المسلمون المصريون هم الهنود الحمر!

المسلمون المصريون هم الهنود الحمر!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

تحدث البابا الجديد عن الدستور فمنحنا - نحن  الأغلبية الساحقة - شرف الموافقة على المادة الثانية كما هي وكما كانت بدستور 71 ، وعدها مجاملة من السادات للمسلمين في حينه ، واعترض بغضب على المادة المفسرة لهذه المادة بالدستور المقترح وتحمل رقم  220، ورأي فيها أنها مادة كارثية ، لأنها تحول مصر من دولة مدنية إلى معنى مختلف تمامًا لذلك (؟) . وتنص المادة 220 من مسودة الدستور المنشورة على الموقع الرسمي للجنة التأسيسية لصياغة الدستور المصري على "ﻤﺒـــﺎدئ الشريعة اﻹﺴـــﻼﻤﻴﺔﺘﺸـــﻤل أدلتها الكلية وﻗواﻋـــدﻫﺎ الأصولية والفقهية وﻤﺼـــﺎدرﻫﺎ المعتبر ة في ﻤذاﻫب أﻫل السنة والجماعة"! ، وأشار في لمحة خاطفة إلى أن الوطن تعرض للاحتلال أحيانا ، أما الكنيسة فلم تحتل أبدا ، وظلت مستقلة منذ إنشائها ! ولم يذكر أن الإسلام حرر الكنيسة المصرية بعد أن حرر الوطن من الرومان .

قلت في مقال سبق يجب أن يبتعد البابا عن مجال السياسة ، فقد احترف البابا السابق العمل السياسي مستغلا ضعف الدولة واستبداد النظام الفاشي الذي سقط رأسه ، فأساء إلى الكنيسة ، وإلى الطائفة ، وكانت مكاسبه الابتزازية لعنة على التمرد الطائفي وأذرعه في الداخل والخارج !

ويبدو أن البابا الجديد مصر على مواصلة النهج السياسي لسلفه الراحل ، وهو ما ينبئ بخطر عظيم على هذا الوطن الذي احتفل مسلموه وغيرهم بتنصيبه وتجلسيه ليكون رقم 118 بين البطارقة الذي جلسوا على عرش الكنيسة الأرثوذكسية ، ويبدو أن أصداء هذا الاحتفال لم تصل إليه ، فلم ير ما قامت به القنوات الفضائية ولم يسمع ما قدمته الإذاعات المصرية ، ولم يقرأ ما كتبته الصحف القومية والحزبية والخاصة ، وهو ما لم يحدث مع الرئيس المسلم المنتخب في هذه الوسائط التي يقوم عليها ويعمل بها مسلمون في الأغلب الأعم .

لقد اختار البابا الجديد أن يصم أذنيه عن النداءات النصرانية والإسلامية التي طلبت منه أن يتفرغ للنشاط الروحي ويبتعد عن السياسة ، وجرح شعور الأغلبية الإسلامية بحديثه الغريب وغير المفهوم عن المادة 220 المفسرة للمادة الثانية ، إنه يرفض إسلامية الدولة التي استقرت أربعة عشر قرنا ، ويقول إن الدستور الجديد لو تضمن تلميحات دينية (؟) ستكون غير مقبولة ، وإن تطبيق الشريعة الإسلامية يعني إقصاء الأقباط . إنه يريد أن ينزع عن مصر هويتها وطابعها الإسلامي متصورا أنه سيعيد ابتزاز سلفه المتمرد ، والملفت في الأمر أنه يتحدث في التلفزيون المصري الحكومي عن مقولات تجرح شعور النصارى ، ولا يفكر لحظة أن كلامه عن الدستور وهوية الدولة جارح وصادم ومؤلم ، ويتناسى أن أذرع التمرد الطائفي في الداخل والخارج ؛ المدعومة كنسيا منذ أربعين عاما لا تكف عن إهانة الإسلام والمسلمين بالتصريحات الكهنوتية والأحاديث التلفزيونية والإذاعية والكتابات الصحفية والإلكترونية ..

إن البابا الجديد لم يجد غضاضة في ترديد مزاعم التمرد الطائفي عما يسمى بتهجير النصارى ، وتحدث بطريقة غريبة ليزعم أن ما أسماه أزمة تهجير الأقباط "تسيء لصورة مصر أمام العالم"، مطالبًا بتفعيل النص الدستوري الذي يؤكد على "حماية رعايا مصر داخلياً وخارجياً"، وكنت أتمنى أن يذكر حالة واحدة تثبت أن هناك تهجيرا يطال طائفته ويسيء إلى مصر .. وأعتقد أن خروج أسرة قاتل مسلم أو مسيحي من بيته إلى مكان آخر ، أمر معروف اجتماعيا لحماية المتهمين حتى يتم الصلح وتهدأ النفوس . هذا ليس تهجيرا ، ولكنه عُرْف يطبق على المسلمين قبل  غيرهم .

من الملاحظات التي لاحظها بعضهم في حفل تنصيب البابا الحديد هو إضافة " سيف " إلى ردائه الكهنوتي ، وتقول السيدة ماري زكي مديرة مشغل مار جرجس بمطرانية شبر الخيمة : إن الأنبا باخوميوس فاجأهم بطلب جديد وهو أن يحتوي زى البابا الجديد على رمز للسيف يتصل بـ "الحياصة" وهي حزام في منتصف الجسم يشد به أزره ، وأن الأنبا قرأ لهم نصا من الكتاب المقدس يقول : " تقلد سيفك على فخذك أيها القوي بجلالك وجمالك ، استله ، واملك واحكم" . والسؤال هو : ماذا يعني ذلك ؟ وما دلالته ؟ وهل يتفق مع الرغبة في العمل الروحي والبعد عن العمل السياسي ؟

يحدث ذلك في الوقت الذي يكرم فيه معهد دراسات الشرق الأوسط  الأميركي رجل الأعمال نجيب ساويرس فى حفل أقيم بالعاصمة الأمريكية واشنطن يحضره وفد رفيع من الدبلوماسيين والسياسيين والباحثين على رأسهم الدكتور عمرو حمزاوى والسفيرة الأمريكية السابقة فى مصر مارجريت أسكوبى ونائب السفير المصري ياسر النجار والقنصل العام هاني ناجى. وهناك يقول ساويرس : إن الأقباط المصريين يعانون من التمييز فى مصر واصفا إياهم ب "الهنود الحمر" فى أمريكا لما يعانونه من اضطهاد وتمييز كما يزعم ، ونسي أنه لو كان هنديا أحمر كما يزعم لما استطاع أن يكون من المليارديرات العشرة على مستوى العالم بأموال من يصفهم باضطهاد طائفته وجعلهم هنودا حمرا . أليس المسلمون هم الهنود الحمر في حقيقة الأمر ، لأنهم لا يصلون إلى المستوى المادي للنصارى ، وأن الأقلية تمنعهم من إسلامهم وتحرم عليهم شريعتهم ؟

إن السيد ساويرس يشير إلى أن الحكومة الجديدة لم تختر سوى وزيرة واحدة مسيحية من ضمن 48 وزيرا كلهم مسلمون ، وهو يعلم أن عدد الوزراء أقل من ذلك بكثير ، وأن الكنيسة أمرت وزيرين نصرانيين بعدم قبول الوزارة ،وأن الوزيرة الموجودة في الوزارة تحدت قرار الكنيسة ، وذهبت لأداء اليمين متحملة ما قد تتعرض له من حرمان كنسي .

ويدعي الملياردير أنه حينما تم اختيار محافظ مسيحي لمحافظة قنا قام السلفيون بقطع الطريق وأسفرت هذه الاضطرابات إلى تغيير المحافظ بنظير له مسلم ، ويعلم أن ادعاءه غير صحيح ، فقد كان محافظا فاشلا لم يحل مشكلات ، وطالب أهل قنا على اختلاف انتماءاتهم بمحافظ سابق على دراية بمشكلاتهم وأحوالهم ويحسن التفاهم معه ، وليس الأمر متعلقا بسلفيين أو إسلاميين .

صدق الملياردير في شيء واحد فقط هو أن البطريرك الجديد البابا تواضروس  الثاني  سيسير على خطى البابا شنودة نفسها ، بدليل استيلاء الكنيسة على تسعمائة فدان في الصحراء الغربية ، وتحرك ناشطون من أجل البيئة تضمهم جنسيات مختلفة لرفض هذا السلوك المشين ، الذي يبدو أنه يرتبط بالتقسيمات الإدارية الجديدة لمصر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .