مشكلة سورية في مصادرة حريتها

محمد فاروق الإمام

وليس في إقالة محافظ أو تنحية وزير

محمد فاروق الإمام

[email protected]

سفكت الدماء في بيت الله فجراً على يد سفاح سورية وابن سفاحها فلطخت الدماء الطاهرة جدران المسجد العمري بدرعا ولونت بأديمها ساحاته وأروقته متفجرة  من أجساد فتية اعتصموا في ذلك المسجد مطالبين سلمياً بالحرية المصادرة من قبل حزب البعث الشمولي الذي استأثر بالسلطة لنحو نصف قرن، ويصر على التمسك بها مهما واجه من جماهير عزلاء وصدور عارية فبيده البندقية وهي وحدها من يقرر النتائج بزعمه، وقد خاب ظن أولئك الذين ظنوا كما ظن الخاسرون في تونس ومصر فكان مصير طواغيتها إلى مزابل التاريخ الذي سيذكر أسماءهم إلى جانب فرعون وهامان ونيرون وهولاكو وستالين وهتلر وموسوليني وشاوشسكو وغيرهم ممن تزكم الأنوف رائحة ذكراهم، وتصيب بالغثيان فصول سفر حياتهم.

شباب درعا الأشاوس لبوا نداء الحرية وهم يعلمون أن للحرية باب بكل يد مضرجة يدق، فلم يبخلوا بل تقدموا وأرواحهم على أكفهم سعياً إلى الشهادة في سبيل نيل الحرية وهم يعلمون أن الحرية لا تعطى ولكن تنتزع وأن لذلك ثمن غال فلم يأبهوا فتسابقوا صفوفاً خلف صفوف تصدح حناجرهم (سلمية.. سلمية.. الله.. سورية.. حرية وبس)، وكان الرد رصاصاً غاشماً جباناً استهدف الصدور العارية والجباه المرفوعة والقامات المنصوبة، وهذه قيم لا يعرفها الجبناء ومن يتمترسون وراء قاذفات الصواريخ وداخل المجنزرات والمدرعات والدبابات وكوى السيارات المصفحة.

بشار وريث أباه هزته الأحداث فتمخض فعله عن جرذ كما تمخض الجبل عن فأر، وأمر بإقالة محافظ درعا وكأن مشكلة الشعب مع محافظ درعا وفي إقالته تحقيق لمطالب الجماهير وتضميداً لجراح شبابه ومواساة لذوي شهدائه، ولم يعي هذا الوريث حتى الساعة - وقد عميت بصيرته كما عميت بصيرة أسلافه زين العابدين بن علي وحسني مبارك، لا يريد الاستفادة من الدرس وقراءة الحقائق وعدم الوقوف بوجه العاصفة - أن مطالب الجماهير لا تختزل بقرار ساذج بعزل محافظ أو تنحية وزير أو حتى إقالة الوزارة لأن الجماهير تعرف أن كل هؤلاء ما هم إلا أخيلة مآتى لا فعل لها ولا حل بيدها، وأن ما تريده الجماهير وقفة شجاعة - وأشك في توفرها لدى الوريث – لمن بيده القرار ويتخذ الإجراءات العاجلة التالية:

(رفع يد حزب البعث الشمولي عن الدولة والمجتمع وفصله عنها، حل أجهزة الأمن بكل مسمياتها، رفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية، حل مجلس الشعب، حل الجبهة الوطنية التقدمية، الإفراج عن كل سجناء الرأي، إلغاء القوانين التعسفية الظالمة وفي مقدمتها القانون 49/1980، إلغاء المحاكم العسكرية والاستثنائية وما نتج عنها من أحكام ضد رجال الوطن وشرفائه، فتح أبواب الوطن لعودة المنفيين وقاماتهم منتصبة، دعوة كل الهيئات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية المستقلة دون تمييز أو إقصاء لعرق أو دين أو مذهب أو طائفة أو معتقد لتأسيس جبهة وطنية ينبثق عنها حكومة مستقلة وحيادية تشرف على انتخابات هيئة تأسيسية، يناط بها وضع دستور عصري للبلاد يلبي حاجات الوطن وأماني وقيم الجماهير السورية وتطلعاتهم، ويحفظ للسلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية استقلالها، وحرية تشكيل الأحزاب دون شروط تعجيزية، وإطلاق حرية الإعلام  بكل وسائله، وسن قانون جديد للانتخابات يكفل كل المعايير الحضارية المتبعة عند الدول المتقدمة، واختيار نوع الحكم وشكله، وبعد ذلك إجراء انتخابات رئاسية شفافة ونزيهة تكفل وصول الأجدر والأحق بقيادة البلاد في هذه المرحلة العصيبة ولفترة حكم تجدد لمرة واحدة فقط إذا رغب الشعب في ذلك، وتداول سلمي للسلطة.

هذا سقف ما تطلبه الجماهير من رئيس البلاد اليوم، ونتمنى أن يلبي هذا الرئيس هذه المطالب طواعية، وأن لا يجر البلاد إلى مزيد من سفك الدماء والخراب لترتفع في كل يوم وتيرة سقف المطالب حتى نصل إلى المفاصلة التي لا رجعة فيها.