درعا الصمود والتحدي تأبى الخنوع

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

فجر هذا اليوم الثالث والعشرون من آذار أضاف النظام السوري إلى سجله الأسود المكلل بالعار والشنار، فصلاً جديداً من إجرامه ودمويته، باقتحام فرق الموت التي أعدها لمثل هذا اليوم، لساحة المسجد العمري بدرعا الصمود في وجه نظام القهر والفساد والاستبداد، ليسفك الدم من أجساد فتيان في مقتبل العمر يعتصمون سلمياً في بيت من بيوت الله، ظنوا أنهم سيكونون في حمى الله وعين رعايته، ولم يخطر ببالهم للحظة واحدة أن خفافيش النظام وذئابه سيتجرؤون على الله وبيته، حرمة وقدسية لهذه البيوت التي عمرت ليعلو فيها اسم الله ويخيم عليها أمانه، وتصان فيه أرواح ودماء المعتكفين والمعتصمين فيه.

النظام السوري يأبى أن ينزع ثوبه أو يبدله، وهو الذي جاء من رحم الإجرام وسفك الدماء والعهر السياسي الذي لا لون له ولا رائحة.. هذا النظام الذي كان خلال تاريخه الأسود لا يقيم وزناً لدور العبادة أو محارم الله سبحانه وتعالى، أو حرمة الدم أو إزهاق النفس التي حرم الله، وقد بدأ مشوار حكمه بسفك الدماء (مجزرة الضباط في قيادة الأركان في 18 تموز عام 1963 أي بعد انقضاضه على الحكم بأربعة أشهر وقتله لنحو مئتي ضابط من خيرة ضباط الجيش السوري المعارضين له)، (قوائم تسريح لمئات الضباط المحترفين وإيداعهم في السجون والمعتقلات وتوزيع بعضهم على دوائر الدولة ومؤسساتها المختلفة 1963-1970)، (سفك دماء المصلين والمعتكفين في جامع السلطان بحماة عام 1964 وتدمير المسجد على رؤوسهم)، (اقتحام مسجد بني أمية في دمشق بالدبابات عام 1965 وترويع المصلين المعتصمين فيه وسوقهم إلى السجون والمعتقلات والمحاكم الفاشية)، (مجزرة القصر الجمهوري عام 1966 ومقتل العشرات من الضباط المتصارعين على السلطة)، (تسليم الجولان للعدو الصهيوني عام 1967 دون دفع أو مدافعة والفرار من الجبهة السورية وترك أسلحة الجيش السوري غنيمة للعدو)، (صراع يمين حزب البعث الشمولي ويساره على السلطة عام 1970 واحتكار الرئيس الراحل حافظ الأسد للسلطة وزج كل مناوئيه من رفاق الأمس في السجون والمعتقلات، وكان آخر من مات منهم في السجن رفيقه اللواء صلاح جديد)، (مسرحية حرب تشرين عام 1973 وتخلي القوات السورية عن أربعة وثلاثين قرية لم يتمكن العدو الصهيوني من احتلالها عام 1967)، (عقد اتفاقية فك الاشتباك مع العدو الصهيوني عند الكيلو 54 والتخلي عن الجولان نهائياً، مما سمح للعدو الصهيوني ضم المرتفعات إلى دولته عام 1981)، (ارتكاب القوات الخاصة للنظام عام 1980 لمجزرة بشعة في حماة وقتل ما يزيد على 500 مواطن مدني أعزل)، (ارتكاب القوات الخاصة عام 1980 لمجزرة بشعة في مدينة حلب وقتل ما يزيد على مئة مواطن مدني أعزل بدم بارد أخرجوا من بيوتهم يوم عيد الفطر، وكان من بينهم 13 من أسرة واحدة)، (ارتكاب سرايا الدفاع لجريمة بشعة في سجن تدمر الصحراوي عام 1980 وقتل نحو 1000 سجين جلهم من العلماء والمفكرين والضباط والأطباء والمهندسين والمحامين والقضاة والأساتذة وطلبة الجامعات)، (ارتكاب مجزرة جسر الشغور عام 1980 قتل فيها نحو 200 من المواطنين وإحراق سوق المدينة وعدد من الدور)، (ارتكاب مجزرة سرمدا عام 1980 وقتل نحو أربعين شاباً من طلبة المدارس والجامعات)، وكان بين هذه المجازر مجازر ومذابح في معظم المدن السوري، ومقابر جماعية في صحراء تدمر للآلاف من السجناء والمعتقلين، وتوج النظام مجازره بارتكابه أفظع مجزرة شهدتها سورية في تاريخها، حيث استباحت كتائب الموت مدينة حماة لنحو شهر قضى تحت نيران قصف الطائرات والدبابات والمدفعية وراجمات الصواريخ نحو 30 ألف مواطن بين طفل وامرأة وشيخ وشاب، ودمرت أحياء كاملة وسويت بالأرض بما فيها من دور عبادة وتاريخ وحضارة وتراث.

ولم يكتف النظام بقتل وذبح السورين داخل سورية، بل راحت يده الآثمة الطويلة تغتال عشرات الشخصيات الوطنية السورية خارج البلاد، وكان من أبرز ضحاياه العقيد محمد عمران ورئيس الوزراء السابق صلاح البيطار وبنان الطنطاوي قرينة الشيخ عصام العطار الذي كان هو المستهدف بالاغتيال.

وتجاوز النظام كل الخطوط الحمر فعمل إلى جانب إسرائيل على قتل الفلسطينيين واستلاب قضيتهم وتصفيتهم وزرع الفتن والانشقاقات بين فصائل المقاومة، وتوج ذلك بإرغام القائد الفلسطيني ياسر عرفات على الخروج مع قواته من لبنان، بعد أن قتل المئات منهم في نهر البارد وتل الزعتر وطرابلس.

هذا هو سجل النظام السوري الذي يدعي الصمود والتصدي والتحدي والممانعة وقيادة المقاومة وتبني قضية فلسطين، وهذا هو سجله الأسود لأعماله التي مارسها من خلال حكمه الاستبدادي والشمولي والديكتاتوري لسورية، وهاهو اليوم يثبت بما لا يدع مجالاً للشك من خلال حماقاته وشروره وآثامه التي يمارسها ضد الشعب السوري وشبابه المتطلع للحرية والمنادي سلمياً بالعدالة والإصلاح والتغيير.

لقد ضربت مدينة درعا البطولة والصمود والتحدي المثل لشباب سورية مستنهضة هممهم عبر دماء أبنائها الأخيار، وآن للسوريين كل السوريين من الساحل حتى الصحراء ومن الجنوب حتى الشمال أن يلبوا نداء إخوانهم في درعا وينتفضوا انتفاضة رجل واحد في وجه هذا النظام الشمولي الاستبدادي الديكتاتوري سلمياً مهما استعمل جلاوذته من سلاح وقسوة، ولنا في ثورات الشباب في تونس ومصر واليمن القدوة، حتى نثبت للعالم أننا أصحاب حضارة ومدنية ليقفوا إلى جانبنا ويتبنوا قضيتنا العادلة، وحتى نفوت على النظام كل أشكال دعاويه الكاذبة، وحتى لا تكون له الحجة علينا في استعمال القوة المفرطة وهو مستعد لذلك وغير هياب لتداعياتها ونتائجها، فالوطن والشعب مختزلان عنده في شخص الرئيس والحزب الشمولي وحفنة المنتفعين من حوله، وليكن من بعدهم الطوفان وخراب الأوطان، كما يفعل اليوم القذافي في ليبيا وفي شعب ليبيا!!