ذاكرة تجربة (7) فساد وعشوائيات ثم تهجير واغتصاب للملكيات (الجزء الثاني)

وبعد أن عشنا إرهاصات نشوء العشوائيات، وقلنا إننا سنرى نتائجها الكارثية، ها نحن نعيش اليوم أفظع جريمة عقارية تغتصب ملكيات الناس في تاريخ سورية، فقد تحول القانون رقم 15 لعام 2008 إلى كابوس يفزع منه كل من هُجِّر من مناطق السكن العشوائي بغير حق ولا ذنب، هذا القانون الذي يفترض أن يكون حلاً لهؤلاء الناس عندما كانوا يقطنون بيوتهم أصبح أكبر مشكلة تسلبهم هذه الملكيات.

في هذه الحلقة سنكون مهنيين بعض الشيء ونتحمل سويةً لغة فنيةً وحقوقيةً وسياسيةً.

تعريف السكن العشوائي:

الإيحاء الأول لكلمة سكن عشوائي أو مخالف هي أنها غير قانونية، و(غير قانونية) تعني بشكل خاص:

– ملكية الأرض متنازع عليها أو غير مسجلة قانونيًا.

– تخالف المنطقة تشريعات مخطط تنظيم استخدامات الأراضي والمخطط التنظيمي.

– عدم الالتزام بالأسس التخطيطية.

– تخالف معايير نظام ضابطة البناء.

بعد التعريف لا بد من التنويه:

– إن تعبير (منطقة مخالفة) يميل أحيانًا إلى نقل وصمات اجتماعية مثل: (إجرامية، وبنية اجتماعية متدنية وغير صحية تملؤها الأمراض، وأُمِّية، وقليلة الوعي الاجتماعي).

–  هذا الكلام ليس دقيقًا ولا ينطبق على كامل مجتمعات السكن العشوائي، بل العكس تمامًا، فهناك أدلة كافية تشير إلى وجود مجتمعات ملتزمة بالقانون وصاعدة ومتماسكة اجتماعيًا في الكثير من مناطق المخالفات هذه، وأدلة عن أحياء منظمة بشكل جيد ومبنية بأمان، وهناك بالطبع أحياء أخرى ليست كذلك (الفرق بين تل الزرازير والحيدرية والأشرفية).

– يُعدُّ النسيج المجتمعي في مناطق السكن العشوائي نسيجًا متناغمًا ومنسجمًا، حيث إن الهجرات من الريف للمدينة والاستيطان في مناطق عشوائية ينتقل بالعدوى العائلية أو العشائرية أو الإثنية، فترى العائلة الفلانية (إخوة، أبناء، أولاد عم، أخوال، أعمام…) تقطن في تجمع واحد، وترى أن التركمان موجودين في تجمع مجاور، وأن العشيرة الفلانية موجودة في تجمع محدد، والأكراد مجتمعون في تجمع آخر، ولهذا معانٍ كثيرة تاريخية ومستقبلية، فتاريخيًا كان هذا ضمن دائرة تأثير ومناقشة السلطة الحاكمة في نظرتها لإعادة تأهيل المنطقة أو إزالتها من خلال التخطيط العمراني، ساعيةً مرة للحفاظ على تجميع من ترغب، حيث تعدُّهم موالين دائمًا (العشائر والعائلات مثالاً) وعلى تشتيت من ترى أن تجمعهم خطرًا عليها مثل (الأكراد أو التركمان).

كيف تطورت مناطق المخالفات:

– الاستيلاء والاستيطان على الأراضي غير الخاضعة للتنظيم بعد.

– شراء أراضٍ زراعية محيطة بالمدينة والقيام بتقسيمها.

– الاستيلاء على أراضٍ خاصة وعامة (أملاك دولة وبلدية) بشكل مخالف، وإقامة منشآت سكنية أو صناعية عليها.

– يقوم بهذه العملية عادة سماسرة المناطق المخالفة، وينشئون محاضر صغيرة ويبيعونها إلى أصحاب المنازل (تجار المخالفات).

أسباب نشوء السكن العشوائي

مقدمة:

المخططات التفصيلية في المدن الكبرى اتجهت حسب رغبة الطبقة الفاسدة في البلد إلى مناطق مميزة في الاتجاه والموقع؛ لتكون عقاراتها الأغلى ثمنًا (غربي حلب مثالاً) فلم يتبقَ لفئات الدخل المحدود والأدنى من ذلك إلا اللجوء للجمعيات السكنية التي تعمل تحت مظلة الاتحاد التعاوني السكني، ومؤسسات الإسكان العسكري، والإنشاءات العسكرية، والمؤسسة العامة للإسكان، هذه الجهات التي تستفيد من أراضٍ تستملك خصيصًا من أجل إقامة مشاريع إسكان ذوي الدخل المحدود عليها، لكن ما الذي يحصل حقيقة؟!

– سلب ملايين الأمتار المربعة من أصحابها بذريعة المصلحة العامة، وإسكان ذوي الدخل المحدود ومن هم أدنى من ذلك.

– تحولت مساكن الجمعيات السكنية بفساد القرارات وداعمي هذه القرارات من أجهزة حزب البعث والقرارات، إلى منازل فخمة جدًا حيث تتراوح أسعار المنازل عام 2010 في الكثير من هذه الجمعيات بين 100,000 دولار و 1,000,000 دولار (نعم مليون ولا تستغربوا) وهي مساكن أراضيها مستملكة بفتات الليرات السورية للمتر المربع، لهذا ترى ظاهرة وجود بيوت فارغة من السكان لسنوات في بعض الجمعيات السكنية، في الوقت الذي لا يجد تُجَّار البناء متوسطو المستوى بقعة أرض قابلة للبناء بسبب التقصير في إنجاز المخططات التفصيلية وأنظمة ضابطة البناء الخاصة بها.

– طغى الفساد بالتوزيع على المساكن التي تنجزها مؤسسات الإسكان العسكري والإنشاءات العسكرية، والمؤسسة العامة للإسكان، بتسلط الأجهزة الحزبية والأمنية على توزيعها.

ما سبق من توصيف لحقيقة الواقع السكاني يدلنا على سبب لجوء ذوي الدخل المحدود والدخل الأدنى إلى شراء مساكن في مناطق السكن العشوائي، التي (مرة أخرى) نشأت بأيادي ما يسمى تُجَّار المخالفات وبحماية أجهزة حزب البعث والأجهزة الأمنية المتنفذة في البلديات وباقي مؤسسات الدولة. على سبيل المثال يعيش ما يقارب نصف سكان مدينتي دمشق وحلب في مناطق ومساكن عشوائية.

بعد هذه المقدمة ستكون حلقتنا القادمة هي الجزء الثالث من العشوائيات، نخوض فيها بالأسباب والتشريعات المُدمِّرة.

حياكم الله