مجزرة حماة - 1

تضافرت الأدلة على نية النظام الأسـدي الانتقام من حماة وأهلها منذ سـنوات ، وقرار حمامات الدم في حماة متخذ منذ ( 1980م )  وقبل ذلك ، وقد صدرت عدة تصريحات من رفعت الأسـد ( الرجل الثاني في سوريا خلال السبعينات )تداولها الناس منها : سيدمر مدينة حماة ويحولها إلى حديقة عامة ومراقص وحانات ، ومنها : سـأجعل المؤرخين يكتبون أنه كان في سوريا مدينة اسمها حماة ، ومنها أنه سيجعل حماة عبرة للشعب السوري كله .

حصار السلطة لمدينة حمـاة قبيل المجزرة الكبرى

في يوم ( 11/10/1981م ) حرضت السلطة أجهزتها القمعية في حماة على اضطهاد أبناء الشعب لأي سبب ، فتحركت فروع المخابرات والكتائب الحزبية المسلحة يعيثون في المدينة فساداً ، فتصدى لهم المواطنون بقوة ، وقتلوا خمسة منهم في حي ( عين اللوزة ) وآخرين في أحياء غيرها ، فأرسلت السلطة في ( 7/12 / 1981م ) عـدة آلاف من سـرايا الدفاع لاعتقال المواطنين من كل القطاعات والاتجاهات ، وكانت المدينة تعيش منذ تشرين الأول محنة تبديل البطاقات الشخصية ، واتخذت السلطة ذلك ذريعة لإهانة المواطنين والانتقام منهم ، فأرغموا المـارة في الشـارع على الاستلقاء أرضاً ، ورفع أرجلهم في الهواء لتلقي وابل الضرب بالعصي والكرابيج ، كما طلبوا من المارة الركوع لحافظ الأسـد ، وفقأوا عين الرافضين ، وتحرشوا بالبنات في الشوارع ، وبدأت السلطة تفجر البيوت بألغام الديناميت على إثر وشاية أو تقرير من أي عميل يفيد أن أحد المعارضين زار هذا البيت أو تردد عليه ، وفجروا قرابة عشرين منزلاً خلال شهر كانون أول .

اليوم الأول من المأســاة :

في هذه الليلة الماطرة ( يوم الثلاثاء في  2/2/1982م ) السـاعة (1,20)صباحاً قامت مجموعة من الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع والمخابرات العسكرية تقدر ب (500)عنصر بتطويق حي البارودية ، وبدأوا بتفجير عدة بيوت ، ثم توجهت مجموعة من الوحدات الخاصة لمداهمة قاعدة أبي بكر القيادية ،

 وفي الســاعة العاشرة صباحاً أقلعت ( 13 ) طائرة نقل عسكرية من مطار المزة العسكري إلى مطار حماة .

ومنذ الساعات الأولى من المعركة (4,30) قبل طلوع الشمس من اليوم الأول، زجت الســلطة بدبـابـات اللواء ( 47 ) في المعركة ،

اليـــوم الثــــاني : الأربعاء (3/2/1982م ) :

تأكد أن الطليعة غنمت كميات كبيرة من الأسلحة ، والذخيرة ، وسلحوا المواطنين ، واســــتمرت معارك الدبابات من جهات المدينة الأربع وكلها تحاول الوصول إلى حي البارودية ( حيث قاعدة أبي بكر القيادية ) ، ودمرت الطليعة أعدادأ كبيرة من الدبابات ، وفي اليوم الثاني أُخرج اللواء (47) من المعركة بعد أن قام بعملية خدعة تمكن من خلالها من الوصول بدباباته إلى حي الحميدية .

اليــــوم الثـــالث : الخميس (4/2/1982م ) :

في هذا اليوم زجت الســلطة باللواء المدرع ( 21 ) ، ونفذت مذبحة جنوب الملعب البلدي ، فقد أحضرت اللواء (21) من مدينة حلب ، فكان له دور كبير في تدمير حماة ، وقد فوض العميد شفيق فياض قائد الفرقة الثالثة ، العقيد فؤاد إسماعيل بقتل كل حموي حتى لو كان من عناصر الحزب الحاكم .

ركز اللواء (21 ) هجومه للوصول إلى البارودية حيث القاعدة القيادية ، وركز قصفه لهذه المنطقة ، وفي الساعة (1,30) صباحاً أصابت إحدى قذائف الدبابات الأخ أبابكر ( عمر جواد) فاستشهد يرحمه الله بعد ساعة حيث نزفت دماؤه ، وتسلم المهمة بعده الأخ  ( أبو عارف ) يرحمه الله  .

وفي هذا اليوم سيطرت السلطة على الأحياء الجديدة من المدينة ، وانسحب مقاتلو الطليعة إلى الأحياء القديمة وكثفوا دفاعاتهم حولها .

وفي هذا اليوم وصل رفعت الأسد وأقام في الثكنة ليدير المعارك بنفسـه ، خوفاً من إحباط ضباطه ، وقامت راجمات الصواريخ والمدفعيــة الثقيلــة مذ وصوله ترمي المدينة بقذف عشــوائي ( والثكنة في مكان مرتفع ) مما زاد الخسائر البشرية بين النساء والأطفال والشيوخ .

مجـزرة حـي جنوب الملعب في حماة

1ـ في اليوم الثالث من المعارك بدأت السلطة بتنفيذ مجازر مرعبة في حماة ، وقد بدأت بهذا الحي المسالم ، حيث أنه جديد فيه شوارع واسعة وساحات كبيرة لذلك ابتعد عنه مقاتلو الطليعة ولم يتمركزوا فيه أبداً .

2ـ يغلب على سكان الحي أنهم من القرويين المهاجرين من الريف ( السني ) وهم بسطاء ومسالمون ولم يسبق لهم أن عارضوا الدولة معارضة علنية ، لذلك تنادى بعض الحمويين من سكان الأحياء القديمة ( الخطيرة ) إلى اللجوء إليه لأنه آمـن .

3 ـ دخلت السلطة إلى هذا الحي بدون أي مقاومة تستفزها أو تثير دواعي الإجرام عندهم .

وبعد أن دخلت عناصر سرايا الدفاع إلى الحي نادوا على الناس بمكبرات الصوت ليجتمعوا في ساحة الحي ، ولما تكامل اجتماع الناس من رجال ونساء وأطفال فتحت سرايا الدفاع  أسلحتها الرشاشة على الموطنين العزل فقتلوا منهم ماشاء الله أن يقتل ، ثم توجه الجنود إلى البيوت فقتلوا من لم يخرج منها ونهبوا وسلبوا ما وجدوه ، وكانوا يخرجون الأسرة أمام بيتها ثم يقتلون الأب أولاً ثم الأم ثم بقية الأولاد ، ثم يدخلون البيت للنهب والسلب ، وقد أحصى الأخوان أسماء (98) شهيداً من الرجال فقط ، كما قتلوا المواطن شحود شيحاوي بعد أن أظهر لهم بطاقته الحزبية وهو متفرغ للعمل الحزبي ومعه مسدس وسيارة من الحزب وأظهر لهم ذلك كله ولكنه لم يشفع له عندهم لأن الأوامر عندهم بقتل الحمويين أياً كانوا . كما قتلوا ضابطاً برتبة رائد ( أحمد عبد الحميد عزيز ) وهو حموي كان إجازة عند أهله في هذا الحي ، خرج عليهم بلباسه العسكري ، فقتلوه ثم أجبروا والده وهورئيـس اتحاد نقبات العمال ( بعثي كبير )  أن يقول قتله الإخوان . كما أن المواطن فائز عاجوقة نجا من الموت وكان جريحاً فنقل إلى المستشفى الوطني ، وهناك رآه أحد عناصر سرايا الدفاع فبقر بطنه بالسكين وتركه ينزف حتى مات يرحمه الله .