وسقط هبل فهل سيتعظ أشباهه

محمد فاروق الإمام

وسقط هبل فهل سيتعظ أشباهه؟!

محمد فاروق الإمام

[email protected]

طويت صفحة النظام الاستبدادي في مصر وسقط طاغيته هبل وصدحت حناجر ثمانين مليون مصري تهتف لشباب مصر الذين بدمائهم وجراحهم وجوعهم وفقرهم وبطالتهم مزقوا بكل العنفوان تلك الصفحة الرديئة التي سطرها البغاة في أرض الكنانة، وأعادت لقاهرة المظفر والعز بن عبد السلام وأحمد عرابي إشراق شمس الحرية تسطع فوق سماء بلاد النيل مبددة ظلمة سحبها السوداء القاتمة، معلنة زوال عهد الظلام وبغي طغاته إلى غير رجعة، لتفتح مصر سجلاً جديداً ناصعاً مضافاً إلى سجل تونس الخضراء ملهمة ثورة شباب مصر، كتبته بقاني الدماء، فللحرية ثمن كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

وللحرية الحمراء باب .. بكل يد مضرجة يدق

واستجاب القدر لهذه الثلة المباركة التي أرادت الحياة من شباب مصر الذين عرفوا سلوك الطريق الصحيح للإطاحة بهذا الطاغية الذي تأله على الله وظن نفسه أنه في مأمن مما وقع فيه زين العابدين بن علي، فكان مكمن مأمنه (الأمن المركزي) بكل ألوفه المؤلفة وأسلحته الفتاكة وجرائمه البشعة الفظيعة أول المنهارين والمنكسرين أمام شجاعة وجلد وصبر وتضحيات شباب مصر، وليسقط جدار دفاعه الأول، لتنهار دفاعاته الوهمية الهلامية التي كانت أوهى من بيت العنكبوت واحداً بعد الآخر إلى أن سقط آخر رموز دفاعاته وكر المخابرات ورمزه عمر سليمان الذي أذاع بكل انكسار بيان سقوطه.

مبارك لشعب مصر ما حققه شبابها من ثورة بيضاء سلمية حضارية لم يشهد التاريخ الحديث لها مثيلاً، لتصبح تلك الثورة مصدر إلهام لكل الشعوب العربية التي ترزح منذ سنوات طوال تحت كابوس قانون الطوارئ والأحكام العرفية والحكم الديكتاتوري الاستبدادي، الذي لا يزال يصم آذانه ويغمض عينيه عن الحقائق والوقائع ويتعامل مع كل ما حدث في تونس ومصر على أنها أمر لا يعنيه فهو ليس تونس ولا مصر كما قال أحد رؤوس هذه الأنظمة بالأمس القريب في مقابلة أجراها مع بعض الصحف الغربية.

ومن المفارقات أن النظام السوري الذي كان ولا يزال يعزف على وتر الممانعة والصمود والتصدي والتحدي ويملأ الدنيا ضجيجاً بشعاراته العنترية الكاذبة الخادعة، التي عودنا على سماعها منذ أن تسلقت حفنة من مغامري حزب البعث الشمولي جدران السلطة في دمشق في الثامن من آذار عام 1963، من المفارقات أن هذا النظام الثوري – كما يدعي - وقف صامتاً كأن على رأسه الطير من كل ما جرى في كل من تونس ومصر، وكأن دمشق التي كانت تعيش في قلب الحدث وتصنعه وكانت الشريان وقلب العروبة النابض، هي اليوم غير هي بالأمس كما أراد لها هذا النظام، ففي الوقت الذي كانت فيه كل عواصم الدنيا، عدوة كانت أم صديقة، تشهد شوارعها مظاهرات التأييد والتضامن مع ثورة الشباب في تونس ومصر كانت شوارع دمشق خالية تعيش في حالة من الصمت المريب.

ولعله الخوف والذعر هو ما دعا النظام السوري لمنع الشباب السوري من التظاهر تضامناً وتأييداً لأشقائه في تونس والقاهرة، وقد يخرج الأمر من يده، كما حدث عندما سمح بالتظاهر ضد العواصم الغربية التي أساءت للنبي (صلى الله عليه وسلم) فأحرقت الجماهير الغاضبة المحتقنة بعض سفارات الغرب، وتسلقت العديد من أسوار وجدران هذه السفارات، حتى ظن العاملون فيها أن لا منجاة لهم من يد هؤلاء الغاضبين.

شباب سورية لن يُعدموا الوسيلة، ففي عقولهم وصدورهم الشيء الكثير من الأفكار مما لا يخطر على بال جلاديهم وناهبي ثروات الوطن، وهم يدرسون بدقة متناهية ما عليهم فعله وتحديد ساعة البداية وبالأسلوب الذي غاب عن ذهن خفافيش السلطة الباغية، التي ستتفاجأ - إن لم تتدارك الأمر - بما تفاجأ به زين العابدين ونظامه الاستبدادي وما تفاجأ به حسني مبارك ونظامه الديكتاتوري، وسيكون أول المتخلين عن هذا النظام الذي سيتهاوى بطانة السوء وحرسه الخاص وجوقة المطبلين والمزمرين والهتافين ورجالات حزبه الذين ستسابق أقدامهم الريح وهي فارة على غير هدىً كما فعلت يوم هزيمة الخامس من حزيران عام 1967.