إيران وأحقادها وأطماعها

يحار الإنسان عندما يريد أن يكتب عما تريده إيران وما تعمل عليه من أين يبدأ، فتاريخ هذه الدولة وأفانين مكرها وحقدها وغدرها يضرب جذوره في عمق التاريخ، ولا نغالي إذا قلنا إنه يعود إلى ما قبل الإسلام؛ عندما أرادوا إذلال العرب في قتلهم لأحد ملوكهم النعمان بن المنذر لرفضه تزويج ابنته من ملكهم كسرى، وحتى بعد الإسلام ظننا أن إقبال الفرس على الإسلام ودخولهم في هذا الدين السمح العظيم قد جلا عن قلوبهم كل ما فيه من أدران وأمراض، ولكن الأيام أثبتت أن هؤلاء – إلا ما رحم ربي – دخلوا الإسلام خدعة وتقية بعد أن تيقنوا أن مقاومة أصحابه ضرب من الخيال؛ وأن عليهم إذا أرادوا وقفه أو حرفه عليهم بالحيلة والخديعة والغدر، فسلكوا هذا الطريق الأسلم والأقل خطورة عليهم، ولما كان الإسلام يَجُبُ ما قبله تعامل معهم المسلمون العرب بكل شفافية وود وحب واحترام، ولم يتوقف الفرس عن التغول في حبك الفتن والغدر، فقد بيتوا لقتل الخليفة الفاروق عمر رضي الله عنه وقتلوه، ثم شحنوا الناس على عثمان بن عفان رضي الله عنه وقتلوه، وأوقدوا الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ثم غدروا بعلي فقتلوه، وما لبثوا أن قتلوا الحسين رضي الله عنه حتى لا يستتب الأمن والسلام في ربوع الخلافة الإسلامية، وكانوا على مر تاريخهم معاول يريدون نقض غزلها؛ إلى أن توجوا مكرهم على يد ابن العلقمي الذي سلم بغداد لهولاكو عام 656ه وفعل فيها الأفاعيل، حتى ليقال أنه قتل فيها ما يزيد على مليون مسلم من بينهم الآلاف من العلماء والفقهاء، وأن دجلة ظل ماؤها أسوداً لستة أيام نتيجة ما ألقى فيها من كتب عمرت بها مكاتب ودور علم في بغداد عاصمة الحضارة والنور والعلم والإبداع، ومن ثم تناوب الفرس على حكم بغداد لقرون على يد البويهيين الفرس الذين عُرفوا بالظلم والقسوة والاستبداد، وغيبوا بغداد عن محيطها العربي والإسلامي، فكانت مصر وبلاد الشام تتعرض للحملات الصليبية والتترية، والأندلس إلى الهجمة الفرنجية دون أن تحرك ساكناً وكأن الأمر لا يعنيها.

وحتى بعد ظهور الدولة العثمانية التي تبنت الخلافة الإسلامية واحتضنتها ونافحت عنها وعملت على نشر الإسلام في ربوع أوروبا؛ كان الإيرانيون الصفويون يعملون على الغدر بها والعدوان عليها كلما تقدمت نحو الغرب لوقف تقدمها وفرض معارك جانبية عليها لتنكفئ لحماية ممالكها المهددة من الصفويين.

وكان هذا ديدبان الفرس الصفويين على امتداد تاريخهم مع العرب، يتربصون بنا تربص الذئب ويمكرون بنا مكر الثعلب؛ وعندما تحين الفرصة ينهشون أجسامنا كما ينهش الضبع فريسته، فقد استولوا على أمارة المحمرة (الأهواز) في مطلع القرن الماضي بعد أن دبروا مكيدة لأميرها الشيخ خزعل وخدعوه بعد أن عجزوا عن هزيمته عسكرياً فألقوا القبض عليه وهو ضيف عندهم بدعوة لعقد اتفاقية سلام معهم. واستولوا على الجزر العربية الثلاث في الخليج العربي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى دون وجه حق، وحتى إذا ما جاء الشاه رضا بهلوي لحكم طهران كان الظهير والداعم للصهاينة ضد العرب والمسلمين.

وأطل علينا عام 1979 وقد جاء الخميني بعد أن تمكن من قلب نظام الشاه وظن بعض العرب – واهمين - أن قدوم الخميني سيغير موازين القوى لصالح المسلمين والعرب، وأن عودة الفلسطينيين إلى بلادهم وطرد اليهود الصهاينة منها هي مسألة وقت، إلى أن تكشفت الأمور وتأكدت للجميع أن قدوم الخميني هو قدوم بلاء على العرب والمسلمين، فقد بدأ منذ الأيام الأولى لثورته المزعومة يبشر العرب والمسلمين بنقل هذه الثورة إلى بلدانهم، وبالفعل بدأ بالعراق تفجيراً حيث قواعده التي رباها على عينه عندما قبلته العراق عن طيبة قلب لاجئاً لنحو خمسة عشر عاماً، ثم كان ما كان من حرب ضروس بين البلدين دامت لنحو ثماني سنوات، وأوقف الحرب عندما تبين له أنها تجري في غير صالحه، ولكنه كان في نفس الوقت يعد العدة لحرب خفية وقودها العرب ومفتعلوها العرب، فقد أسس في لبنان حزب الله وحركة أمل وألبسهما ثوب المقاومة، ثم أسس في العراق فيلق بدر وحزب الدعوة وعصائب الحق وجيش المهدي، ومن ثم أكسب النظام السوري شرعية لم يكن يحلم بها عندما اعترف بالنصيرية على أنها فرقة من الشيعة الاثني عشرية، بعد أن كان يكفرها ويكفر أبناءها، وراح يجند المرتزقة الشيعة من كل حدب وصوب لذبحنا لنحو خمس سنوات ولا يزال، وبعد ذلك عمل على خلط الأوراق في اليمن فأنشأ ما يعرف بالحوثيين وأمدهم بالسلاح والمال حتى إذا ما طالت مخالبهم أشار إليهم بالتوجه إلى صنعاء وكل اليمن لبسط نفوذ الصفويين عليها، وبذلك يتحقق للإيرانيين ما عملوا عليه لسنين طويلة فهذا أحد قادتهم العسكريين يتبجح بكل صلافة أن العراق عاصمتهم والشام المحافظة الخامسة والثلاثين وأن سفنهم تمخر عباب المتوسط وتطرق أبواب باب المندب.

تحدثت عن إيران وما فعلته وتفعله بنا، ولن أتحدث عن العرب لاعتقادي أن الجميع يعرفون ما تدبر إيران وما تحيكه لنا، وأنتظر كما ينتظر الآخرون أن يكون للعرب ردة فعل تتساوى مع حجم ما تفعله إيران بنا وتدبره لنا.

وسوم: العدد 811