هبوا واحموا ثورة الأمة
أيها العرب... أيها المسلمون:
حسام مقلد *
الموقف في مصر اليوم شديد الشفافية والوضوح، وهو على النحو التالي: حاكم ظالم مستبد وطاغية غاشم لفظَه شعبُه وثار عليه ويرفضُ بقاءَه في السلطة، وكل مبادئ الدستور والعقل والمنطق تقتضي أن يرضخ الطاغية لإرادة شعبه ويرحل بهدوء حمايةً لأمن هذا الشعب وحرصاً على سلامة الوطن واستقراره ووحدته وتماسكه، وهذه هي أبسط معاني الديمقراطية التي يدَّعي حرصه عليها، لكنه يرفض الخروج الآمن من السلطة ويتمسك بالحكم بكل جبروت وإصرار، وبرغم كل النفاق السياسي وتصريحات الخداع والتضليل الصادرة من العواصم الغربية وخاصة أمريكا يدعمه الغرب بكل ما أوتي من قوة ويقف ضد إرادة الشعب المصري وجماهير مواطنيه الثائرة؛ وذلك لأن هذا الطاغية هو حليفهم المخلص الذي قمع شعبه وحافظ على تحقيق مصالح إسرائيل وأمريكا والغرب في المنطقة العربية والإسلامية طيلة هذه العقود الطويلة، والرسالة شديدة الوضوح وتقول بلا حياء ودون مواربة أننا:
1. لن نسمح لكم أيها العرب والمسلمون بأي استقلال حقيقي عنا، مهما تظاهرنا بغير ذلك.
2. لن نسمح لكم بالعيش في حرية أو ديمقراطية حقيقية كما تأملون.
3. لن نسمح لكم بتحقيق أي نهضة علمية، ولا بإنجاز أي تقدم يذكر في مجال البحث العلمي.
4. لن نسمح لمجتمعاتكم بالتمتع بالعدالة والمساواة والاستقرار فهذا ضد أمننا وضد مصالحنا.
5. لن نُمِكِّنكم أبدا من النهوض والتطور لأن هذا يتحدى سيطرتنا عليكم، ويجعلكم أندادا أقوياء لنا، وذلك يهدد وجودنا في دولكم ويحرمنا من ثرواتكم الطائلة!!
وقد بات واضحاً من خلال تعاطي الدول الكبرى مع ثورة الشعب المصري المباركة، ومن خلال الموقف الرسمي العربي الذي رشح على السطح مؤخراً بعد أيام من الصمت المريب أننا بصدد معركة حقيقية فاصلة بين الشعوب العربية والمسلمة من جهة وبين الغرب الاستعماري من جهة أخرى، وهذا ليس من قبيل المبالغة أو التهويل، ولا من قبيل الهيام بنظرية المؤامرة وعشقها والفناء فيها؛ فالخوف من المؤامرة لا يسكننا، لكن الأحداث المتلاحقة مؤخرا تؤكد ذلك بكل وضوح، وينبغي أن نكون جميعا على درجة عالية من الوعي والنضج وتحمل المسؤولية!! ويؤكد ذلك التصريحات الدولية والمؤتمرات الصحفية المتعاقبة للمسؤولين من كافة الدول الكبرى، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية التي شكلت خلية أزمة تضم أرفع مسؤولي البيت الأبيض لمتابعة تطورات الثورة المصرية، ومحاولة احتوائها والتأثير فيها لتنتهي بأقل قدر ممكن من الخسائر والأضرار المتوقع أن تَلْحَقَ بمشروع الهيمنة الصهيونية والغربية على المنطقة العربية والإسلامية.
لقد تفاجأ الغرب كثيرا كما تفاجأ حكام العرب والمسلمين بثورة الشعب المصري العظيم وانفجار غضبه بشكل لم يسبق له مثيل، ودقَّتْ صيحاتُ المصريين وجرأتُهم الشديدة، وأسلوبُ ثورتهم السلمية الحضارية الراقية على الظلم والقهر والجبروت والطغيان ـ دقَّتْ نواقيس الخطر بقوة في العالم الغربي، وهزت بعنف كل أنصار ومروجي المشروع الغربي الصهيوني في المنطقة العربية الإسلامية!! وبات واضحاً الآن أن أمتنا العربية والإسلامية أمام حدث جلل بالفعل تقف أمامه تحدياتٌ خطيرة من أعداء الأمة والمتواطئين معهم المستفيدين من بقاء الأوضاع على ما هي عليه، ولا شك أن الوضع المتفجر والملتهب في مصر يفرض علينا جميعا واجبات عدة أعتقد أنها فرض عين الآن على البعض منا، ومن هذه الواجبات ما يلي:
1. اللجوء إلى الله تعالى بصدق وإخلاص في هذه اللحظات العصيبة، والدعاء إليه بكل خشوع وتضرع كي ينصر الشعب المصري، ويحفظ مصر وأهلها من مكر الماكرين وكيدهم وشرورهم.
2. قيام كل الجاليات العربية والإسلامية بتظاهرات حاشدة في كل عواصم الدنيا خاصة عواصم الدول الكبرى دعماً للشعب المصري، وتأييداً لمطالب ثورته المباركة.
3. التواصل مع مثقفي العالم وأحراره عن طريق الإنترنت وغيره لشرح حقيقة الوضع في مصر، وتقديم الدعم والمساندة لشعبها الحر الأبي ضد بطش النظام الغاشم الشرس.
4. إرسال الرسائل العاجلة بالإيميل والموبايل (الخلوي أو الهاتف النقال) لكافة المنظمات والمؤسسات والهيآت الدولية لدعم مطالب الشعب المصري في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وكلها حقوق أساسية للإنسان وفق الميثاق الدولي لحقوق الإنسان الذي أعلنته الأمم المتحدة.
5. نصرة الثورة المصرية المباركة، والدفاع عنها والوقوف بحزم ضد تشويهها وتصويرها على أنها ثورة للرعاع والجياع وسكان العشوائيات الذين لا هم لهم إلا السلب والنهب والسرقة، فهذه الثورة العظيمة ليست كذلك أبداً، بل هي ثورة سلمية حضارية للمطالبة بحفظ الكرامة الوطنية والقومية، ودعم صمود الأمة ومنع انبطاحها للمشروع الغربي، والوقوف ضد استباحتها واستباحة مقدرات أبنائها في كل مكان!
6. السعي بقوة لإفشال المؤامرة الخبيثة التي تلتف على الثورة المصرية المباركة، وتصورها على أنها انقلاب عصابات جائعة على حاكم شرعي لدولة مستقرة، وتسعى لتضخيم ما يرافقها من آثار سلبية ترافق الثورات دائما، والقصد من كل هذا التضليل والفلتان الأمني المفتعل والجرائم التي ترتكبها فلول النظام وزبانية وزارة الداخلية وعناصر الشرطة السرية ـ القصد هو وضع الشعوب العربية في مأزق نفسي رهيب واختيار صعب: فإما الرضوخ لظلم الحكام وبطشهم وفقدان الكرامة والرضا بالامتهان والإذلال، أو الفوضى العارمة التي لا تُبْقِي ولا تذر وتجعل الدول والمجتمعات مستباحة للجرائم وموطنا للخراب والأشباح!!
7. بث الوعي في نفوس الجماهير العربية بكل وسيلة ممكنة وتحذيرها من الانخداع بالشائعات التي تخوفها من الثورة السلمية لتحسين أوضاعها.
8. دعوة الجيش المصري عبر جميع الفضائيات خاصة الجزيرة للوقوف إلى جانب خيار الشعب واحترام إرادته، وحقن دمائه، وحفظ مصر وأهلها، وعدم الوقوع في فخ المؤامرة الدولية التي تراهن على الوقت واستمرار حالة الفوضى والفلتان الأمني لأسابيع حتى تتآكل ـ لا قدر الله ـ بنية الدولة وتنهار مؤسساتها ومقوماتها الرئيسية!!
9. توجيه النصائح التنظيمية وكافة أشكال الدعم اللوجستي للمتظاهرين المصريين بكل شكل ممكن كتزويدهم بطرق ووسائل مختلفة لفتح شبكة الإنترنت لأنها عصب التواصل فيما بينهم، وتقديم كافة أوجه الدعم المعنوي لقضيتهم على كافة المحافل الدولية، أو على الأقل الدعاء لهم.
10. توجيه رسائل مباشرة لكافة حكومات الدول العظمى تشرح لهم حقيقة الوضع في مصر، وتبين لهم خطورة الاستمرار في دعم النظام المصري، فهذا الدعم المتواصل لذلك النظام الغاشم سيكون وقودا لشلالات الغضب العارم ضد الغرب، والتي ستتدفق في قلوب المسلمين جميعا؛ لأنهم لن يرضوا بضياع مصر قلب العروبة النابض وحصن الإسلام المنيع.
ولنردد جميعا مع الشاعر:
أيها المسلمون في كل قطر أيها الأتقياء والأولياء
سددوا السهم فالعدو تمادى لا تذِلُّوا فأنتم العلياء
أرشقوا بالنبال كل عتل حربه الصالحون والأنبياء
وحدوا صفكم بجد وعزم وانصروا الله أيها الأوفياء
"وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" [يوسف : 21].
* كاتب إسلامي مصري