تونس
د. أفنان القاسم
قبل فترة ليست بالطويله ،نُشرت مقالة للدكتور افنان القاسم في باريس، وقد تناول فيها معظم الدول العربيه من " المحيض الى الخليع " كما اطلق على هذه البقعه الجعرافيه من العالم .... العالم السائر الى الأمام ، بجانب جمود وتحجر هذه البقعه العربيه في سياسة القبيله .
د. افنان القاسم ليس نبيا ،ولم يكن ما كتبه نبوءه انما هو تحليل واع ومثقف وناضج لما يحدث في الوطن العربي الذي تسلبه من الشعوب عصابات وشلل تحت اسماء شتى – مملكه- جمهوريه – جماهريه – اماره – مشيخه – سلطنه-... الخ.
وبعد، من سمع دفاع القذافي الدكتاتور عن رفيقه الدكتاتور " زين الديك بن علي " كما اطلق عليه دكتور القاسم ، من سمع دفاع القذافي يدرك تماما بان القاسم قرأ خفايا الأنظمه العربيه وشخص ببراعة عللها واسباب تلك العلل التي لن تداوى بغير الثوره ، الثوره التي تجعل هؤلاء الطغاة يرتدون لباس النساء ويهربون من امام مد الثوره . وكما قال ذلك التونسي الشاب – الشاعر الشابي – "اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر " .
انقل اليكم نبذه من مقالة دكتور افنان القاسم ، عن تونس .
تونس .....
دول كالفطر النابت على كتف الحضارة، ما أن تبدأ بالنمو حتى تبدأ بالانقراض، وبين حياتها وموتها تقوم مسافة بقائها، التي تبقى قصيرة على أي حال مهما طالت. دول كالواحات، الدول السراب، دول كمخيمات الصيف، كرماح الغزاة.
الشعب الطيب الذي يجد نفسه في قبضة من حديد لن يبقى الى الأبد طيبا، فهو قادر على الثورة يوما، ثورة تقتل أبناءها، وأول ما تقتل حكامها.
في فرنسا، هذا الشعب الطيب قام بأول ثورة في التاريخ، وفي روسيا بأول ثورة اشتراكية، وفي كوبا بأول ثورة ماتت في المهد بعد مصرع غيفارا، وستبقى هذه الثورة في الموت على حالها، الثورة على الحياة حقيقة واقعة، لكنه الشعب صانع الموت للذي يستأهله، هي ثورته، وهي إرادته.
دولة الفطر دولة تونس، والشعب الطيب الشعب التونسي، أقاموا عليهما دكتاتور بعد دكتاتور، زين الديك بن علي، ولأول مرة في تاريخهما أجمعت السي آي ايه والكيه جي بي عليه، وصار مصير تونس شرقيا تارة وغربيا أخرى. ربما لسحر شواطئها، ولكن حتما لموقعها الجغرافي، ولدورها السياسي، ولعقدة اسمها قرطاج. لهذا تجد الشرق معجبا والغرب بإنجازات الطاغية في مادة حقوق الإنسان وحضارة الهريسة.
أبهذا القدر صنعوا النظام على صورة الهراوة، وظل النظام ضعيفا؟ ماذا يعني إذن اعتقال الكلمات المعارضة وتشديد الضوابط على المحامين؟ فمن سيدافع عنا في هذا المصاب؟ ومن سيقول عنا للمجرم مجرما وللسفاح ابن السكين؟ لنخلع عنا أجسادنا إذن، ولنحوّم أرواحا مع الطيور كي نحميها من بنادق الصيد، فملائكة النظام هؤلاء يحبون أكل الحمام، ومنذ ربع قرن لم يكفهم قتلها وقتلنا.
تونس اليوم في حداد... يا ابن عليّ، ماذا تبقى من لحمنا كي نطعمك لحمنا؟ أم أن صنفك من آكلي لحوم البشر الذين تسعدهم الجماجم؟ افتح زنازينك إذن، وخلّنا نشم رائحة الدخان، فالمحارق قد غدت سعادتنا. أما تونس، فلن نتركها لك عروسا، تغتصبها ولن نتركها لك زوجة بعد أن زوجناها للعواصف. الموت هو طريقك إليها والينا، فنحن هي، وهي نحن. القتل مهنتك، والتنكيل، والهوس بمجد هو في حقيقته ذل.
سيلدك الجنون كما ولد من قبلك هتلر وشاوشيسكو وأمين دادا، ولكنها ستهزمك شر هزيمة، فاطمة التونسية، التي هي أختنا وأمنا وابنتنا. ستتذرع بخطر الإرهاب والتطرف الديني لقمعها وكل معارضة سلمية، قانون مكافحة الإرهاب في العام 2003 قد جاء من أجل اعتقال عشرات الشبان الذين من بينهم المتزلجون على أمواج الإنترنت أو أعضاء حركة النهضة الإسلامية، ولانتزاع اعترافاتهم. التعذيب خير وسيلة، أما المعارضون والمدافعون عن حقوق الإنسان، فيخضعون لمراقبة شديدة، مثلهم مثل السياسيين الذين أطلق سراحهم، وحرموا من العمل ومن جوازاتهم، ثم تأتي يا ابن عليّ، وتوزع على الشعراء النياشين، وتترك للبنتاغون مهمة تدريب جيشك، وهذا مجرم الحرب رامسفيلد المبسوط منك يصرح: "لطالما كانت تونس أحد أصوات الاعتدال والتسامح الهامة، والتي لعبت دورا رئيسيا في مواجهة المتطرفين لا في هذا البلد فحسب، بل في المنطقة كلها…"! فهل تركتهم أيها المعتدل المتسامح يحققون في سجونك ليكون لك شرف إخماد كل أشكال المعارضة السلمية، حرية الصحافة، ومشاركة الرأي العام في العملية السياسية؟ جميل هذا "التطرف" الذي يغدو ذريعة لإشباع وحش السادية فيك، ولكنك لا تقوم بما عليك أن تقوم بشكل نظيف، فتضطر أسيادك الأمريكان بدعوة تونس الى "تسريع الإصلاحات التي تخلق فضاء سياسيا أكثر انفتاحا وحيوية يتمكن فيه جميع الأطراف ومنظمات المجتمع المدني والسجناء المفرج عنهم من العمل بحرية" (نقلا عن هيومن رايتس ووتش) هذا ما يدعى بالوقاحة، احتقار العرف والتقاليد والرأي العام والأخلاق الشائعة، الاستخفاف، الصلافة، وباختصار ما يقال عنه في الفلسفة "ال***ية"!
دنيا الرأي