مذكرات كلب (4)

عكاب يحيى

حياة عادية.. ولكن..

عدت إلى بيتي أمارس حياتي التي قررت لي.. مع محاولاتي إضفاء قدر من الحرية والمتعة فيها، كلما أتيح لي ذلك..

كنت أمضي يومي في بيتي الصغير، أتجول بحدود طول رباطي الدائم (لا أدري لمَ يربطون الكلاب نهاراً.. لعلهم يخافون اعتداءاتها علـى البشـر.. ولمـاذا فـي الليل؟..) ويطلق سراحي ليلاً لتبدأ واجباتي بحراسة البيت وأهله.. كان هذا نظاماً عاماً، يخترق يومياً في مشوار مسائي، يهدف، دائماً، قضاء حاجة الكلاب في الشوارع، أو في زاوية.. وللتريض.. أو عندما يقرر السادة الخروج في مشوار أو نزهة أو رحلة، وعندما يسافرون دوني، كنت أتنقل من الحديقة إلى داخل البيت..

في الليالي الشتائية الطويلة الباردة.. حين تغضب السماء: عواصف، ورعوداً، وبرقاً، وشتاءً غزيراً.. وحين تصطكّ الأشجار ويخترقها البرق.. ويحلّ جليد صقيعي.. وتحتلّ العتمة كل الأمكنة.. حتى لا تعود ترى شيئاً، خاصة عندما كانت الريح تقهر مصابيح الكهرباء فتجبرها على التوقف والانقطاع..

كنت أرتعش خوفاً وبرداً وقلقاً ومللاً.. في أشهري الأولى.. وحيداً.. لأن الجميع نيام إلا أنا.. فماذا يفعل كلب وحيد في ليل طويل مظلم؟..

التسلية لا مكان لها، وحفيف الأوراق الذي كان يخيفني صار رفيق سهري، أو دبيب قدم بشرية في الطريق.. ألاحقها مذ يصل وقعها أذنيّ، بل مذ تصلني رائحتها.. فأتولى الإنذار بعواء متواصل عند تجاورها سور الحديقة، إلى أن تتجاوزها، حينها أشعر أن الخطر زال فأعود إلى حالتي الطبيعية..

كان يجب ألاّ أعتاد سير البشر.. فأنسى واجباتي.. هذا ما علموني إياه.. إذ يمكن إن تعودت سيرهم أن تحدث حادثة ما.. فيذهب سدى كل وجودي.. ولذلك لابدّ من الاستنفار والنباح لدى سماع أي صوت غريب..

كان الليل الطويل يدعوني للتأمل، واستعراض الذكريات.. فكررتها مراراً ومراراً حتى مللتها.. ولكن بمَ أسلّي نفسي، وكيف أقطع الوقت بانتظار خيوط الفجر الأولى.. حين ينبعث الضياء طارداً الظلمة.. فأحسّ بالأمن والأمان.. ويصبح بإمكاني الرقاد.. انتظاراً لفطور الصباح..؟..

توطدت علاقتي بأصحاب البيت، فصرت واحداً منهم (يفترض هكذا) ألفتهم وألفوني، دخلت وتغلغلت في عالمهم الخاص، وعرفت الكثير من أسرارهم، وشجاراتهم، خاصة بين سيدي وسيدتي، وأحياناً بين الصغار، أو مع الخدم..

الأولاد يكبرون، وأنا أكبر.. وتتعمق صداقتي مع عادل ومنى وأمهما. كان الصغيران يصرّان على اصطحابي في جميع مشاويرهم، حتى وإن كانت إلى الأسواق، أو إلى زيارة أقربائهم وأصحابهم..

أجلس في السيارة (كمسؤول)، والأيدي تداعب ظهري، تربت عليّ، وتنهال قُبل الصغار وضحكاتهم.. وعندما لا يعجبني المشوار أبقى والصغيرين في السيارة، أو نتجوّل في الشوارع.. نستمتع برؤيا الناس والمحال التجارية الغاصّة بهم، المزدحمة بأصناف شتى: ألبسة، مأكولات، مفروشات، ألعاب.. أشياء كثيرة تثير وتطرح العديد من الأسئلة:

لمَ هذه التخمة، وكأن البشر لا تشبع.. الألبسة آلاف الأصناف والألوان.. واعتقدت، لزمن طويل، أن اللباس حاجة لتغطية الجسم، وتدفئته شتاء، ووقايته من حرّ الصيف.. ولم أعرف أنه صار هدفاً بذاته، يتنافسون ويجهدون أنفسهم، وقد يستدينون أو يحرمون أنفسهم من حاجات ضرورية، في سبيل شراء قطعة لباس غالية.. تتكدّس في خزائنهم.. أو تلقى كخرق بالية..

كانت سيدتي تنفق أموالاً طائلة لشراء المزيد من الألبسة.. وكأنها لا تشبع.. وأحياناً لم تكن تستخدمها لأكثر من مرة، أو مناسبة.. ثم تطويها الأيام..

أما أدوات التزيين والتجميل.. والعطور.. والملطفات والمرطبات والأصبغة، والشعور الاصطناعية (حتى العيون يمكن تغيير حدقاتها!!) فحدّث ولا حرج.. آلاف الأنواع التي تتنافس، وكل منها تحمل اسماً خاصاً، ويدّعي أصحابها أنها الأفضل.. فامتلأ البيت.. دون توقف.. حتى بات كالحانوت يحوي متناقضات عجيبة..

الأكل.. والحلويات، والموالح، والفواكه، والعصير، والشراب.. وماذا أعدد وأصنّف؟.. منظرها يسيل اللعاب، وتجعلك تشبع.. ومع ذلك، فالبشر لا يشبعون، ويبحثون عن الجديد كل يوم..

اهتمامات البشر، وشرههم، وحبّ التملّك المسيطر عليهم.. أثارت حيرتي وتأملي الدائمين.. ولم أك أعي أن الرغبات والأمزجة والشهوات صارت هي البديل للحاجات الضرورية.

كان جزءاً من اندهاشي ذلك التناقض الصارخ في أوضاعهم.. فهناك من يملأ خزائنه أزياء وألبسة من كل الألوان والبلدان، والأموال، وتزدحم الغرف بمواد التجميل والعطور والمشروبات.. ويفيض الأكل فيرمى الكثير منه يومياً.. بينما ترى كثيرين ينامون في الشوارع، يلبسون رثّ الثياب التي بالكاد تغطي أجسادهم، ينقّبون في المزابل بحثاً عن لقيمات ألقاها غني، يتسوّلون، والعديد يمدّ يده، والبعض يتخذها مهنة.. ومع ذلك يتحدثون عن التضامن والرحمة والعدالة.. وقسم من أولئك لا يملّ خطاباً عن الاشتراكية، ويعتبرون أنفسهم أخوة.. انحدروا من أب واحد.. خاصة في (الشدائد حين تعصف الأزمات بالمسؤولين وأصحاب الامتيازات والنعم).. ويلي.. كم هم دجّالون..

كان يصعب على مثلي فهم أسباب هذه الفروقات، ومتى حصلت، وكيف تستمر.. فاعتدت عليها (ما شأني).. وتعاملت معها كمشاهد.. وهل يملك كلب سوى المشاهدة والصمت؟..

منى.. كانت الأقرب إلى قلبي.. طفلة جميلة.. موهوبة، رقيقة، حنون وتحب الجميع، فتنشره في كافة الأرجاء.. حسّاسة، تعشق الحيوانات، وتفضلها على نفسها أحياناً (مراراً أطعمتني لقمة من فمها، أو قطعة حلوى لها..) كنت والقط (مينو) سلواها، فتحاول إقامة صداقة بيننا، تتدخل إذا ما حلّ خلاف.. فتنهرنا، وكانت نظرة منها كافية لكي تمنع المشادات بيننا، فنمتثل لما تريد..

ما زلت أذكر حزننا المرير حين غابت عني (منى) فلم تزرني على غير عادتها.. تصورت أنها مسافرة.. أو أني أزعجتها بتصرف ما.. وعرفت الحقيقة عندما شاهدت طبيباً يدخل البيت.. ولهفة الأم، واصفرارها..

سارعت للدخول، فمنعني قيدي.. وما كان لي إلا النباح المتواصل.. وكأن مسّاً أصابني.. إلى أن هرع عادل نحوي مستفسراً عن سبب هيجاني.. تضرّعت إليه، قبّلته، لحسته، قفزت عليه أدفعه دفعاً نحو البيت.. ولعله فهم قصدي.. ففكّ أسري.. وبلحظات كنت داخل البيت، أصعد الأدراج إلى غرفة منى.. كانت ممدّدة في الفراش، شاحبة، صفراء اللون.. مغمضة العينين.. تتكلم كلمات غير مفهومة.. إنها تهذي.. فهي الحمى كما فهمت.. ويلي.. إن صار لمنى الغالية مكروه.. جثوت عند قدميها أحمحم في بكاء صامت، ودموع غزيرة تنهمر منّي.. فبكى الجميع.. وضمّني عادل إلى صدره.. وكأنه يريد أن يقول لي: لا تخف.. هي نزلة عارضة.. وتزول..

حاول سادتي إخراجي.. فأبيت.. وتشبثت بأرجل سريرها.. وأنا أتضرع عواء ضعيفاً متقطعاً.. كيف أخرج ومنى مريضة؟! وهل أنا عديم الضمير؟ قليل الوفاء حتى أتركها في وضع كهذا؟!.. واتخذت الزاوية مكاناً أجثو فيه.. وعيوني لا تفارقها..

ليلة من أطول ما عرفت.. والقلق كبير على صحة منى العزيزة.. وأمها تجلس على كرسي قبالتها، وما انفكّت تبدّل ضمادات باردة لها، بينما تركنا والدها في وقت متأخر.. ونام عادل على الأرض..

جاءت مفاجأتي من مجيد.. المصفرّ الحزين.. الذي يزرع الغرفة جيئة وذهاباً، مما استدعى تدخّل أمه مراراً كي يهدأ، ويطمئن، ويرتاح.. وهو يرفض.. ويأبى، ودموعه تنهمر.. رافضاً النوم، عارضاً خدماته على أمه.. وطالما ردد: أفديها بحياتي.. لن أنام إلا بعد أن أطمئن عليها..

إذاً: مجيد ليس كما يظهر.. إنه مخزن عاطفي مغطى بطبقة رقيقة من العصبية والانطواء..

جميعاً، بما فينا القط مينو، كنا مشدودي الأعصاب.. ننتظر انفراج وضع منى..

قرب الفجر.. ومع صيحات الله أكبر في أذان الصبح.. بدأ عرق يتصبب من جبهة منى وجهها فجسدها.. وسمعت أمها تتضرّع إلى الله وتحمده.. إذاً: العرق بشير التعافي..

وبعد قليل.. فتحت منى عيناها الجميلتين.. وابتسامة شاحبة تملأ وجهها.. فجالت حولنا، وكأنها تقدّم شكرها لنا.. ثم تكلمت: أماه.. إني جائعة..

وهرع مجيد بسرعة خارقة يحمل صينية أكل، وخلفه المربية (سامية) تحمل أنواعاً من الطعام.. فاختارت الأم خفيفها.. وأخذت تطعم منى بيدها.. بينما نتنفس نحن الصعداء..

وعندما تأكدت أن منى أخذت تتعافى.. نهضنا لتحيتها، فلثمتها كثيراً على يديها، ولحست وجهها.. وهي تشكرني، وتضمني إلى صدرها.. وتقول: كنت عظيماً يا شفق كما عهدتك..

تعمدت التقرّب من مجيد والتودد له.. فقد كان موقفه أثناء مرض منى ينمّ عن داخل أصيل، طيّب.. تجاهلني أكثر من مرة.. وأبعدني عنه في معظم محاولات تقربي.. حتى جاءت تلك الحادثة.. التي شكّلت منعطفاً..

          

صداقتي مع مجيد

عصر يوم خريفي.. وأنا متمدد في بيتي.. بين النوم واليقظة.. تناهى إلى سمعي أصوات عالية، متداخلة.. وكأنها مشاجرة بين مجموعة شبان مراهقين.. وأرهفت السمع لأستجلي الحقيقة.. فجاءني صوت استغاثة.. خلت أني أعرف صاحبه.. فالصوت ليس غريباً عن أذني..

قفزت بسرعة نحو سور الحديقة.. فشاهدت مجموعة شبان تتحلق حول مجيد الذي يقف في وسطها، مستنجداً، يرفع يديه ليتّقي رأسه، ولمحت نصل سكين يلمع بيد أحدهم.. يشهرها على رقبته..

تيقنت للفور أن نباحي لن يجدي بإنذار أحد في البيت، والوقت عصيب يحتاج إلى تصرّف سريع..

كان لابدّ من مشاركتي.. جمعت قوايّ وقفزت علّي أقطع رباطي.. فكاد الطوق يخنقني، وسقطت على الأرض.. والألم في رجلي.. لكن، في سبيل مجيد، يهون كلّ ألم..

مرة إثر مرة.. تمكنت من قطع قيدي.. ولا أدري أية قوة حطّت عليّ.. فاستكملتها بقفزة عالية كنت خارج السور.. وبلمح البصر، كان فكي يقبض معصم الفتى صاحب السكين.. وقد غرزت أنيابي بها.. لكنه أفلت مني فأصابني في ظهري..

لم يك شيئاً يهمني سوى حياة مجيد.. وما عدت أرى سوى الخطر المحدق به.. ولذلك لا أعرف كيف مزّقت أنيابي يد المعتدي، وأسقطت سكينه أرضاً.. وكيف كنت أثب على الآخرين فأعلو فوق رؤوسهم.. فتجرحها أظافري، وأنهال عضّاً بمن أصل إليه..

بوغت المعتدون بوجودي و "شراستي" فتفرقوا مولين الأدبار.. هاربين.. وصرخات الألم تتعالى من بعضهم.. حينها قفزت إلى مجيد أتفقده جزءاً جزءاً لأعرف إن كان قد أصابه سوء.. فلم أجد سوى آثار لكمات خفيفة في وجهه، وحول أحد عينيه..

احتضنني مجيد بقوة كادت تهصرني، وتحطّم عظامي.. ولاحظت أنه انتفض فجأة، وكأنه ملدوغ، ونظر إلى يده مستغرباً.. كانت مخضّبة بالدماء.. إنها دماء جرحي النازف الذي لم أحسّ به.. فحملني بسرعة وهو يجري إلى البيت، وصوته –المستغيث- الخائف يسبقه..: أمي.. أمي.. عادل.. أحمد (وهو اسم أحد الخدم) أسرعوا إليّ.. شفق جريح.. شفق ينزف دماً وقد يموت..

خرج الجميع دفعة واحدة يتراكضون، يتقاذفونني بين أيديهم، يتسارعون للكشف على جرحي ومعرفة حجمه: طولاً وعمقاً.. وكالبرق هرعت سيدتي إلى صيدليتهم الخاصة تحمل ضمادات وأدوية.. ومقصات.. وملاقط..

كان الجرح نازفاً بقوة، وقد بدأت وخزاته تدخل قلبي مؤلمة.. حاولت التماسك وإظهار الشجاعة.. والتأوّه بصوت منخفض.. خاصة عند وضع مادة مطهّرة حارقة، جعلتني أرتجف..

ولم أك أعرف أن جرحي كبير.. إلا وأنا في سيارة إسعاف تطلق أصواتاً خاصة، وتنهب الطريق بسرعة خارقة.. إلى مستشفى رأيت على بابه سيدي بانتظاري..

يا للعجب.. كيف.. ولمَ جاء؟.. هل ترك عمله، وهو المسؤول لأجلي؟..

وتحلّق الجميع حولي أحبّة يمنحونني عطفهم، ودموع بعضهم لم تتوقف..

كنت ممتنّاً لهم.. شاكراً هذا الاهتمام الذي لن أنساه طوال حياتي، فكانت حمحماتي، وعيوني تبلّغهم عرفاني.. ثم رحت في نوم عميق، يبدو أن المخدّر فعل فعله.. فما استفقت إلا في البيت، وقد وضعوني على سرير خاص، وجلسوا حولي ينتظرون استفاقتي..

وعلمت أن جرحي، لابدّ غائر حتى نقلت إلى المستشفى بتلك السرعة.. تأكدت من ذلك عبر الألم الشديد، وتلك البقعة التي أزيل شعر ظهري منها، حينما أخاط الطبيب الجرح..

هي تجربتي الأولى، على كل حال، وفي البدايات فإن الوقوع بالخطأ أمر وارد، ولو كنت متمرّساً كفاية، ولديّ خبرات عملية.. لتفاديت الإصابة.. مثلما صار لي في مرات أخرى.

وعزّيت نفسي.. هو قدري.. الذي لا مهرب منه: إذ يستحيل عليّ رؤية مجيد يتعرض لاعتداء دون أن أغامر بحياتي.. وليكن ما يكون. ربما اندفعت زيادة فما رأيت إلا شيئاً واحداً: هو تخليصه من بين أيديهم. ربما تسرّعت في الانقضاض على حامل السكين فلم أراعِ احتياطات الأمن المطلوبة في هذه الحالات.. ربما.. ربما..

وفي جميع الحالات.. شكّلت هذه الحادثة منفصلاً، بله منعطف في علاقتي مع جميع أهل البيت عموماً، ومع مجيد على وجه الخصوص.

لقد ازداد حبّ الجميع لي، واهتمامهم وتقديرهم، والشعور بأهمية وجودي، وبشجاعتي وإخلاصي.. وانفجرت عواطف مجيد المكبوتة.. حبّاً جارفاً واحتراماً أحرجاني، فطوقني بهما، وهو جاث عند سريري يذرف دموعاً غزيرة، ويحضنني، ويواصل رعايته بي: إطعاماً وعلاجاً وتغييراً للجرح وتطهيراً له، وقبلات مستمرة على رأسي وفمي.. كان ذلك مما لا ينسى.. وبما أخجلني، وجعل حرجي يبدو صغيراً، تافهاً أمام رعايتهم واهتمامهم.

كنت رغم الألم الذي أقعدني عدة أيام، جد سعيد بحصول تلك المعركة التي كانت السبب في صداقتي مع مجيد، وهي التي طالما تمنيتها وسعيت لها.

استعدت عافيتي بسرعة.. فما زلت فتياً، كما أن الأدوية قامت بدورها.. هكذا، وفي أقلّ من أسبوع، عدنا إلى المستشفى لنزع خيط الجرح، وقد طمأن الطبيب سيدتي بأنني برئت.. وبإمكاني ممارسة حياتي العادية..

          

احتفال.. وتحقيقات و.. محاكمات

أعدّ سادتي احتفالاً خاصّاً بي.. تكريماً لشجاعتي، وشفائي..

كان شيئاً لطيفاً.,. وجود الأسرة جميعاً، وأقاربهم، والخدم في الحديقة، عند بركة الماء. ورأيت وسطهم قالب (كاتو) كبيراً، جميلاً.. تتناثر حوله حلوى شهية..

بعد كلمات الإشادة بخصالي، وشجاعتي، وتهنئتي بسلامتي.. قطّع القالب إلى أجزاء وزّعت على الجميع.. وأولهما أنا.. الذي كنت مزهواً فخوراً.. ألبس ثياباً جميلة، وفوطة على الصدر..

وجاء دور الهدايا: أطواقاً جميلة مجرّسة ومفضّضة، وأحدهما مذهَّبٌ، وأثواباً، وقطعاً من الحلوى الفاخرة، والشكولا.. إنه شيء عظيم يخجلني ويأسرني.

انتهى الاحتفال بالقبلات والضحكات.. وغمرت الفرحة جميع الحاضرين..

* في المخفر

صبيحة اليوم التالي أخذني سيدي، رفقة مجيد وسيدتي، ورجل غريب، إلى مخفر الشرطة.. فدخلنا غرفة واسعة، يجلس خلف طاولة كبيرة فيها رجل يبدو مهمّاً، تزيّن أكتافه نجمتان، ويجلس إلى جانبه آخر لا يحمل نجوماً، بل دفتراً كبيراً..

* تحدّث سيدي بضع كلمات.. ذكر فيها اسمي، واسم مجيد.. وعرفت أن الأمر يتعلق بالحادثة إياها.. حيث تقدّم ذوو خصومنا ضدنا، قابلها سيدي بأخرى ضدهم.

* تولى الرجل الغريب، الذي رافقنا الحديث.. كان أصلع الشعر، تجاوز منتصف العمر، تحفر وجهه أخاديد الزمن كبصمات شاهدة لما عانى وعرف.. طليق اللسان، يستخدم كلتا يديه, ورأسه، يجلس وينهض.. فعرفت أنه المحامي، صديق العائلة، الذي سيتولى الدفاع عنّا.

* أوجز مجيد ما جرى باختصار شديد: كان خارجاً من مدرسته باتجاه البيت، كعادته يومياً.. حين اعترضه أولئك الشبّان الأربعة، دون سبب، أو مقدمات.. فأخذوا يتحرشون به، ويطلقون عبارات بذيئة، ويلكمونه لكمات خفيفة.. يريدون منحهم ساعته وقلادته، وما في جيوبه من دراهم..

استفزّت كلماتهم النابية مجيد، فأبى الاستسلام لهم.. وحينها انهالوا عليه ضرباً ولكماً ورفساً، بينما أشهر أحدهم موساً وضعها على رقبته، وقام آخر بخلع ساعته وقلادته..

وبينما هو في هذه الوضعية.. فوجئ (بنسر) قادم كالسهم.. كان شفقاً يجري بسرعة خارقة، حتى لا تكاد تلمحه.. فاعترك معهم، وقد طعنه صاحب السكين في ظهره، لكن (شفقاً) لم يستسلم/ فواصل معركته حتى خلّصني من بين أيديهم.. فلاذوا بالفرار..

* لم يكن بإمكاني قول شيء، فالبشر لا تعرف لغتنا.. لذلك اقتادني مجيد إلى زاوية الغرفة، بينما كان المحامي يواصل الحديث، مطالباً ليس باسترداد المسروقات وحسب، وإنما بإنزال العقوبات الصارمة بأولئك الشبان.

* وفجأة فتح شرطي الباب ليدخل نحو عشرة رجال، عرفت منهم الشبان الأربعة، وكانت يد أحدهم مضمدة، بينما تظهر دماء من ساق آخر.. ويبدو أن الغرباء الآخرين هم أهلهم ومحاموهم..

* لا أعرف كيف استنفرت لمرآهم.. فما أحسست إلا وأنا أمسك بيد الجاني، وبنباحي يتعاظم.. فهرعوا إليّ يبعدونني.. وقد وجه أحدهم لكمة قوية لي على رأسي (استخدم هجومي هذا شهادة إضافية ضدي).

* تعالت الأصوات وتعددت، وتدخل الضابط مراراً لإسكاتهم، طالباً الهدوء من الجميع، وعدم السماح بالحديث لأي منهم.. سوى من يحدده هو.

كانت العبارات القاسية البذيئة تتهاطل ضدي: كلب ابن كلب – كلب متوحش – مكلوب – مفترس – لا يعرف التربية.

* وعلمت أن صاحب السكين أصيب بتهتّك في يده، حيث انتزعت جزءاً من لحمها، بينما يعاني الآخر مجموعة جروح في ساقه ومؤخرته، بينما سلم الاثنان.. إلا من خدوش بسيطة..

* خصومنا ركّزوا هجومهم عليّ.. فأطلقوا نعوتاً كثيرة، وتولى أحدهم (يبدو أنه المحامي) تركيز التهم: هذا وحش وليس كلباً عادياً.. بدليل ما ألحقه من أذى بهؤلاء الشبان "الطيبين"!!.

* كلب مثلي يجب أن يقتل، لأنه يشكّل خطراً على البشرية!!.

* يد الشاب قد تصاب بالشلل التام.. لذلك نطالب بأن يتحمل صاحب الكلب مسؤوليته عن هذا الكلب المتوحش، ودفع التعويضات التي سنتقدم بها إلى المحكمة.

* لم يكتف المحامي بذلك.. بل يطلب إنزال شتى العقوبات بي جرّاء ما أصاب الشبان الأربعة من أذى..

* صرخ صاحبنا الحامي.. مستهزئاً: الأربعة؟!!!

* نعم الأربعة.. أجاب المحامي (الخصم) لأن الأول قد أصابه ضرر كبير بيده سيقدر مداها الأطباء والخبراء. والثاني يعاني جروحاً وتهتكات في عدة مناطق من جسده (ليست ساقه الجريحة فقط).. أما الثالث والرابع.. فإن الخوف الذي بثّه ذلك (المتوحش) –يقصدني- أدى إلى إيقاع صدمة نفسية حادة بهما، قد تؤثر على مجرى حياتهما كله، وقد تسبب في عقمهما.. إضافة إلى ما لحقهما من جروح وخدوش..

- صاحبنا المحامي: عقمهما؟!!.

- نعم أيهل الزميل.. ألا تعرف أن الإنسان إذا ما تعرّض لصدمة رعب فجائية قد تؤثّر عليه وتمنعه من الإنجاب؟..

- يبدو أنك لست محامياً وحسب أيها الزميل، بل أنت مجموعة أطباء اختصاصيين.. قاموا بكل المعاينات.. والتحاليل اللازمة، وأصدروا حكمهم القاطع.. هذا الذي تطرحه دون دراية أو علم..

كانت معركة شجارية واسعة، تداخلت فيها الاتهامات والأصوات العالية، والتهديدات.. إلى درجة أنها كادت تتحوّل إلى عراك بالأيدي.. لولا تدخّل الضابط، وعدد من الشرطة الموجودين..

أسكت الضابط جمع الموجودين.. طالباً من الشاب وصاحب السكين أن يتحدث عن سبب اعتدائهم على مجيد، وعن مسؤوليته في حمل السكين، ومحاولة استخدامها ضد مجيد، ثم طعني بها..

ارتبك صاحب السكين وهو يبدأ كلامه.. وبدأ الكذب واضحاً فيما يسرد. قال: إنه وزملاءه يسكنون في حي آخر ليس بعيداً عن بيت مجيد، خرجوا إلى الشارع (لأسباب مختلفة..) كانوا يرون مجيداً في رواحه ومجيئه، يركب سيارة فارهة أحياناً، كان منظره وغروره وتكبّره يستفزّهم، وكذلك إسرافه في إنفاق دراهم كثيرة..

حاولوا عدة مرات الحديث معه لمصاحبته.. فكان عنجهياً، متعالياً، لا يردّ عليهم. وإن ردّ فباقتضاب يحمل السخرية والحطّ بهم.. ولذلك قرروا الانتقام لكرامتهم التي أهدرها مجيد!!!.

صادق الثلاثة على أقوال زميلهم، وكأنهم اتفقوا مسبقاً على رواية واحدة، فراحوا يسردون عدداً من (تصرفات) مجيد التي وُجهت ضدهم..

فجأة قفز مجيد من مكانه.. صارخاً.. مقاطعاً: كذّابون، أفّاقون..

الضابط، بصوت قوي: اسكت، لم أطلب منك الكلام..

مجيد: حضرة الضابط.. إن ما يتفوّه به هؤلاء دجل واختلاق، فأنا لم أرهم أو أقف معهم أو أحدثهم، ربما لمحتهم مرة أو أكثر أثناء مروري في الطريق إلى البيت.. غير أني لم أجالسهم أبداً.. فماذا يجمعني بهم؟ ولماذا أستفزّهم أو أسخر منهم؟ أو أتعالى عليهم؟..

الضابط: أخبرني: كيف، ولماذا اعترضوا طريقك واعتدوا عليك؟..

مجيد: عندما كنت راجعاً من المدرسة.. أحسست أنهم يتبعوني، فانتابني الخوف.. وأسرعت خطاي وأنا أتلفّت خلفي.. كان الطريق شبه خال من المارّة.. وعندما اقتربت من بيتنا.. تراكضوا نحوي..

الضابط: جميعهم؟..

مجيد: نعم. كانوا مسرعين فأمسكني صاحب السكين بيدي، وتولى آخر إحكام سيطرته على يدي الأخرى.. بينما وقف ثالثهم قبالتي مطالباً بصوت حاد أن أعطيه ساعتي وقلادتي، وما في جيوبي من دراهم..

الضابط: ماذا فعل الرابع؟ وكيف تصرفت؟

مجيد: الرابع كان متأخراً قليلاً، وعندما لحق بهم أمسكني بشعري وهو يشدّ به إلى الخلف.. وحينها أشهر أحدهم سكينه، بينما راح الثاني يصفعني ويلكمني، وتولى الآخران خلع ساعتي وقلادتي.. وتفتيش جيوبي لأخذ ما بها من مال..

الضابط: ومن أطلق (شفق) من قيده؟..

مجيد: لا أدري حضرة الضابط. فقد جاءني منقذاً، وبرقبته جزء من رباطه، الذي بدا وكأنه هو الذي قطعه.

الضابط: هل يقدر كلب على قطع رباط جلدي متين، يتصل بسلسلة حديدية؟..

أحد الخصوم.. بصوت عال: مثل هذا الوحش قادر على أكثر من ذلك..

الضابط: اسكت أيها الرجل وإلا أخرجتك. إني لا أسألك.. فقل لي يا مجيد كيف حدث ذلك؟..

مجيد: أعتقد أنه ما من أحد يعرف سوى شفق.

الضابط: هل تستهزئ بي؟..

مجيد: معاذ الله.. ولكني لا أعرف فعلاً من أطلق شفق، وأظن أنه قام بذلك وحده، بدليل وجود جزء من الرباط في رقبته، بينما لو أطلقه أحد أفراد العائلة لما احتاج إلى قطع الرباط.

الضابط: بذلك معك حق، والآن وقد دوّنت أقوالكم جميعاً.. فماذا تطالبون؟..

الأغلبية بصوت عال: ماذا تقصد؟..

الضابط: أقصد: هل تنوون الصلح، ولفّ الموضوع.. أم ارفع الضبط إلى المحكمة؟..

محامي الخصوم: كيف نتصالح وهناك عدة جرائم ارتكبت بحق موكليي؟..

إنني مفوّض برفع شكوى إلى المحكمة، والمطالبة بمعاقبة الكلب (إنزال أقصى العقوبات) وبسيده المسؤول عن تصرفاته، إلى جانب التعويضات عن الأضرار الكبيرة التي لحقت بموكليي..

صاحبنا المحامي: شيء عجيب.., غريب.. إنك تقلب الحقائق وتزيّفها.. وكأنك تطبّق المثل الشهير: "ضربني وبكى.. ثم سبقني واشتكى".. إن موكلي، وإزاء هذا الابتزاز الرخيص، يرفض الصلح، وسيرفع دعوى قضائية.. ليس بحثاً عن مال أصاب ولده وكلبه من ضرر، وإنما لمعاقبة، وتربية هؤلاء الشبان الأشرار..

الضابط: إذاً.. إلى المحكمة.. التي ستبلغكم –لاحقاً- تاريخ الجلسة الأولى.

* في المحكمة:

شعرت بقلق، غير مفهوم، ينتابني.. بعد تلك الجلسة العاصفة في مخفر الشرطة، وسماعي تهديدات مباشرة لي، والمطالبة بإعدامي..

لم أكن أعرف عن الإعدام شيئاً سوى أنه موت من نوع خاص، قصْدي، يوقعه البشر ببعضهم.. وما ظننت يوماً أني سأعاقب جرّاء دفاعي ن سيدي.. فواجبي، ودوري، ووجودي أصلاً.. يتحتم عليّ حمايتهم والدفاع عنهم.. وكيف لي أن أتقاعس وأنا أرى مجيداً يتعرّض للضرب ومخاطر الموت قتلاً؟!!.

أقنعت نفسي بما قمت به، فارتاحت.. وهكذا صرت مستعداً لتقبّل أية نتيجة. وانتظرت اليوم الموعود.. أما سادتي، فبدا عليهم نوع من الغضب الممزوج بالقلق. كان يزداد مع اقتراب الموعد الذي أبلغنا به بعد نحو شهر ممن ذهابنا إلى مخفر الشرطة.

وفي اليوم المحدد.. ركبت العائلة جميعها سيارة باتجاه المحكمة.. وكنت، بالطبع معهم.. كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها محكمة: بناء ضخم، عال.. الناس كُثر بين رواح ومجيء، وممرات متشعبة اجتزناها وصولاً إلى قاعة ضخمة، تنتشر فيها أعمدة طويلة، زيّن سقفها برسوم ونقوش وآيات قرآنية.. وفي صدرها طاولة طويلة، خلفها رسم لميزان (إشارة للعدل).

جلس جمع غفير على مقاعد مخصصة، بينما استلمني، عند الباب، شرطي مهيب، تبدو علائم الجهامة واضحة عليه فجرّني من مقودي إلى قفص، يبدو أنه قد أعدّ خصيصاً لي..

وفي طرف مقابل، جلس خصومنا.. عدد كبير يحضر.. فالمحكمة طريفة لوجود كلب (متهم) فيها.. وهي من الحالات النادرة..

بعد صرخة قوية: محكمة.. وقف الحضور احتراماً، فدخل رجل كبير السنّ!، يتّشح إزاراً أسود طويلاً، يختلف عمّا ارتداه المحامون بأبهته، وما يزيّن صدره.. ومعه عدد من المساعدين الذين جلسوا في مقاعدهم..

تلا رجل، يقف في زاوية، حيثيات المعركة، وأطرافها، ونتائجها (عبارة عن ملخص لمحضر الشرطة) ثم نادى أحدهم على سيدي ومجيد، فأجاب المحامي: أني وكيلهم، معرّفاً باسمه، ومظهراً وكالة بذلك. وسأل: وأين الكلب؟.. وعندما رآني.. سكت.

ثم نادى على المتهمين (الحق أن التهم متبادلة) فالشباب الأربعة متهمون من قبلنا بتهم الاعتداء والضرب والسرقة بالقوة التهديدية. ومن طرفنا، كنت المتهم الرئيس، ومن ثَمَّ، سيدي كمسؤول عن تصرفاتي.

تلا كاتب المحكمة التهم الموجهة من كل طرف للآخر.. ثم طلب القاضي من موكلنا عرض دفاعه..

انبرى موكلنا في دفاع هجومي مكثّف، موضحاً طبيعة هؤلاء الشبان الذين يمضون الوقت تسكّعاً في الشوارع، وتحرّشاً بالبشر، واعتداء عليهم، وعلى حرماتهم وممتلكاتهم.

حتى إذا ما جاء الشاب النجيب، المهذب (مجيد) عائداً من مدرسته إلى البيت، هاجمه هؤلاء المجرمون.. لا لسبب, سوى إرواء نزعاتهم العدوانية، واغتصاب ما ليس لهم، والاعتداء على (مجيد) ضرباً وركلاً وصفعات، ثم محاولة قتله (هي جريمة ناقصة.. لأنها شروع بالقتل) بوضع السكين على رقبتنه، وسلبه ساعته وقلادته وأمواله، وإهانته بشتائم وكلمات نابية اعتادوا، وتربّوا عليها..

كان موكلنا يزرع القاعة جيئة وذهاباً، يؤشّر بيديه، يميل برأسه، يحرّك جسده تارة يمنة وأخرى إلى الأمام والوراء.. لم يهدأ، أو يسكت. (لله كم هو فصيح وقدير..).

وصمت لحظة ليصرخ بأعلى صوته: ماذا يفعل كلب مخلص وفيّ وهو يرى صاحبه، وولي نعمته يتعرّض للقتل؟!!! هل يصمت؟ هل يتخاذل؟ هل يركن إلى النباح؟ أم إن واجبه يحتم عليه الدفاع عن سيده!!؟. كلبنا الباسل لم يفعل سوى ذلك.. فما كان جزاؤه؟

لقد جاءته طعنة نجلاء من ذلك المجرم الذي يقف هناك (مشيراً إلى صاحب السكين) ولولا لطف الله، وإنقاذه بسرعة في مستشفى شهير لقضى نحبه.

(سيدي القاضي أرفق في الملف شهادات طبية موثقة عن طول وعمق الجرح، وعن الآثار التي تركها في كلبنا).

وواصل دفاعه: أيد جريمة اقترفها كلبنا؟ وهل يستحق العقاب هذا الكلب الشهم.. أم المكافأة؟.. ومن الذي يستحق العقاب: الجاني أم المجني عليه؟ المعتدي أم المعتدى عليه؟..

لذلك سيدي القاضي أطالب بإنزال أقصى العقوبات بحق هؤلاء الأربعة.. عقوبة تضامن، وفقاً للمادة (124) قانون مدني، كما أطالب بعقوبة خاصة للمجرم حامل السكين.. لأنه أولاً: استخدم سلاحاً ممنوعاً يمكن أن يؤدي إلى القتل (وقد حاول مع كلبنا، الضحية) وثانياً: لأنه طعن كلبنا تلك الطعنة اللئيمة.. وشكراً سيدي القاضي..

تقدّم محامي الخصم: عابساً، مكفهراً، يزعق بصوت حاد يكاد يثقب طبلة الأذن.. كان تركيزه الأكبر عليّ، وعلى سيدي، من خلالي.. ومما قاله:

انظروا أيها السادة إلى ذلك الجالس في القفص، حدّقوا جيداً به، وبفمه.. هل هذا الذي يقف أمامكم كلب مثلما هي الكلاب: لطيفة، محبّة.. أم إنكم أمام وحش مفترس، وحش كاسر أفلت من عقاله فشوّه أحد موكليي، وألحق بآخر أضراراً بليغة.. وأوقع الشبان بحالة رعب رهيبة لم يستفيقوا منها.. وأخشى أن تلاحقهم طوال حياتهم..

هذا الكلب المفترس، ترك دون رباط ليعتدي على المارّة لمجرد المرور على الرصيف المجاور لحديقة أصحابه.. تصوّروا يا سادة أن الطرق والأرصفة، التي هي ملك للدولة، صارت ممنوعة، أو محظورة بسبب مثل هذه الوحوش التي يتباهى البعض باقتنائها، فيفلتونها من عقالها للتحرّش بالناس، والاعتداء عليهم.. وهذا ما حصل لموكليَّ، هؤلاء الشبان الوادعين، الذين كانوا في طريقهم إلى منازلهم حينما هاجمهم كلب مسعور، يجري في الشوارع دون صاحب..

صاحبنا المحامي: (مقاطعاً) هذا كذب وافتراء..

القاضي، مستخدماً مطرقته الخشبية: لا تقاطع المحامي.. دعه يكمل مرافعته..

المحامي الخصم: سيدي القاضي، سادتي الحضور الكرام: لعلكم تستغربون تركيزي على كلب مفترس، ضال.. ولسان حالكم يقول: وما هي مسؤولية حيوان غبي أفلت من رباطه.. فهاجم من جاء في طريقه؟.. نعم تقولون ذلك بالتأكيد.. وأقوله مثلكم: ما هي مسؤولية كلب طليق؟.. وهل نكتفي بإعدامه.. أم أن المسؤولية تقع مباشرة على صاحبه الذي تركه دون رباط.. وهو يعتقد أن وجوده في مسؤولية حكومية تحميه من القضاء وعدالته.. حيث يتساوى الجميع أمام القضاء..

صاحبنا المحامي، مقاطعاً: سيدي القاضي.. لقد تجاوز هذا الزميل الحدود، وبنى مرافعته على باطل..

القاضي، وطرقته تقرع الطاولة بضربات عصبية: لا تقاطع.. دعه يكمل، وسيأتي دورك في الرد..

محامي الخصوم: سيدي القاضي لقد تسبب هذا الوحش الكاسر بإلحاق عاهة مستديمة بموكلي (فهد عزوز) وهو في عمر الزهور.. أصابت يده بتهشيم كبير.. وأصيب موكلي (محمود معمر) بكدمات وجروح متعددة في أنحاء جسده نتيجة تلك العضّات الوحشية، بينما أصيب (إبراهيم، وسليمان) بصدمة خوف مرعبة.. يخشى الطبيب الاختصاصي الذي كشف عليهما أن تترك أثرها المستديم على حياتهما.. وأنت تعرف أنهما لم يصلا العشرين من عمرهما.. وأنه يمكن تهديد الإخصاب عندهما، نتيجة الفزع الحاد.. فيقضي عليهما.. والقضاء على الإنسان ليس شرطاً أن يكون مباشراً.. فهو أنواع.. ونحن أمام حالة منه..

ووفقاً للمواد: 134 – 135 – 138 – 139 من القانون المدني، الخاص بالمسؤولية عن الأعمال الشخصية، والمسؤولية عن عمل الغير، أطلب توقيع الأحكام العقابية التالية:

1 – إنزال عقوبة الإعدام بهذا الكلب المتوحش جزاء جريمته، وحماية المجتمع من شروره، مع ضرورة فحصه من قبل طبيب مختصّ لمعرفة خلوّه من الأمراض المعدية، خاصة مرض الكَلَب (وقانا الله منه).

2 – إنزال العقوبات التي ينصّ عليها القانون بحق صاحب الكلب، باعتباره مسؤولاً عن فعل كلبه، خاصة وأن المسؤولية مضاعفة لأنه تركه طليقاً، وهذا مخالف للقانون.

3 – تقديم التعويضات التي تتناسب وفداحة الأضرار التي لحقت بموكليي الأربعة.. وفقاً لتقدير الخبراء وأهل الاختصاص.

4 – استصدار قرار منكم يمنع أصحاب الكلاب –منعاً باتّاً- من تركها دون قيد، ومعاقبة المخالفين بأشد العقوبات، حماية لأرواح المجتمع، وأمنه.

وشكراً سيدي القاضي..

رفع القاضي الجلسة للاستراحة مدة نصف ساعة.. فهاجت وماجت القاعة بالضجيج والتصريحات، وهجم نحوي عدد كبير من الحضور، لأسباب مختلفة:

بعضهم كان يريد أن يتأكد من أني (وحش مفترس حقاً) وليس كلباً عادياً أشبه تماماً أبناء جنسي، فأخذ عدد منهم يبصق عليّ، محاولاً الوصول إليّ عبير قضبان القفص، واكتفى آخرون بالشتائم والسباب والوعيد.. وبكلمات بذيئة تطالنا، جميعاً، نحن الكلاب، ولا توفر سيدي..

بينما أبدى قسم منهم إعجابهم بي، وبما قمت به، فكالوا لي الثناء والمديح، وشجّعوني على ما قمت به..

والحقّ أنني كنت في عالم آخر.. فالتفكير بما سيحدث لي كان شاغلي، وذلك لم أهتمّ لكلمات الذم أو المديح واعتبرتها حالة عارضة.

لم يتركني الصغار وحيداً، فرفضوا الخروج من القاعة.. إذ آثروا البقاء معي، خاصة وأنه غير مسموح لي مغادرة قفصي.. فأكثروا من إحضار الماء والمأكولات لإرضائي والتخفيف عني.. ولم يكن باستطاعتي تناول شيء منها، فحلقي جاف، وأشعر بألم في معدتي، ونَفَسي ضيّق.. ويبدو أنّ الأولاد أحسّوا بحالتي.. فراحوا يغيرون جوّي بمزيد من مداعباتهم ونكاتهم.. ورجائهم أن أتناول شيئاً مما جاءوا به.. فلم أستطع مخالفتهم، فابتلعت لقيمات، وابتسامة عرفان تغطي وجهي الحزين.. المضطرب..

واستؤنفت الجلسة من جديد..

كان الغضب واضحاً في صاحبنا المحامي، وكأنه يدخل معركة شرسة استعدّ لها جيداً.. وبمنطقية، موثّقة، فندّ كافة ادّعاءات الخصم، ونقل المعركة إلى ساحته، يحاصره في زاوية ضيقة..

- سيّدي القاضي سادتي الحضور..

مهنة المحامي مهنة شريفة، نبيلة.. عمادها القانون، وبيتها العدل بين الناس.. وهي مهنة نموذج للآخرين.. فكيف ستكون حالنا مع زميل (ليس بيني وبينه أي خلاف شخصي) يعتمد في دفاعه على الغشّ والتزوير؟ ماذا ستقولون عنّا وأنتم تستمعون إلى مجموعة من الأكاذيب التي ليس فيها أي سند واقعي؟..

صحيح أن أساس مهنة المحامي الدفاع عن موكله، وتبرئته إن أمكن، أو تخفيف الحكم عنه.. ولكن بأية وسيلة؟.. هل تصبح مهمة التبرئة هدفاً مطلقاً ليس له أي اعتبار خلقي أو قانوني؟ هل يسمح الشرف لنا بالتحايل على القانون والبشر لاختلاق قصص ووقائع مزوّرة؟..

- محامي الخصم، مقاطعاً: سيدي القاضي.. هذا تجريح شخصي لا علاقة له بقضيتنا..

- القاضي، ومطرقته: لا تقاطع المحامي.

- صاحبنا المحامي: سيدي القاضي.. أيها السادة الحضور: قد يبدو حديثي تجريحاً بزميلي، بعيداً عن موضوعنا.. لكن لو أمعنتم النظر لتأكدتم أني في صميم القضية، وأني أعرض عليكم مقدماتها، وصولاً إلى فحواها.. فإذا كانت مقدماتها مبنية على زيف.. فمن أي طبيعة هذه القضية؟..

المحامي الملتزم بالقانون، المتفهّم لروحه القائمة على العدل (كفاية) يرفض ليّ الوقائع، وتشويه الحقيقة.. ولأنه محامي الخصم، ولا أقول (محامي الشيطان) فمن واجبه أن يدافع عنهم.. ولكن بالقانون، ومواده، وليس بتخطيه، أو تهميشه.. وإليكم بعض أسانيد ما أقول:

بربكم، لو نظرتم، بكل حيادية، إلى ذلك الكلب النبيل، الكلب الوفي السجين في قفص.. ماذا ترون فيه؟ هل ترون غير كلب عادي، لطيف، وديع، يتشابه مع أقرانه بكل شيء.. وأسأل ضمائركم: هل هذا المحبوس وحش مفترس؟ هل في منظره ما يدلّ على ذلك؟

ولنترك هذه الملاحظة العابرة، لندخل في الصميم:

زميلي المحامي بنى أساس دفاعه على واقعة مزيفة.. افترض فيها أن (شفق) كلب مسعور، يترك طليقاً.. للاعتداء على المارّة.. الذين صاروا يخشون السير في الطريق، أو الاقتراب من الرصيف المحاذي لحديقتهم!! شيء عجيب.. والله، بل مؤسف أن يقع زميل، مقتدر، بغلطة تأسيسية مفضوحة.

كلبنا (شفق) كما تثبت على ذلك الوثائق، وشهادات جميع الجيران، ومسيرته: كلب أصيل، ابن عائلة كلبية سليلة العراقة، معروف الأب والجد والأم (الوثائق التي تثبت كلامي موجودة في الملف) يعيش مع عائلة محترمة، صاحبها مسؤول هام في الدولة، والكلب خال من أية أمراض (انظروا شهادات فحوصه وتطعيمه الموقعة من الطبيب البيطري المختص) وتلقى دورة تدريبية كاملة، نال فيها أعلى الأوسمة، وشهادات التقدير (صور عنها مرفقة مع الملف)..(شفق) هذا الذي ناله ما ناله من إهانات وشتائم (سامح الله زميلي المحامي الذي لا يستطيع السيطرة على لسانه) لم يكن طليقاً في يوم ما.. إنه مربوط طوال النهار، ولا يُطلق إلا بعد حلول الظلام..

القصة وما فيها: أن كلبنا الوفي شاهد ابن صاحبه في خطر قاتل: أربعة أفّاقين، أشرار يحاصرونه ويوسعونه ضرباً وركلاً.. وسكين أحدهم على رقبته.. فماذا يفعل أي منكم لو رأى ولده، أو صديقه في خطر؟.. أكيد سيفعل مثل (شفق) فهل نعاقب هذا الفدائي البطل أم نكافئه، ونشدّ على يده؟..

محامي الخصم، مقاطعاً: وما هي أدلتك؟..

القاضي، يدقّ بعصبية: لا تقاطع وإلا منعتك من الردّ.

صاحبنا المحامي: زميلي يطلب الدليل.. طيب.. ويمدّ يده إلى حقيبته ممسكاً بالقيد الذي تقطّع.. هاكم الدليل..

ينظر القاضي بدقة إلى الرباط، يتفحصه، ويتوقف عند الجزء المقطوع.. ثم يقول:

- أكمل أيها الأستاذ..

يقفز محامي الخصم نحو الطاولة، يتفحّص الرباط ويصرخ:

- سيدي القاضي، أيها السادة الحضور: شيء عجيب هذا الدليل (المفحم).. من يدرينا أنه رباط كلب أصلاً؟. وإذا كان كذلك فمن قطعه؟..

القاضي: أقبل مقاطعتك، أيها الأستاذ: أوضح لموكل الخصم دليلك.

صاحبنا المحامي: توضيحي بسيط.. هذا الرباط الذي تشاهدون (وقد وضعه بين يديه ليعرضه على القاضي وهيئة المحكمة، والحضور) هو رباط كلب ولا شكّ.. أي أنه ليس مجرد حبل..

هذا الرباط كان قيد (شفق) منذ أشهر.. دليلي على ذلك مجموعة الشهود المقيمين في البيت، والجيران، وكل من رآه.. (هناك شهود كُثر يقرّون بصحة ما أقول ممن رأى (شفق) أو احتكّ به. وأثناء مشواره اليومي، وفي عدد من المناسبات) وأكثر من ذلك، فآثاره عليه، ويمكن لخبراء الأثر اكتشاف ذلك ببساطة.

محامي الخصم: على فرض ما تقوله مقبولاً.. فمن قطع الرباط؟..

القاضي: استفسارك مقبول.. أجب أيها الأستاذ..

صاحبنا المحامي: من قطع الرباط؟ هذا بيت قصيدنا أيها السادة.. ببساطة أعلمكم أن من قطعه (شفق) بذاته.. أما لماذا وكيف؟.. فهذا ما أوضحه..

(شفق) رأى ابن صاحبه في خطر شديد.. لقد اعتدى عليه، دون سبب أو مبرر، أربعة مشردين، يريدون سرقته، وإيقاع الأذى به.. فماذا يفعل إلا أن يقطع رباطه لإنقاذ حبيبه وابن صاحبه؟ حاول وحاول.. حتى تمكّن بصورة عجيبة.. وانطلق لا يلوي على شيء سوى تخليص (مجيد) من بين أيدي أولئك المجرمين..

محامي الخصم، مقاطعاً: وما أدراك أنه فعل ذلك؟..

القاضي: استفسارك مقبول.. جاوبه يا أستاذ..

صاحبنا المحامي: ليس هناك احتمال آخر، فلو أن أحداً ما، من أهل البيت، أو غيرهم أراد إطلاق (شفق) لما اضطرّ إلى قطع الرباط.. ذلك أن تخليصه منه سهل جداً..

محامي الخصم: إذا كان الأمر كذلك، فكل ما ذكرته عن هذا الكلب صحيح.. تصوروا أية قدرة استطاعت أن تقطع رباطاً جلدياً قوياً.. يستحيل على كلب عادي أن يقطعها.. فإما أن دليلك خاطئ، وإما أننا أمام وحش حقيقي وليس كلباً طبيعياً.. (يمسك بالرباط ويعرضه على الحضور.. متسائلاً: هل هذا معقول؟؟..).

صاحبنا المحامي: يبدو أن زميلي يتجاهل حقائق ثابتة.. في أن البشر (ونحن نعرف ذلك جيداً)، يمتلكون، في لحظات ما، قدرات خارقة لا تكون موجودة في الحالات العادية. فعندما يداهمهم خطر محدق، وعندما يستفزّون كلّية، أو يصبح الموت على مسافة قريبة منهم.. يفعلون ما يشبه المعجزات.. فهل تريدون عرض أمثلة عديدة عن حالات بشرية أظهرت قدرات استثنائية في امتحانات عصبية؟..

إذا كان البشر يملكون هذه الاستثناءات.. فلمَ لا تكون عند الحيوانات.. والكلاب شهيرة بحّب أصحابها والوفاء لها، واستعدادها للتضحية في سبيلها؟..

القصة ببساطة: أن /شفق/ الوفي قطع قيده في سبيل إنقاذ ابن صاحبه (تصفيق حارّ في القاعة وهتافات إشادة بي، وبشجاعتي)..

- القاضي: أكمل ردودك يا أستاذ..

- صاحبنا المحامي: هؤلاء الشبان الذين وصفهم زميلي بالوادعين.. ليسوا كذلك، ولم يكونوا - كما ادّعى- مسالمين، وفي طريقهم إلى بيوتهم.. كلا سيدي القاضي. لقد ترصدوا ابن موكلي (مجيداً) وهاجموه عن سابق إصرار وتصميم، واعتدوا عليه وهم في وعيهم الكامل.. وهدفهم واضح، وقد فعلوه: سرقة ما يملك.. بل إن طبيعتهم العدوانية لم تقف عند هذا الحد، فأشهر أحدهم سكينه يريد طعن ابن موكلي إن لم يسلمهم ما يريدون. وعندما تقدّم (شفق) لإنقاذه من براثنهم.. طعنه طعنة لئيمة كادت تودي بحياته..

سيدي القاضي.. السادة الحضور:

زجّ زميلي المحامي، دون وجه حقّ، أو دليل، باسم موكلي في قضية ليست له فيها أية مسؤولية. على العكس، فموكلي هو المتضرر.. وهذه محاولة مقصودة لتشويهه، وإثارة العدالة والرأي العام.

صحيح أنّ موكلي مسؤول مهمّ في الدولة.. (وهذا ليس ذنباً) لكنه لم يستخدم هذه المسؤولية في أي أمر يخالف القانون.. على العكس.. فإن موقع موكلي الحسّاس فرض عليه واجبات وسلوكيات محددة، يشهد الجميع أنه ملتزم بها..

ولذلك أدعو إلى شطب تلك العبارات المسيئة لموكلي، وأطالب زميلي بسحبها.. وإلا اعتبرتها قدحاً وتشهيراً يحمّلانه مسؤولية قانونية.

إن زميلي يطالب، محكمتكم الموقّرة، بإعدام (شفق) هل هذا طلب معقول؟.. هل جزاء الإحسان والقيام بالواجب: العقاب بدل المكافأة؟.. لذلك أطلب من هيئتكم المحترمة تقديم الشكر لما قام به (شفق) من فعل نبيل.

          

امتدّت الجلسة طويلاً بين ردّ.. وردّ مقابل.. دون الإتيان بجديد.. إلى أن قرر القاضي رفعها للمداولة.

انتظرنا بعض الوقت، لكن هذه المرة لم أكن بتلك الحالة من الخوف والقلق، ذلك أن مداخلة المحامي القوية أراحتني، وأكدت لي أن الأمور تسير لصالحنا، وكانت ملامح هذه الحالة مرتسمة على وجوه سادتي.. الذين ظهروا مبتهجين، متأكدين بأن العدل سيأخذ مجراه..

ومن جديد التأمت الجلسة.. ودخل القاضي بمهابة، وخلفه هيئة المحكمة..

تلا كاتب المحكمة مجموعة قوانين استند إليها.. ثم نطق الحكم:

- ستة أشهر سجن نافذة بحق صاحب السكين، المدعو: فهد عزوز.

- ثلاثة أشهر سجن نافذة بحق: محمود معمر.

- ثلاثة أشهر سجن، غير نافذة، بحق الشابين: إبراهيم وسليمان..

- تكبيد الخصم مصاريف الدعوى.

وبالنسبة لنا: نصّ الحكم على أنني قمت بواجب اعتادت الكلاب القيام به في مثل هذه الحالات، ولذلك لا أعتبر مسؤولاً، وكذلك سيدي.. مع أمل القاضي بالتحرز عليّ في النهار، وتفضيل وضع كمّامة على فمي، احتياطياً.

تعالت الهتافات في القاعة.. مشيدة بعدالة المحكمة.. وهجمت عائلة سيدي نحوي، ومعها جمع غفير من الحضور.. فأخلي سبيلي فوراً، وحملت على الأعناق كبطل أسطوري منتصر من الأزمنة الغابرة..

          

يتبع