من درعا هلّت البشاير
بدر الدين حسن قربي /سوريا
[email protected]
تغيّر ثمانية رؤساء في أمريكا مقابل قذافي واحد في ليبيا واثنين
في سورية فقط لاغيرخلال أكثر من أربعة عقود مضت، أحدهما أخذها وراثة عن أبيه بعد أن
أخذه داعي الموت، ولولا ذلك لكنّا وليبيا في الحال سواء بسواء. ولاشك بأنها مسألة
مخزية بل ومقرفة أن تجد شعباً يتحمل رئيساً مقرفاً كالقذافي كل هذا الزمن الطويل
جداً يتصرف به كالمعتوه، حابس على أنفاس ناسه،يذيقهمكل ألوان الذل والهوان تجويعاً
وقمعاً وقهراً، وتضييعاً وبعثرة ونهباً لثروة بلد تمور أرضه بالنفظ. ويومتنحنحوا
ساعةً من نهارٍ وضيء، وأظهروا بعض الملل أو الضجر في وجه قذافي قميء،فقالوا: لا..!
لاعتقاله محامٍ حمل في عنقة وضميره أمانة المطالبة بدم 1200 ليبيمنسجناءالرأي،كانوا
ضحايا مجزرة وحشية نفذها القذافي بحقهم خلال ساعتين أو ثلاثة في سجن أبوسليم عام
1996بدعوىتمردهمداخلالسجن.من أجل ذلك فَقد ملكُ ملوك أفريقيا
صوابه، وبدا للخلائق كلها أقرب منه إلى العته والجنون، لمجرد كلمة تذمر أو احتجاج
سلمي لبعض ساعة من أهالي الضحايا، ومن ثم كانت ثورة المقموعين والعطشى إلى الحرية
والكرامة. أما الأدهى من ذلك، فاتهامه لهم بالهلوسة والإرهاب ووصفه لهمبالجرذان
والمقمّلين، وتَهدّدهم بالإبادة وقد بدأها قتلاً بالآلاف مع تدمير المدن.وعندما صرخ
الناس مستغيثين ومستنجدين العرب والعجم والشرق والغرب والضمير العالمي والإنساني،
وأقبل من يأخذ على يده ليحدّ من توحشه، أخذ على خاطره وهاجت نخوته وماجت، بل ووصف
عملية المساعدة والإنقاذ بهجمات صليبية تستهدف ليبيا وثرواتها ونفطها متناسياً نهبه
وعبثه وجنونه ومافعله في بلده وشعبه.
وعلى نفس النهج والمنهج،احتمل السورييون حكم الأسد الأب والابن
بمثل مااحتمل الليبيون أكثر من أربعين سنين عدداً، ظلماً واضطهاداً وشخصنةًللوطن
بالأب والابن والعائلة وصلت حدّ التوريث والوثنية، فتحْتَ شعاراتِ معاً إلى الأبد
وما بعد الأبد، وبالروح بالدم نفديك ياأسد، قزّموا سورية الشعب والتاريخ والحضارة
بعدد من أفراد عائلة، رغم أن الوطن ماكان شخصاً ولا ديناً، ولاعائلة ولا طائفة، بل
خيمة لكل هؤلاء مادام فيه حرية وكرامة لمواطنيه.
وعليه،فيوم لاحت ساعة الفرج، وتفجّرت انتفاضة المظلومين
والمقموعين من المستضعفين، وعرف الشعب طريقه في وجه نظامعائلةٍ وقرابات ونافذين
أوصل البلاد والعباد إلى حالٍ مرعبة من الجوع والفقر والبطالة والقهر،ويوم صرخ
أحرار الشام وحرائرها من قاع جمهورية الصمت والرعب:كافٍ وكفانا وكفاية وكِفايات،
وتفجّرت ثورتهم وشعاراتها: الله وسورية وحرية وبس، ياللي بيقتل شعبه خاين، طفح
الكيل يابشار، أنقذنا من العصابة، حاميها حراميها، سلمية سلمية. ورغم أن الانتفاضة
كانت سلمية حقيقة، ولاتشكل شيئاً في مقابل ماتحمّله الناس خلال عقود من النظام
الفردي، ولكنها كانت مخيفة ومرعبة بمعانيها وشعاراتها التي تعني عودة الجماهير
السورية بكل أديانها وأعراقها وطوائفها وصغيرها وكبيرها إلى معالمها الأصيلة
احتماءً بخيمة الوطن الذي ترخص من أجله الأرواح والدماء، التي لاتكون للحاكم
المستبد الوثن فرداً أوعائلة، وأن كرامة الوطن بكرامة مواطنيه حريةً
وعدالةًومواطنةً، يعيش فيها الناس كراماً آمنين على حياتهم ووطنهم حاضراً ومستقبلاً
، وليسوا فيه عبيداً لحاكم ولا رهائن لأزلامه، ولا سدنة لأوثانه.
ياأيها الناس..!! انطلقت شرارة الانتفاضة من الحريقة تريد
الحرية والكرامة، روائحها ياسمين الشام وجوريّ حلب، سلامها سنابل قمح الجزيرة
وحوران،وبشائر نصرها هلّت من درعا عروس الجنوب ومرابع العز عشائرَ وقبائلَ وحمولات،
بشعارات رفعتها: الشعب السوري مابينذل، وكلنا ياناس إخوة طلّ، والشعب بدو حرية،
وبالروح والدم نفديك ياسورية. رفعتها في وجه أعداء الحرية ومستعبدي الناس، فأرعبتهم
وهزّت مفاصلهم، ولكنها أرض البطولات درعا عمّدت كلامها بدم شبابها الأحرار،
وشهدائها الأبرار، فيما فعله فيهم حلفاء القذافي ومساندوه الفجّار.
الرحمة والرضوان لشهداء ثورة الياسمين على أرض الشام، والحرية
لكل معتقلينا من قامات الوطن وراياته، والخزي والعار لحلفاء القذافي ممن يريدون
استعباد السوريين وقد ولدتهم أمهاتم أحراراً كراماً.
الرحمة والرضوان لشهداء درعا، والتحية والسلام لأمهاتٍحرائر،حملت
في بطونها رجالات عز ونصر ونخوة وشهامة، ولآباء كرام خلّفوا للوطن شباباً رفضوا
قيم القمع والعبودية، وبدمهم نعوا للسوريين عهد المستبدين، وأطلقوا بشائر يوم
الجلاء إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب..!