حيرة وقلق الناشئة المتعلمة حين يكلفها المدرسون بالبحث بين مصادر ومراجع ورقية عزيز المنال

حيرة وقلق الناشئة المتعلمة حين يكلفها المدرسون بالبحث بين مصادر ومراجع ورقية عزيز المنال وبين هواتف محمولة  تجمع بين غث المعلومات وسمينها

من المعلوم أن الثورة الرقمية  في زماننا هذا  قد نكبت الكتب والمؤلفات الورقية  نكبة غير مسبوقة ، وابتلعت منها ما ابتلعت مما صار يطلب رقميا ويزهد فيه ورقيا ، مع أنها  لم تبتلع لحد الآن الكثرة الكاثرة منها  . ولقد أعرض السواد الأعظم من الناس في هذا الزمان  عن تصفح ومطالعة الكتب والمؤلفات ، وعن الرغبة في اقتنائها ، وتزيين خزاناتهم بها ، وانصرفوا كليا إلى هواتفهم المحمولة تستهويهم ما تنقله إليه من أمور تافهة تشغلهم عن الأهم من العلم والمعرفة ، وتستثنى من ذلك قلة منهم ممن يجيدون استغلال  تلك الهواتف ، ويتنكبون ما لا طائل فيه مما تنقله وهو الأكثر والأغلب مع الأسف الشديد .

وإذا ما أجمع الناس على منافع ومحاسن الهواتف المحمولة ، فإنهم يجمعون أيضا على مساوئها ومضارها بالنسبة للناشئة المتعلمة على وجه الخصوص ، ولا يجادل في هذا إلا جاحد أو مكابر .

ولقد صارت الناشئة المتعلمة في بلادنا تعيش حيرة وقلقا حين يكلفها المدرسون بالبحث عن معلومات متعلقة بالبرامج والمقررات الدراسية ، وهي لا تجد كتبا ولا مؤلفات سواء في بيوتها أو في الخزانات المدرسية الفقيرة فقرا مدقعا نظرا لغياب الاهتمام بها ، وغياب الانفاق المستمر عليها ، ونظرا لقلة كفاءة من يشرفون عليها أو لانعدام تكوينهم لأنه يجب أن تتوفر فيهم خاصية سعة الآفاق المعرفية ، والخبرة القرائية ، وكذا الخبرة بتقديم العون للناشئة المتعلمة  وتوجيهها حين تكلف بالبحث عن المعلومات من طرف مدرسيها . وفي الغالب تتحول الخزانات المدرسية إلى مستودعات تتراكم فيها الكتب المدرسية المنتهية الاستعمال ، والتي يصيب أغلبها التلف . وأمام تعذر احتكاك الناشئة المتعلمة المباشر بالمصادر والمراجع الورقية ، فإنه لا مندوحة لها عن البحث عما  يسعفها في البحث حين يطلب منها مدرسوها معلومات سوى النقر على بلورات هواتفها المحمولة ، وقد تلجأ  في ذلك إلى طلب المساعدة من أولياء أمورها ، فتنقل نقلا حرفيا أول ما يطالعها  من معلومات دون تأكد من صحتها ومصداقيتها مع غياب من يرشدها إلى  ذلك  . ولقد أصبحت " ويكيبيديا"  هي أشهر منهل تنهل منه الناشئة المتعلمة ، فتأتي أجوبتها عما يطلب منها واحدة متكررة  داخل الفصول الدراسية  الواحدة  ، ولا أثر  فيها لجهد أو حتى إعادة صياغة بأساليبها . وقد يتلقف معظم المتعلمين أول ما يطلع على شاشات المحمولات حين يلتمسون فيها معلومات تعوزهم  ، ويتعاملون مع كل ما يلتقطونه على أنه الصواب الذي لا يأتيه خطأ من بين يديه ولا من خلفه ، بينما يكون في حقيقته أمره غير ذلك .

ولقد اطلعت مرارا على بعض الأجوبة عن أسئلة  تتعلق بتمارين الإعراب في مكون اللغة العربية  ، فوجدتها لا تحكمها قواعد وضوابط الإعراب ، وفيها خلط بين الظواهر اللغوية  المتشابهة إعرابيا ، ولا يحيل أصحابها على مصادر ومراجع موثوقة  .

ولقد عطل الاعتماد الكلي الناشئة المتعلمة إلى الهواتف المحمولة اكتساب  مهارة البحث  عندا  ، وقضى على علاقتهم بالكتب والمؤلفات وتصفحها، علما بأن المقررات الدراسية في كل المراحل الدراسية لا وجود فيها لدروس توجه المتعلمين إلى كيفية قراءة ومطالعة الكتب والمؤلفات مصارد ومراجع  ، أوكيفية البحث فيها عن المعلومات  فيها ، أوكيفية استخراجها ، أوكيفية توظيفها ، والتعليق عليها ، وذلك بالنسبة لكل المواد الدراسية ، ولمَ لا يوجد مدرسون مختصون يتكلفون بتدريس المادة المكتبية ، كما تدرس المادة الرقمية أو المعلوماتية .

ومما يزيد من حيرة وقلق الناشئة المتعلمة حين يكلفها مدرسوها بالبحوث المتصلة بالبرامج والمقررات الدراسية أنهم لا يوجهونها إلى مصادر ومراجع معينة ، لهذا نجدها تخبط خبط عشواء ، وتتيه فيما تعرضه عليها هواتفها الخلوية . ومما يجب على الوزارة الوصية على الشأن التربوية أن تستحدثه  مواقع معرفية في جميع المواد الدراسية، تكون المعلومات فيها ذات مصداقية علمية إلى جانب مراجعة وضعية الخزانات المدرسية ، وتحديثها ، وتزويدها بالضروري من المصادر والمراجع الورقية والرقمية على حد سواء ، مع توفير الأطر المختصة في مجال البحث عن المعلومات ، وفي كيفية التعامل معها، والاستفادة منها و يلقن ذلك للناشئة المتعلمة.

ولا بد من وجود خبراء تعتمد عليهم الوزارة في فحص المعلومات التي تقدم رقميا، والتحقق من صحتها ومصداقيتها ، وذلك لحماية الناشئة المتعلمة من الانحراف عن التعلم الموثوق بصحته ومصداقيته .فهل سيجد هذا النداء أذنا صاغية عند صناع القرار التربوي ؟

وفي الأخير لا بد من دعوة أولياء أمور الناشئة المتعلمة خصوصا الفئات المتعلمة  من مصاحبة  فلذات أكبادهم في التماسهم  ما يكلفون بالبحث عنه من  طرف مدرسيهم  في الهواتف الخلوية ، وهي مصاحبة ضرورية ومؤكدة ، من شأنها أن تعوض فراغ  توجيههم المغيب في المؤسسات التربوية ، علما بأننا لا  نبخس جهود بعض المدرسين  في توجيه المتعلمين إلى طرق البحث عن المعلومات عبر هواتفهم المحمولة، وحتى عبر كتب ومؤلفات تكون إما ورقية أو رقمية . 

وسوم: العدد 1069