتحقيقها.. فتعالت الأصوات (الثورية) وازدانت البلاد باليافطات التي تلخص أفكار (الثورة) ومبادئها وشعاراتها، وضجّت وسائل الإعلام حديثاً بها، وبالتغيير القادم الذي ستعرفه البلاد.. حين تتوحّد أمة مقطّعة الأوصال، وتحرر أراضيها التي اغتصبت من قبل غرباء، وتموج الحرية فيها: نبتاً مثمراً، وارفاً.. في ظل عدالة لا تعرف التحيّز والتمييز، وممارسات تقرن القول بالفعل.

وحتى لا أطيل عليكم.. ولأسباب عديدة: بعضها معروف، وبعضها مخفي لا يعلمه إلا "الراسخون في العلم" ظهر الواقع أكبر من (الثورة) والحزب والأفراد، وأكثر تعقيداً من الوعود والأقوال.. فبدأت الخلخلة في النفوس والأوضاع والقناعات.. وتحوّل كثير إلى نقيضهم، كما يقول شاعر معروف إنّ الواحد منّا يحمل في داخله ضدّه".. وحلّ الارتخاء والتكاسل والتكيّف مع الأوضاع الجديدة.. ولاح الفشل: وقائع صعبة دامغة.. فوحدة الأمة التي وعدوا بها لم يتحقق شيء منها.. على العكس.. ازداد التفتت.. فعلت جدرانهم في كل قطر، وتكثّف حضور الشرطة والأمن على الحدود، يمنعون المواطنين من قطر آخر، أو يذلّونهم.. وبدلاً من تحرير ما اغتصب من أرض احتلت أراض جديدة.. فألقوا بسلاحهم مكدساً.. إلا في الاستعراضات، وضدّ الشعب ولمن يقول: لا لسياساتهم وممارساتهم.. واستبدلوه بما أطلقوا عليه: السلام.. وكأن للسلام سلاحاً..!!.

لن أصدّع رؤوسكم بما حلّ بالحريات العامة، وحقوق المواطن (صرنا محسودين ككلاب لأن حقوقنا أكبر من حقوق الأغلبية.. أو هكذا يقولون..) التي صغرت لأضيق من خرم إبرة، لا يمرّ منها إلا أصحاب السلطان والنفوذ، والمتفقون.. فانعدمت الرقابة والمحاسبة.. وتحوّلت العدالة الاجتماعية إلى حقوق المسؤولين في اقتسام المغانم والمكاسب (التي هي ثروات عامة) فتسابقوا لجمع الأموال، وتهريبها إلى البنوك الخارجية (لأنها تكون هناك بمأمن.. خاصة إذا ما حدث مكروه لهم فأبعدوا) وتحولوا من ثوار إلى ثرثارين، ومن فقراء إلى متخمين.. ومن وطنيين إلى عدميين – عالميين (انسجاماً مع العولمة ومفاهيمها).

أعتقد أن سيدي عرف تحولات بطيئة.. كالسرطان تتغلغل في الأحشاء والمخّ حتى السيطرة الكاملة.. ربما بدأ براتب أفضل.. وتقبّل بعض الهدايا والهبات.. (لدخول النفق) وسوسة المرض..

وربما أحسّ أن الموقع لا يتناسب والراتب.. فالموقع كبير، تحتاج الوجاهة فيه إلى ألبسة رفيعة، ومصاريف، ودعوات، وهدايا.. فإن عجز الراتب عن تغطيتها.. فماذا يفعل مسؤول تحت تصرفه أموال وثروات؟..

قد يمتنع حيناً، ويقاوم بعض الوقت.. لكن وهج المسؤولية وشكلياتها، وانتشار ظاهرة مدّ اليد للمال العام، وتراخي الضمير وقرعه (في غياب الرقابة والمحاسبة والوضوح) ستدفع معظم المسؤولين إلى استغلال موقعهم.. وحينها سيجدون طرقاً كثيرة، وعصابات تسهّل وتمرّر وتنفّذ وتورّط، وآلاف العارضين لخدماتهم (النبيلة) مقابل بعض العوائد.. (يقولون إن قسماً –قليلاً- ظلّ محافظاً على قيمه ومبادئه، فهمّش، وقبع بالظلّ، والبعض يتهمه بالسذاجة والبساطة والتخلّف –التخلّف عن عصرهم)..

سيدي أحمد.. لا يخرج عن النماذج الشائعة.. بل ربما يكون من أفضلها.. صحيح أنه يسكن (فيلا) ملكه، تثير التساؤل عن مصدر المال الذي اشتراها به (لأن رواتبه لأكثر من خمسين عاماً لا تكفي).. ويأكل ويلبس جيداً، ولديه عدد من السيارات الرسمية والخاصة.. وأعتقد أنه يملك رصيداً ما في أوربا، وامتلك عدة قطع من الأراضي في مناطق سكنية هامة، وله أسهم في شركات عديدة، وتأتيه هدايا وهبات من أناس كثيرين..

مع ذلك، فما زال يحمل جزءاً من ماضيه، وأمانيه.. وهذا ما يشكّل وجهه الآخر، أو بقاياه.. وربما الحنين.. مما يجعله طيباً، خاصة في بيته، كريماً، ومتواضعاً، في أغلب الأحيان.

وبالوقت نفسه، فإن هذه المفارقات كوّنت منه إنساناً متناقضاً، وكأنه شخصان ملتصقان، أو متداخلان في جسد واحد.. فمن جهة: تراه أحياناً يتذكر أيام فقره ومعاناته، يترحّم بأسف وندم، فيمارس بعض قناعاته عند مشاهدة، أو مراجعة فقير، أو محتاج، (خاصة إذا كان من دشرته، ومنطقته)..

وأحياناً تحسّ وكأنه ولد وفي فمه ملعقة من ذهب (كما يقولون) لم يعرف الفقر والمعاناة، ولم ينحدر من أسرة ريفية ضحّت بكل شيء من أجل تعليمه، لم يعتنق أفكاراً ثورية.. كانت طريق صعوده، وبوابته إلى ما هو فيه.. فيتصرّف كمسؤول: متجهّم، متعالٍ، يأمر، يقمع وينهر.. (حتى البيت لا يسلم منه).

هذا بعض ما عرفته عن سيدي أحمد.. مع ذلك، ولأن هذا الوضع لا يهمني بشيء، كنت أشد حرصاً على القيام بواجباتي على أكمل وجه، فلا أسمح لأحد بتوجيه ملاحظة لي، أو عتابي (ما أمكن)..

          

منعت القطط من الدخول إلى الحديقة (الحق أنها كانت تخشاني) وفيما عدا (مينو) المدلل، لم يك أحد يجرؤ على الاقتراب من البيت.

سهرت الليالي بطولها أحرس المنزل، أتفقده متراً متراً، أحميه من أي متطفل، أو سارق.

كنت أسمع، في بعض الليالي، صوت سيدي أحمد مرتفعاً، يصرخ، أو يأمر، أو يختلف مع زوجته، فيؤنب الأولاد، وينهر الخدم، ويضربهم أحياناً.. وفي معظم الأيام كان: هادئاً، طبيعياً، كريماً معي، راضياً عني، خاصة عندما أرى ابتسامة صغيرة على وجهه وهو يهمّ بالذهاب إلى عمله، أو في مشاويرنا (كان لا يرافقنا كثيراً).

يقولون إن المسؤولية عبء، وهموم، ومتاعب.. وليست سهلة، أي إنها ثقيلة، قد تودي بأصحابها إلى التهلكة، وإلى عقوبات، وسجن، وقلق، وغمّ، ونرفزات.. وأمور كثيرة (وقانا الله منها).

هي في وجهها الآخر: مجموعة واجبات والتزامات.. بحر متلاطم من الأمواج والعواصف والتيارات.. ترفع الشخص إلى أعلى لتبقيه بعض الوقت.. فيبدو منتشياً، فرحاً، بارزاً، وقد تدفعه إلى القاع، أو تلقيه فوق صخرة حادّة التضاريس تجرحه، وربما تهشّمه.

لهذا لم يكن سيدي أحمد مستقراً، أو سعيداً كلّ أيامه.. أياماً كثيرة، كنت أراه وكأنه خرقه بالية مرمية في زاوية، حزيناً، مهموماً، مكتئباً، كثير الشرود والتوهان.. بائساً من الحياة، وأصحابه.,. وكأنه شخص آخر غير ذاك الطود الشامخ كالجبال.. الذي يأمر فيطاع، ويسير على الأرض وكأنه يتحداها.

كان البيت كله، بما فيهم الأولاد، يتأثرون بهذه الحالة المضطربة.. فتراهم مرات كثيرة سعداء منشرحين، لا تسعهم الدنيا: فرحاً وانطلاقاً.. فيمرحون ويلعبون، ويمضون وقتاً جميلاً معي، ممتعاً، أو يأخذونني معهم في مشوار قريب.. أو إلى البحر، والحدائق، والغابات فنمضي يوماً متنوعاً..

وعندما يكون غاضباً، أو محزوناً.. كنت ترى البيت جثّة هامدة لا حراك فيها.. خاصة سيدتي الطيبة، الكريمة، التي كان عليها امتصاص وتحمّل الغضب والنرفزة والشجارات والإهانات، والضرب أحياناً.

فكنت أنزوي في ركني حتى يخرج سيدي.. وعندها أحاول التخفيف عنهم ما أمكنني.. فأنبح نباحاً مضحكاً، وأقوم بحركات راقصة تستجلب الأولاد فيتحلّقون حولي.. وعندها أخرج معظم مواهبي لأسليهم: أنطّ مقلّداً بعض الحيوانات، وأسير على يدي أو رجليّ محاولاً اصطناع هيئة أحدهم وخاصة سيدي التي كانوا يضحكون لها كثيراً، وأقلب على بطني، وظهري، ورأسي.. أحرّك ذيلي كبهلوان.. أعانقهم وأداعبهم.. فكانوا يندمجون معي: رويداً، رويداً.. ولعلهم ينسون همّهم.

          

كلب عاشق

كثير من البشر لا يعرف أنّ الكلاب جنس عشّاق، رقيق المشاعر، مرهف الحسّ، يختزن حبّاً عارماً قد لا يعرفونه.

إنّ حبنا لبني البشر خصيصة فينا اكتسبناها بمرور الزمن، لكن حبنا لبعضنا أصيل، جزء من كياننا.. طوفان يجتاحنا.. خاصة إذا ما أتيح لنا ممارسته..

وأعرف أن الحرمان، والمنع، والضغط يقوّي عاطفة الحبّ فينا، يؤججها، وقد يجعلها رومانسية..

عندما وقعت تلك المعركة، وما تلاها من محاكمة.. وشهرة لي منتشرة.. كنت قد تجاوزت سنّ المراهقة، ودخلت مرحلة الشباب.. وهي مرحلة متأججة، خصبة، دفّاقة.. تجتاحنا فيها المشاعر كالعواصف، فتحملنا بعيداً إلى أحلام مضطربة، وتصورات نرسمها ونزيّنها بأخيلة تضفي عليها السحر والجمال.

مرّت مراهقتي بسرعة.. وكأني لم أشعر بها، فقد كان التدريب الشاق، وجهدي اليومي لإتقان الدروس والتفوّق بها، ونيل رضا مدربي، وسادتي.. يأخذ معظم وقتي فيشغلني عن أي شيء آخر.. سوى مشاعر منفلتة تغزوني بين الحين والآخر، فأطردها بإعادة التمارين التي تلقيتها، وإجهاد نفسي حتى الإرهاق.. لأنام بعدها بعمق.

لم تكن الفترة تسمح بالحب، أو توزيع فكري، فأغلقت على قلبي الصغير، وقمعت نبضاته العنيفة.. وخلجاته.. وكنت كلما رأيت كلبة جميلة أتهرّب منها، أو أشغلها –إن اضطررت للقائها- بأحاديث ونقاشات (من عيار ثقيل) حول موضوعات –جادّة- تجعلها تتبرّم.. فتهرب مني..

عندما استقرّ بي الحال.. وقد صرت كلباً (بأتمّ معنى الكلمة) كانت مشاعري تتسلل إليّ ليلاً فتحتلني.. تسيطر عليّ الظلمة، والخوف.. والوقت البطيء.. فأمضي في نسج قصور أحلامي: حياة هادئة إلى جانب كلبة تعشقني.. وبضعة أولاد يملؤون حياتنا.. فأبتكر حكايات، وأشعاراً، وقصص حبّ خالدة، وأحاور نفسي فأقسمها إلى نصفين: أنا ومحبوبتي.. وأمضي وقتاً جميلاً لعلاقة ودّية لم تعرفها الكلاب من قبل..

ومرّت الأيام، والأحلام تبخّرها صباحات متتالية.. وأشغال.. ومهمات، وهموم، وأفكار.. وفي عشية، من مشوارنا اليومي، وكان عادل يصطحبني، لمحت من بعيد.. قرب بيت مجاور (بعدنا بعدة بيوت) كلبة تختال دلالاً، برفقة صاحبتها.. توقّف قلبي (هكذا تخيّلت) وانهمر عرق بارد غزير يبللني.. وتلعثم نباحي.. بينما تراخت يدايّ ورجلايّ.. ماذا حلّ بك أيها الكلب؟.. هل يمكن، وأنت الكلب القوي، الشهير، الصلب، المعتزّ بنفسك، الواثق جداً بإمكاناتك.. ترتجف كريشة، وتضطرب كأرنب؟..

ولاحظ عادل أني بوضع غير طبيعي، وأنني لا أقوى على المشي.. فأوقفني، وكأنه يستفسرني عن حالي.. واقتربت –معذبتي-: ممشوقة، فتية، تختال حسناً ودلالاً.. لكنها خجلى (أو هكذا بدت لي) حيث أطرقت برأسها عند تقابلنا، وكأنها عرفت حالتي فما أرادت إنهاك أعصابي.

وتجاوزنا بعضنا، لكنني، وأنا أودعها بنظرة كسيرة، رأيت التفاتة صغيرة منها، وغمزة عين تدعوني أن أتجرأ مرة أخرى.. كنوع من القبول والإعجاب.

ومثل مراهق صغير يضع قدمه في أول تجربة حب.. لم أنم ذلك اليوم، ولم يهدأ بالي.. قلبّت مراراً شتى الاحتمالات.. استرجعت، حتى التقيئ، ما جرى، توقفت عند كل تفصيل، وبالسنتيمتر، أمطّه، أو أبتسره.. اضطربت، واصطرعت.. وضعت تصورات، ونسجت قصصاً تعجبني.. أسقط عليها رغباتي وأمنياتي.. واجتاحني خوف: ربما لم تقبلني، ربما لم أنل إعجابها، ربما أتوهّم أني ألفتّ انتباهها.. فاللقاء أقلّ من عادي، وهو صدفة –بحتة- بل لعل وجودي كله لم يلفت انتباهها.. ربما.. وربما.. (إيه أيها الكلب البسيط.. هي نظرة، غمزة واحدة تشقلب كيانك)!!.

كان انتظاراً مضنياً لموعد مشواري في اليوم الموالي.. الوقت يمر ببطء شديد، الدقائق أطول من عمود الكهرباء، والثواني ثقيلة، كهلة.. بينما لا أعرف أن أفعل شيئاً.. سوى الانتظار.. فأجبر نفسي على الانشغال بشيء ما، أشرع في تنفيذه.. فأتراجع.. عليّ أن أتحمم وأنظف نفسي لأبدو بأبهى صورة.. ولكن ماذا أفعل بعيوني التي أجحظها السهاد؟ وبارتباكي المسيطر عليّ؟..

ويأتي الموعد، دون أن أستحم، وتصحبني (منى) فتأخذني رعشة وأنا ألامس مكان اللقاء، دون أن أراها.. أتلفّت يمنة ويسرة، وفي كل الاتجاهات علّي ألمحها. وما من أمل.. فأمضي كسيراً، مطرقاً.. تجتاحني الأسئلة والوساوس (أيها الساذج الذي وقع من النظرة الأولى، فغرق في شبر ماء)..

في طريق العودة، والأحلام تبخّرت.. أشمّ رائحتها.. فتستيقظ قواي.. إنها هي.. وأقف عند السور، أخرج صوت الحبّ المعتاد، مناجياً (معذبتي) أن تقترب..

وتركض نحوي.. عناقاً كلبياً لا مثيل له..

تستغرب (منى) فتضحك، وتتركني وقتاً لشأني.

أيتها الغالية.. قد أصابني سهمك فكاد أن يرميني..

-وبخجل الكلبات- البتول- تجيب: عرفت أنك ستأتي.. فانتظرتك..

(بيني وبين نفسي): إذاً وقعت مثلي.. فأردّ عليها: وكيف لي أن أعرف أنك هنا، فأنت لم تقولي لي شيئاً، لم تعطيني عنوانك؟..

معشوقتي: كان إحساسي يؤكد لي أننا سنلاقي.. فنحن جيران..

- إذاً تعرفينني؟..

- معشوقتي: ومن لا يعرفك يا شفق؟.. فشهرتك ملأت الآفاق، وانتشرت بيننا، نحن الكلاب.. الذين نفخر بك.

- ويلي من سذاجتي..

- معشوقتي: ماذا تقول يا شفق؟..

لا شيء.. إني أحدّث نفسي، وقد أخذتني المفاجأة..

- معشوقتي: أوه يا شفق.. دعنا من أي همّ، وحدّثني عنك؟..

- ماذا أقول لك: لست سوى كلب عادي قام بواجبه عندما ناداه..

- معشوقتي: لا تتواضع.. فما قمت به لم يك عادياً.. كان رمزاً لكلاب الأرض.. إثباتاً لمن يشكك فينا، بأننا نعطي بسخاء، ونضحّي بأنفسنا في سبيل الإنسان..

- كل كلب بمكاني كان سيفعل ما فعلته..

- معشوقتي: كلا يا شفق، فكثير من الكلاب تهرب، وتؤثر السلامة.. أنت من طراز خاص..

- إنك تحرجينني، فأرجوك أن تتوقفي عن المديح.. وحدثيني عنك؟..

معشوقتي: ليس هذا مديحاً، هو جزء من تكوينك وسماتك..

- ومن عرّفك بي، ونحن لم نلتق بعد؟..

معشوقتي، بخبث أنثوي محبب: سمعت عنك الكثير.

- ممن سمعت؟..

معشوقتي: كلاب المنطقة، زملائي وأصحابي.. يتحدثون عنك، وبينهم معارف لك.

- إنهم لا يعرفونني كفاية..

معشوقتي: الحق أني مهتمة بك منذ وقت، وتتبعت أخبارك، استقصيت عن وضعك وأحوالك وشخصيتك وتصرفاتك، فعرفت أن ما يقال عنك صحيح، بل هو أقلّ من الواقع..

- أنت مهتمّة بي؟..

معشوقتي: معظم الكلبات مهتمة بك، يتمنين لقاءك.. وقد حلمت دوماً أن أراك.. وعندما شاء حظي أن أصبح جارتكم، انتظرت فرصة اللقاء يوماً ما..

- يالي من غبي.. إذاً تقصّدتِ البارحة نظرتك تلك التي سلبت لبّي؟..

معشوقتي: ليس تماماً.. الحق أني سمعت الكثير عنك قبل أن أراك، وكان طبيعياً أن تحلم كلبة شابة مثلي بالتعرّف على بطل من طرازك.. مجرد المعرفة.. لا أكثر..

وعندما صرت جارة لك.. لامس الحلم الواقع.. فأنت على مرمى حجر مني، ومن الطبيعي أن نلتقي في مشوار ما.. طالما أنك تخرج يومياً..

(بيني وبين نفسي): إذاً أنا كلب مشهور ولا أعرف، وحلم شابّات الكلاب.. يالي من بسيط) وسألتها: من أنت، ومتى جئت هنا؟..

معشوقتي: كلبة من ملايين الكلاب، أهداني من كنت عندهم لسادتي الجدد، منذ مدة..

- ما اسمك؟..

معشوقتي: أسماء الكلاب ليست مهمة كثيراً يا شفق، لأننا لا نختارها.. مع ذلك، كان اسمي (لولي) ويبدو أن الاسم لم يعجب سادتي الجدد، فأطلقوا عليّ اسم: (فتنة) ويدلعونني بـ (فوفو).

- اسم جميل.. فكم عمرك؟..

معشوقتي بتخابث: أي سؤال هذا يا شفق؟.. ألا تعلم أن الكلبات لا يحين ذكر أعمارهن؟!..

وسحبتني (منى) فقد انتهى وقت مشوارنا.. كانت تضحك، وتغمز من قناتي.. فأخجلتني..

لم تتسع دنياي لهذا الجديد الذي اكتسحني، فحولني إلى جرو صغير، يرقص ويجري، يغني، يستعرض نفسه، يتباهى.. ويحلم.. والأحلام جميلة..

شيء عاصف يقلب الكيان.. فازدهرت خلاياي، وانتعش القلب، واخضرّت الدنيا حولي: أزاهير ووروداً.. لوحات فنية ترسمها الطبيعة لي.. فأشدو بغناء كلبي، أمشي على رجليّ.. وأقلّد مشي البشر (ترى لماذا لا تمشي على رجلين بدل الأربعة؟.. وأمزح على حالي: المشكلة في الذيل.. لا أكثر ولا أقل.. فلو قطعناه لصرنا كالبشر.. ألا يقال أن ذيلاً قصيراً كان للبشر في غابر الأزمان، وأنهم كانوا أقرب إلى الحيوانات، ثم تطوروا؟.. فلماذا لم نتطور نحن فنصبح كلاباً عصرية نحكم العالم؟؟!!).

وضحكت على نفسي.. مالي والفلسفة.. إني عاشق.. عاشق.. وكفى..

تكررت لقاءاتنا التي صارت متعتي وانتظاري ومناي، وتغيرت معها الكثير من سلوكياتي وتصرفاتي.. حتى نباحي صار عذباً، رقيقاً، واكتسى رأسي وسامة المحبين.. بينما برقت عيناي، وانتصبت أكثر أذناي..

كلّ لقاء يشدني أكثر لفتنة.. إنها فتنة حقاً، أكتشف جديداً وعمقاً كلبياً، وخبرات نسائية.. حبّ للحياة يغمر الدنيا، وإباء، وصدق.. مع شيء من الغيرة الأنثوية المعهودة..

صار أحدنا ضرورياً للآخر كالماء والهواء.. وبدت اللقاءات قصيرة (مهما طالت) فكنّا نتحايل على صحبتنا للإطالة فيها، وقد فهموا أننا عشاق..

واتفقنا على الزواج.. ولكن كيف؟ وأين؟.. قرارنا ليس ملكنا، ونحن في مكانين، ولا ندري بأية وسيلة سنبلّغ أسيادنا بنوايانا، فهم لا يفهمون لغتنا، وقد لا يهتدون لقصة حبّ بين كلبين.. فماذا نفعل؟..

من حسن حظنا أن قصة حبنا انتشرت بين أصحاب البيتين، وصارت حديثاً مسلّياً لهم.. وطالما سمعت تندراتهم، وأحاديثهم عن عشق الكلاب.. وكيف (أحرن) عندما أصل إلى بيت الحبيبة.. لدرجة يصعب على قوة أن تسحبني.. وقبلاتي ودعاباتي لفتنة حبيبتي.. وغزلها، وغنجها، ودلالها، وتمنعها المصطنع.. وأخبرتني هي: أيضاً، بعلم سادتها، وسخريتهم منّا..

مع ذلك، فما من أحد من العائلتين فكّر بما نعانيه من عذاب وحرمان.,. فلم يطرح أي منهم زواجنا مثلاً.. وكنت مندهشاً، مفجوعاً.. فسادتي يحبونني، ويدللونني، فماذا يتخذون هذا الموقف في أهم شيء يخصّني؟ لماذا لم يخطر ببال أحدهم ما نعانيه؟.. أم إن الإنسان لا يفكر إلا بمصالحه، وما يهمه؟!.. ونحن، من نحن، مجرد وسائل، ممتلكات، كالكراسي، والسيارات، والألبسة وغيرها!!؟.

لا أكتمكم.. إن الغيظ سيطر عليّ أياماً.. إذ من غير العدل، والمنطق أن نترك هكذا.. نتمزق، ونتآكل.. أفكار كثيرة راودتني.. بعضها شيطاني، وعدواني.. لماذا لا نهرب، أنا وفتنة، فنختار الحياة التي نشاء؟.. وكان عليّ قبل اتخاذ أي قرار، مشاورة فتنة للوصول إلى موقف مشترك (أليست الحياة الزوجية مشاركة؟).

في لقائنا.. تحاورنا طويلاً، قلّبنا احتمالات شتى.. كنت عصبياً، متضايقاً، وكانت تهدئ من روعي، وتدعوني إلى مزيد من الصبر والتحمّل..

فتنة: جنسنا تحمّل الكثير يا حبيبتي.. فاصبر قليلاً علّنا نصيب حلاً..

بنوع من الغضب: هل أفهم أنك غير مستعجلة على زواجنا؟..

فتنة: ماذا تهذر يا شفق.. إنه حلم حياتي.. أمنيتي التي طالما دعوت لتحقيقها من قبل أن أعرفك.. لكنني أحاول التبصّر بأحوالنا، لنتصرف ضمن ملكنا..

نحن سجناء، عبيد، أسرى لدى السادة.. تخدمهم طوال حياتنا، نحرسهم، نخاف عليهم من نسمة، نضحي بعمرنا في سبيلهم.. فماذا يقدّمون لنا؟.. لعنها الله من حياة..

فتنة: على رسلك.. حبيبي.. هذا ليس جديداً.. إنه قدر الكلاب الذي لا مهرب منه..

- لماذا لا نهرب إلى غابة من تلك الغابات الكثيرة؟. أو إلى أحد الجبال فنعيش كما نهوى، دون أوامر ومنع وقمع؟..

فتنة: إنك تحلم –حبيبي- الهرب ليس حلاً.. قد نفلت أياماً.. ولكن مخاطر كثيرة تنتظرنا..

مقاطعاً: ماذا سيصير لنا.. إن الحرية لا تعوّض، وهي تستحق التضحية..

فتنة: ليست المسألة مسألة حرية وحسب.. إن الأمور أعقد مما تظن وتقول..

- مسألة ماذا.. إذا لم تكن الحرية هي الجوهر؟!!

فتنة: أنا معك بأنه ما من شيء يعادل حريتنا.. فلا الأكل، والبيت المريح، ولا الحياة السهلة حيث يأتيك طعامك وشرابك دون عناء.. وحتى لو كان أسيادك من أفضل البشر تعاملاً معنا.. فلا نتعرض لعقوباتهم وغضبهم وأمزجتهم. فإن حياة حرّة، ولو قصيرة، تساوي عمرنا بحاله..

لكن، حبيبي، يجب استخدام العقل، وليس العواطف.. فالأماني كثيرة، لكنّ الواقع شيء آخر.

- لست عاطفياً، أو لا عقلانياً، بل طالما ناقشت أصدقاء وأصحاباً بهذه الأفكار وغيرها، وكنت من أشدهم واقعية.

- بل، لكوني كذلك، تركت أفكاري الثائرة، وأقنعت نفسي بالمصير المفروض، وصرت أزيّنه وأجمله.. حتى يبدو بديلنا الوحيد.. لكن أن نحرم من أغلى وأحلى شيء، من أبسط حقوقنا.. فجميع الأمور الأخرى تبدو صغيرة، تافهة، لا قيمة لها.. وأي حياة هذه دون حب؟!.

فتنة: من يستطيع منعنا من الحب؟ ها نحن نسطّر قصة حبّ سيتناقلها الكلاب جيلاً بعد جيل، وقد تكون واحدة من تاريخهم..

- نعم نحن نحب، ونملك حريتنا في مشاعرنا، حيث لا يقدر مخلوق على اعتقال عواطفنا، أو نزعها منّا، ولكن أي حبّ هذا؟.. إنه حب من بعيد، رومانسي، مقيّد، مثقل بالهموم، واللوعة والحرمان.. الحب هو الذي ينتهي نهاية سعيدة..

فتنة: عشّاق كثر، حتى بين البشر، خلّدهم التاريخ لأنهم حرموا من لقاء المحبوب.. ألم تسمع بقيس وليلى، وبثينة، وعشرات قصص العرب والأجانب؟.. وهناك آلاف، بل أكثر، من قصص الحب التي لم تنته نهاية سعيدة وبعضها كانت نهاياته كارثية..

(بانفعال شديد): أراك تلقين عليّ محاضرة في (الحب العذري) وكأنك من أصحاب هذا الاتجاه... في عصر لا يعرف العذرية.. لقد فضّ البشر عذرية كل شيء.. وأنت تتحدثين عن قصص وقعت قبل قرون؟!!.

فتنة: للحق، والدقة: ما زالت تحدث حتى في أيامنا؟..

- إذا كانت هذه هي قناعاتك.. فنحن بحاجة إلى إعادة النظر بأمور عديدة..

فتنة، بغنج ودلال ولطف: أوه حبيبي.. زعلت؟.. يبدو أنك تظلمني، وتحكم عليّ بقسوة، فأنت منفعل ولذلك أحاول تهدئتك.. هذا كلّ ما في الأمر..

- إذاً لنتفق على الهرب منذ الغد..

فتنة: الهرب ليس حلاً.. تصوّر لو نجحنا فيه، وتمكنّا من الوصول إلى غابة ما.. فكيف ومن أين سنعيش؟ وإلى متى نستطيع الاستمرار؟..

هل نلجأ إلى صيد الحيوانات، كما كان يفعل أسلافنا في غابر العصور؟ ولنفرض أننا لم نجدها، وأنت اعلم أن البشر قتلوا معظم الحيوانات، فمن أين نتدبّر طعامنا؟.. هل نلجأ إلى القمامات بحثاً عن فتات أكل؟ أم نسرق من هنا وهناك؟ أم نقتات الأعشاب والديدان؟..

- من يحب يصبر ويتحمّل، وتكفيه لقيمات.. فالحب غذاء الروح..

فتنة: هذا كلام عاطفي، حماسي، غير واقعي.. كنت ترفضه منذ قليل..

- ليس كلاماً عاطفياً، أو حماسياً.. يمكننا تدبّر أمورنا بطرق عديدة.. فالغابات تحتوي الكثير: حيوانات، وحشرات، وثماراً..

فتنة: لو كان الأمر كذلك لما رأيت الكلاب الضّالة تجوب أحياء البشر معرّضة نفسها لكل المخاطر، بحثاً عن الأكل.

هم يحبون الحياة السهلة، فقد اعتادوا العطالة، ووجدوا البحث عن الجاهز أفضل من مشقّة غذائهم بأيديهم..

فتنة: ليست الأمور هكذا أبداً.. الغابات لم تعد مأوى الحيوانات ومناطق للعيش فيها.. فالإنسان سيطر عليها بكاملها.. ولعلك نسيت في غمرة اندفاعك، المخاطر الفعلية التي سنتعرّض لها كل لحظة من البشر أنفسهم الذين سيعتبروننا كلاباً شريدة، يستبيحون قتلها.

- يمكننا اللجوء إلى الجبال والمعاصي، فهي مرتفعة، ونادراً ما يرتادها الإنسان.

فتنة: المشكلة ذاتها ستواجهنا في الجبال والغابات، الريف والسهل.. فالدنيا صارت صغيرة (كالسجن) وسيطرة الإنسان كلية..

- لنضرب مثلاً لأبناء جنسنا، فقد نكون نواة الارتحال والتخلص من حياة العبودية..

فتنة: الحرية لا تنتزع هكذا.. إنها تحتاج إلى عمل جماعي.. وإلا كانت انتحاراً.. فأمامنا قوى ضخمة، عاتية، يبدو الكلب أمامها كالحشرة.

- لماذا لا نجتمع، ونكوّن حركة هجرة واسعة؟..

فتنة: هذا غير متاح.. قد تلتقي بكلب، عشرة.. مئة.. ولكن عبر أسيادك، وتحت رقابتهم.

- هم لا يعرفون لغتنا، وبالتالي يجهلون ما نفكر فيه، وما ننوي عمله.

فتنة: إنك تسهّل الأمور كثيراً، وتقديري: أنك، حتى وإن أتيح المجال للقاء والحوار مع عشرات، أو مئات، وحتى آلاف الكلاب.. ستجد معظمهم رافضاً لهذه الفكرة جملة وتفصيلاً، ومن المؤكد أنهم لن يستجيبوا لك، بل ربما اعتبروك معتوهاً، أو طفولياً، فوضوياً.. أو تتآمر مع جهة خارجية ضدهم.. ولا أبالغ إن تصورت احتمالات قتلك من قبلهم.. لأنك خطر على استقرارهم، وحياتهم السهلة، وما اعتادوا عليه.

- الأفكار الجديدة تُقاوم دوماً في بداياتها.. لأن مصالح البعض تتعارض معها، ولأن العديد يجهلها، والجديد يخيف البعض.. لكنها، إن كانت صحيحة، وتقدّم حلولاً.. ستجد طريقها إلى العقول، والقلوب.

فتنة: هذا يحتاج إلى وقت ووسائل.. وإلى حركة واسعة، ووعي، واستعداد، وأشياء كثيرة.. أين نحن منها الآن.. إننا بصدد معالجة وضع ذاتي، خصوصي: زواجنا.. فهل نعلّق تنفيذه حتى (تقوم بالثورة) وتؤسس مملكة الكلاب الحرّة؟!!.

(بنفس الروحية الساخرة): كلا لن تكون مملكة، لأنني ضد الفردية والملكية.. نؤسس (جمهورية الكلاب الديمقراطية) حيث الرئيس منتخب من جميع الكلاب، ذكوراً وإناثاُ، والحقوق متساوية، وحرية الرأي والعمل والاعتراض محفوظة.. و..

فتنة (مقاطعة): لا فرق.. لا فرق.. فمهلاً، حبيبي الثائر..

- ماذا نفعل وأنت ترفضين جميع اقتراحاتي؟ تكسّرين مجاذيفي، وتغلقين كافة الأبواب في وجهي؟..

فتنة: لم أرفضها. لقد فهمتني خطأ. كنت أناقش معك ما تطرح _أليست حرية النقاش مسموحة، كما تقول وتنادي، أم أنك مثل البقية، تقول شيئاً، وتمارس النقيض؟) إن عليّ، وحياتنا، ومصيرنا هو المطروح، أن أبيّن السلبيات قبل اتخاذ أي قرار، وأن نناقش أية احتمالات أخرى ممكنة، بديلة.. فنحن توجّهنا نحو –مغامرة- دون بحث أية حلول أخرى، بديلة، مع ذلك، إذا سدّت جميع الطرف بوجهنا.. فقد نلجأ إلى هذا الحلّ الأخير..

- أية محاولات، وحلول؟ ومع من؟..

فتنة: وجهّنا –منذ البداية- لومنا إلى سادتنا في أنهم لم يبادروا إلى تزويجنا.. دون أن نعرف موقفهم. فهل طرحت الفكرة عليهم ورفضوها حتى نفكّر بـ "حلولنا الثورية"؟..

- من سيطرحها، وهم لا يفهمون لغتنا، وها نحن في علاقة حميمة –يعرفونها- منذ أشهر؟..

فتنة: أعرف ذلك، ولكن بإمكاننا القيام ببعض الحركات التي تشير إلى رغبتنا بالزواج.. والكلاب لا تخلو من الحيلة، والترجّي..

- معك حق، فقد غابت عن ذهني مثل هذه الأفكار.. يبدو أننا دخنا، وغرقنا في همومنا..

فتنة: إذاً، لنتفق على أن يفكّر كلانا بما يمكن فعله لتحسيسهم بمشكلتنا..

*  *  *

وتواعدنا على أن نعمل الذهن، وكنت شديد الإعجاب بحبيبتي.. فهي ليست طاقة روحية رائعة وحسب.. بل إنها تملك عقلاً راجحاً، وجدية، وخبرات كبيرة بالحياة.. إنها ثروتي..

اجتاحتني أفكار عديدة عن أفضل السبل لانتزاع موافقة أسيادنا على زواجنا.. بعضها صبياني، وتافه.. كنت أسخر من نفسي على طرحها، ولكن ما باليد حيلة.. فالوسائل محدودة.. (ماذا يفعل كلب لا يملك لغة بشرية لنيل حقّ طبيعي له؟..)

حككت ذهني، وضربته بحائط بيتي كراراً (أيها الذهن الكلبي.. إنك تافه، وأصغر من أن يجد حلاً).. وتلاطمت الكآبات.. (فليقل لي أيّ منكم عن طريقة مناسبة)؟..

لم أجد سوى طريقة واحدة.. هي محاولة إقناع أحد الصغار، وليكن (مجيداً) لأنه أكبرهم، بوسيلة ما للموافقة على زواجنا. ولكن كيف؟..

قلت لحبيبتي 0فتنتي- ليست هناك من طريقة سوى أن أصطنع الغضب عندما ينتهي لقاؤنا، فأرفض العودة، وأمسك بك، محاولاً جرّك معي.. فما هو رأيك؟..

- القلوب عند بعضها.. فقد اقتربت من اقتراحك – الحيلي- وهو أفضل ما نملك، وسأحاول مع صغيرتي (لبنى) استدرار عطفها.. فهي جد معلقة بي، وأهلها يحبونها كثيراً..

- إذاً إلى لقائنا الموعود..

عندما اصطحبني مجيد، وكان يبدو بحالة نفسية منشرحة، استقبلته بحبّ جارف، وتلثيم، وشمّ، وحركات بهلوانية تسرّه.. (ورغم تعوّده على حركاتي.. إلا أنه بدا مستغرباً شدتها وكثافتها).. كنت أريد تأجيج مشاعره نحوي، لتحقيق الهدف المتفق عليه.. (قد تسمّون ذلك انتهازية، أو نفاقاً، أو مصلحية.. نعم هو كذلك، لكني مضطر إليه..).

والتقينا.. وعندما همّ (مجيد) بالعودة.. رفضت الانصياع، فنشبت مخالبي بجذع شجرة.. لأبلغه أول سطر في رسالتي..

استغرب (مجيد) تصرّفي.. فليس من عادتي فعله، وكان الاستغراب أكبر عندما فعلت (فتنتي) الشيء نفسه مع (لبنى) فأخذا يحدّقان ببعضهما، ويتساءلان: ما بهما اليوم؟

حينها عانقت (كلبتي) وأخذت أسحبها من رقبتها باتجاه بيتنا، وبدت أنها (استجابت) لي..

تساءل مجيد: ما قصتهما؟..

قالت لبنى: والله لا أعرف.. هل هو غرام الكلاب؟..

ونطقها مجيد: لبنى.. لماذا لا نستضيف (فتنة) عندنا، فيهدأ كلبنا؟..

(... إنها المعجزة.. تحققت..)

وتجيب لبنى ببراءة طفولية: والله فكرة سأطرحها على أهلي..

وتغامزنا.. لقد نجحت الخطّة.. والفرح فضاء لا نهائي، والأمل باللقاء يلامس الأحلام..

وتمر أيام عصيبة.. لا نعرف ما جرى فيها، وماذا فعل الأولاد مع أهلهم..

          

خلافات... وانفراج

أدركنا، بعد أيام، أن خلافات دبّت بين العائلتين حول: من سيضيف كلب الآخر.. وامتدّت إلى موضوعات أخرى.. كانت قصتنا "السخيفة" كما يعتبرون القشّة التي قصمت ظهر العلاقات بينهما.

البداية تركزت حول: ذهابي للإضافة عند (فتنة) وأصحابها، أم مجيء (فتنة) إلينا..

سادتي أصرّوا على مجيء (الكلبة) لعندهم.. لأسباب (متداخلة) كما كانوا يتحدثون..

1 - بيتهم بيت مسؤول في الدولة، سيده شخصية معروفة، تلجأ إليها يومياً عشرات المحتاجين إلى عمل، أو قضاء حاجة.. فكيف سيتنازلون ويرسلون كلبهم إلى بيت، صاحبه ليس بمستواه.. وهو مجرد تاجر.. حديث النعمة.. ظهر فجأة كالفطر؟!!.

2 – العادة عند البشر أن الزوجة تأتي إلى بيت الزوج (المرأة تتبع الرجل) وليس العكس. ومن العار والشنار أن يذهب الكلب.. الذكر.. إلى كلبة.. هذا خرق فاضح للأصول، والعادات، وفضيحة لا يمكن قبولها..

3 – (شفق) ليس كلباً عادياً كبقية الكلاب.. هو بطل.. يحمل شهادات ونياشين، أشهر كلاب المنطقة، صوره ظهرت مراراً في الصحافة.. وحتى في التلفزة.. فكيف يمكن لكلب شهير أن ينكّس رأسه ورأس أصحابه ليرتبط بكلبة عادية لا يعرفون أصلها وفصلها.. وهناك آلاف الكلبات التي تحلم بالركوع عند أقدامه..

موجبات سادتي بدت وجيهة.. لكنها مثّلت نوعاً من التحدّي لسادة (فتنة) فصرنا بين الأرجل..

فتاهت قضيتنا، وهمّشت.. خاصة بعد تأزّم المشكلة.. ودخول عوامل لا علاقة لها بها..

سيد (فتنة) كان موظفاً عادياً.. يقال إنه لم يحصل على الثانوية العامة رغم أنه تقدّم لنيلها نحو خمس مرات.. وعندما انتشرت تجارة الشنتة (الترابندو) وغزت مرحلة الاستهلاك وأفكارها وبضاعتها وقيمها البلد.. كان شاطراً يستقرئ المستقبل.. فاستقال فوراً، وركب موجة التجارة.. فتفوّق فيها..

وخلال زمن قصير كوّن علاقات جيدة في المطارات والموانئ وعلى الحدود مع رجالات الجمارك والشرطة، والنافذين.. تقوم (على المنفعة المتبادلة) فتوسعت تجارته وميادينها، وأصبحت له شبكة نافذة (من فوق لتحت) تسهّل تجارته.. وتقدم له خدمات جليلة: مناقصات ترسو عليه – قطع أرض صالحة للبناء بأسعار رمزية – استيراد مواد نادرة الوجود، واحتكارها لعلمه أن ثمنها سيرتفع.

سنوات قليلة قفز (صاحبنا) بسرعة الصاروخ.. كواحد من أهم تجار البلد النافذين، تتقدمه ملياراته، وحساباته في الخارج، ومظاهر الثراء، وحراس من طراز خاص.. فتُفتح له الأبواب جميعاً..

لم ينتم صاحبنا لأي حزب.. كان يكره السياسة، كما يقول، فكلها نفاق، ووجع رأس.. لكنه يقيم أوطد العلاقات مع كبار السياسة في البلد وقادتها.

الحق.. أنه كان سخياً في هداياه وولائمه، ومساعداته.. (لم ينس دور العبادة التي تبرّع لبناء العديد منها ويقال إنه حجّ عدة مرات.. وكان الحج مناسبة للتعارف وعقد الصفقات.. والانتقال إلى "العالمية")..

مع ذلك.. يبدو أن سيدي لم يكن يحترمه، فهو، كما كان يقول: يتقزز من هذه الطبقة الجديدة التي نهبت البلد دون شفقة، والتي كوّنت ثروات طائلة في زمن قصير بطرق غير مشروعة، على الغالب، والذين يستفزون الوطن والمواطن بعاداتهم وبذخهم، وقصورهم الفخمة، وسياراتهم الفارهة..

(فوقعنا نحن في مشكلة لا ناقة لنا فيها ولا جمل)..

سيد (فتنة) الذي لا تعنيه عواطف كلبة أو زواجها، أو رحيلها.. وحتى موتها.. اعتبر ذهاب كلبته إلى بيت سيدي إهانة موجهة له شخصياً.. لأنه لا يحبه.. ويراه: (متعالياً، منفوخاً كالبطّ، مغروراً كالطاووس.. بينما من هم أهم منه وأوزن.. يجرون لنيل رضاه..).

ويبدو أن المنافسين، والمنافقين، وخصوم كل منهما دخلوا على الخط.. يصبّون الزيت على النار، ويؤجّجون الخلافات بالمزيد من نقل الأحاديث والتصريحات المزوّرة أو المبالغ فيها لكل طرف.. حتى يثيروا أعصابه.. واتّسعت الهوّة.. فقاطعت النساء بعضها، ثم شملت الأولاد.. ووصلتنا أخيراً.. حين أصدر كل سيد أوامره الصارمة، التي لا رحمة فيها: بمنع لقاء الأولاد أو الكلاب..

فأين المفر.. وماذا نفعل؟..

تسربت الخلافات إلى ميادين مختلفة.. تنبش في تاريخ ومواقف وعلاقات، وثروة كل منهما (فرحت الصحافة كثيراً.. فأمامها مادة خصبة للدخول في ميدان حساس، وتسابق الصحفيون.. المخلصون منهم، الحريصون على مصلحة البلد وثرواته وأخلاقه.. وطالبو الشهرة، ومحبو الظهور، ومستغلو الفرص..)

(الصحافة.. وما فيها تلزمها رواية بحالها..)

لم تقتصر المعركة على طرفيها.. بل جرَّ كل طرف شخصيات مهمة.. اتهمت بأنها متواطئة، أو شريكة لهذا الطرف أو ذاك.. وأصبح الوضع خطيراً يهدد بفضيحة شاملة.. قد تذهب فيها رؤوس ومقاسات.. الأمر الذي دفع بعض المدركين للنتائج أن يتدخلوا بقوة لدى السيدين لحصار الخلاف بداية، ثم إيقافه، والسعي إلى المصالحة (الصلح سيّد الأحكام)..

بدأت المصالحة، والوفود تنتقل من بيت لآخر.. وسيدي مصرّ، فقد شعر أنه جرح في كرامته وهو المناضل الذي ضحّى وقدّم وعمل.. من قبل (أفّاق) شبه أمّي.. لا تاريخ له ولا أصل.

إن البحبوحة التي يعيش فيها.. هي نتيجة جهد، مكافأة لما بذله لأجل الوطن!!.. أما ذاك فماذا قدّم غير النهب والرشوة، وإفساد الآخرين، وامتصاص دماء الشعب واقتصاد البلد؟..

هذا الإصرار (مضرّ بنا جميعاً) هكذا قال: مسؤول كبير.. موجهاً كلامه إلى سيدي.. أنت مناضل كبير.. لم تأت صدفة، تاريخك معروف.. وعيك كبير، وصدرك رحب.. فمن تلك (الحشرة) حتى تثيرك؟ إنك ترفع من قيمتها، وتعطيها مكانة عندما تفتح معها معركة، أو تضع نفسك في مقامها.. إن الحل الأفضل لهؤلاء.. أن تتجاهلهم، وتعتبرهم غير موجودين.. وإلا فإن أنت ذكرتهم بسوء أو شر.. صاروا كالكلاب المسعورة (تصوروا هذا الاستخدام!!.. تعليق من عندي)..

سيدي: يستحيل إن أسكت على إهانته، واتهاماته.. إن صمتنا، ومجاملاتنا، وضعفنا، بل جبننا.. أدى إلى أن يبرز أمثال هؤلاء، وأن يصبحوا قوة في البلد، وأن يستهزئوا بالمناضلين وتاريخهم، وبأفكارنا وتضحياتنا، ومنجزاتنا.

- المسؤول الكبير: معك حق في بعض الوجوه.

- سيدي بغضب: معي كل الحق في جميع الوجوه.

- المسؤول الكبير: لقد تغيّرت الأحوال والدنيا يا أخي.. واجتاحتنا عواصف عاتية كان يستحيل علينا مواجهتها، مما أجبرنا على التعاطي معها.. لعلها تمرّ بأقل الخسائر..

- سيدي: لم نتعاط معها فقط، بل حنينا رؤوسنا، وخضعنا.. فانتشرت واجتاحت مواقعنا، وحتى ما بقي لنا من قلاع..

- المسؤول الكبير: إنك تبالغ.. فأنت منفعل وغاضب.. فأرجوك أن تهدأ، وتناقش الأمور بروية..

نحن في وضع انتقالي، مواقعنا ضعيفة، وقوانا مشتتة، وهم قوى صاعدة، شرسة وحاقدة، مسلحة بقوة المال والنفوذ والتشجيع الخارجي.. وبأخطائنا وسلبياتنا وتجاربنا الفاشلة.. وعجزنا عن تحقيق أهدافنا، وإنجاز ما كنّا نعد فيه.. والقصة طويلة.. كما تعرف.

سيدي: أعرف.. بالتأكيد.. وأعرف أن الوقت غير مناسب لتقويم شامل.

المسؤول الكبير: ولهذا أرى أن نحاول امتصاص الوضع وتحمّل ما يجري، بأمل أن يجيء يوم نقدر فيه من حسم المعركة.

سيدي: نقدر نحن.. أو غيرنا.. فعلينا أن نفتح المجال لغيرنا.. على الأقل: المشاركة معنا وأن تمنح الأجيال الشابّة فرصتها كي تمرس دورها..

المسؤول الكبير: أوافقك بقوة.. لكن هذه قضايا استراتيجية.. المهم الآن أن نوقف هذه المعركة التي لا يفيدنا استمرارها.. بل ألحقت الأذى بنا، وثقتنا كبيرة بوعيك، وسعة صدرك، وحسن تقديرك..

سيدي: أعطني مهلة يوم أو يومين..

(يبدو أن سيدي قد تراجع.. فحاول الحفاظ على شيء من ماء الوجه.. وهذا في صالحي.. فما شأني وخلافاتهم، ومعاركهم)..

المضحك المبكي.. أن علاقة كلب بكلبة كادت أن تؤدي إلى حرب أهلية..

          

يتبع