النظام السوري يترنح
كلمة "العرب"
قليلة هي الفرص التي يمنحها الشعب لحكومته عندما تصادر كرامته وحريته، وأقل منها تلك الفرص التي تبقى للأنظمة من أجل إعادة عجلة الأحداث للوراء، خاصة بعد أن تلجأ إلى قمع الشعب، وتجعل الأرض تشرب من دماء أبنائها، ولعل الأمثلة على ذلك في ظل ربيع الثورات العربية كثيرة ومتعددة ومتنوعة، فمن تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن والآن سوريا.
للوهلة الأولى اعتقد نظام البعث في سوريا أنه بمنأى عما يدور حوله في العالم العربي، كما توهم من قبله نظام حسني مبارك في مصر أو نظام القذافي في ليبيا، وأيضاً راهن نظام البعث في دمشق على سنوات من القمع والتنكيل مارسها ضد الشعب السوري، أتبعها بسيل إعلامي هائل وإرهاب فكري متواصل حول المؤامرات التي تحاك ضد نظام المقاومة والممانعة، حيث كثيراً ما كان يختبئ خلف تلك العناوين الكبيرة، غير أن واقع الحال كذب كل تلك الأوهام التي ساقها نظام دمشق، وأثبت الشعب السوري أن حريته أولاً.
الآن وبعد خمسة أسابيع من الاحتجاجات المتواصلة التي رافقتها آلة قمع هائلة أكلت المئات من أبناء الشعب السوري، ما زال الآلاف مُصرّين على نيل مطالبهم التي لم تعد اجتماعية أو حياتية، بل صارت تنادي بتلك العبارة التي تكرهها الأنظمة العربية، الشعب يريد إسقاط النظام.
لقد كانت هناك فرصة حقيقية لبشار الأسد ونظامه في احتواء التظاهرات التي انطلقت في درعا، لو أنهم نزلوا من برج تكبرهم العالي، واستمعوا للشعب، ولو أنهم تعاملوا معها بعقلية الحاضر لا بعقلية وأسلوب الماضي، عندما قتل نظام الأسد الأب نحو 40 ألفاً من أهالي حماة، وهجر أضعافاً مضاعفة منهم عام 1982.
كان الشعب يريد أن يرى وعود الإصلاح التي وعد بها الأسد الابن عام 2000 تتحقق، لم يطالب بأكثر من ذلك، غير أن طبيعة الأنظمة القمعية وغير الشرعية لا تقبل أن تفهم لغة الشعوب، حتى إذا ما سال الدم على الأرض، تحول الإنكار إلى اعتراف ولكن بعد فوات الأوان.
ومثلما فعل الإعلام المصري ومن قبله الإعلام التونسي، مارس الإعلام السوري كل أساليب التضليل والخداع، متوهماً هو الآخر أن بإمكانه حجب الحقيقة عن الشعب، فكان أن أنتج تمثيليات رديئة السيناريو حول المندسين والخونة الذين قال إنهم يقتلون الشعب السوري، بالإضافة إلى سيل جارف من الأكاذيب حول وجود المؤامرة الخارجية، لتنقلب كلها وبالاً عليه بعد أن رد عليه الشعب السوري بمزيد من التظاهرات رغم آلة القمع القاتلة.
بعد الجمعة الأخيرة وسقوط أكثر من 100 ضحية برصاص القوات الأمنية السورية، صار واضحاً أن النظام السوري يترنح، وأنه بات يعيش أزمته التي خلقها لنفسه بسبب كبره وتعاليه على مطالب شعبه.
فالإصلاحات التي أعلن عنها نظام دمشق جاءت بنتائج عكسية، فمقارنة بين جمعة ما قبل الإصلاحات التي لم يقتل فيها أي شخص والجمعة التي تلت الإصلاحات وقتل فيها نحو 100 ضحية، تؤكد أن النظام غير جاد في الإصلاح وهو ما أفقده الثقة بينه وبين شعبه.
على النظام السوري أن يعرف أن قمع الشعوب لا يفنيها، ولا يمكن أن يمحو أثرها، ولكنه دائماً ما يفني قامع الشعب، ولا يترك له من أثر سوى اللعنة والخسران.