دور الإعلام الحر في بناء المجتمع-2

دور الإعلام الحر في بناء المجتمع

(2)

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

كان الناس في السابق الغابر لايعرفون إلا سلطة الفرعون أو القيصر أو الإمبراطور أو الزعيم ،الذي كان حوله فئةٌ من الأعوان بمُسميات عديدة ، تقوم بمقام السحرة في الإغواء والتضليل وتقديس الحاكم والتهليل بعظمته ، - تماما كما هو الحاصل الآن على أرض سورية -، ثمّ تطورت الأمور فيما بعد في مُنتصف القرون الوسطى  لتُصار الأمور في الغرب إلى المُشاركة بما عُرف بنظام الطبقات – النبلاء ورجال الدين - فساءت الأمور أكثر من السابق ؛ ودخل الغرب في صراعات عنيفة كادت أن تقضي على وجودهم وكياناتهم ، في نفس الوقت الذي كانت تنبعث منه في الشرق حضارة جديدة ظهرت على على دنيا الوجود عنوانها " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" وأيضاً من عناوينها " وأمرهم شورى بينهم " ولا شك إنها الحضارة الإسلامية التي دخلت في صراع مع الغرب المُتخلف حينها الذي كان يعيش في أسوأ ظروفه وأحلك أيّامه، ثُمّ احتكّت الحضارات ببعضها بسبب فطرة التدافع ، وتطورت المفاهيم الإنسانية إلى صناعة المؤسسات ، التي نتج عنها في نهاية المطاف سُلطات ثلاث ، تنفيذية وتشريعية وقضائية ، تُدير شؤون البلاد ، ولكن هذه المؤسسات أصابها الفساد بسبب عدم وجود جهات رقابية عليها ، إلى منتصف القرن الثامن عشر ومطلع القرن الذي يليه ، ظهرت فكرة السلطة الرابعة الرقابية والجماهيرية التي ينبع تأثيرها وقوتها من مدى التأثير في الرأي العام الحر ، الذي يؤهلها في بعض الأحيان لأن تكون سلطتها أقوى من كل السلطات)

هذه السُلطة الإعلامية الرقابية المُحركة والأكثر فاعلية في التأثير بالرأي العام لكشف الفساد والمفسدين وأماكن الخلل هي التي يُحاربها طُغاة العصرفي سورية ، فمثلاً لم يدخل الهوائي إلى البلاد لالتقاط الفضائيات إلا عام 2002 بينما كل بلدان العالم أدخلت ذلك منذ أوائل التسعينات وما قبل ذلك ، بدعوى الحفاظ على الأخلاق والقيم ، في نفس الوقت الذي كانت فيه تلك الفترة تجتاح سورية العديد من القنوات الإباحية من تركيا وإسرائيل عبر اللاقط الأرضي وبعض الأجهزة التي وفرتها السلطة لأجل ذلك ، مما يُسقط الحجّة الواهية التي علقت السلطة الغاشمة شمّاعتها عليها، ومثل ذلك  فعلوا بالتليفونات السيّارة التي لم يسمحوا بها إلا بعد أن صار التمسك بالمنع فضيحة استبدادية لايمكن السكوت عنها ، وبعدما أن أدركوا أنّ من وراءها المكاسب المادّية الكبرى ، فأسندوا عطاءاتها إلى ابن مخلوف الذي لهف من وراءها مليارات الدولارات مُقاسمة مع أسرة بشار الأسد وإخوته وأصهرته ومُقربيه ، هذا عدا ليكونوا العين التجسسية على مُكالمات البشر لمُحاربتهم في أرزاقهم وأعمالهم والتنصت عليهم

ومن هذه المُعطيات نُدرك الأسباب الحقيقية لمحاربة هذه السلطة الغاشمة لكل ماهو إعلامي أو إعلام حتى بتنا نجد ضحايا ألنت من المُعتقلين ما يندى له جبين الإنسانية ، ويُحكم على المُستخدمين له بالسنين الطوال ، وهم – أزلام السلطة-الذين طبّلوا وزمّروا أول اغتصاب الدكتاتور بشار للسلطة بأنه رجل المعلوماتية ، حتّى ظنّ الناس أن كل مواطن سيمنح حاسوب وتُسهّل عليه الأمور للدخول في عالم ألنت وعالم بحر العلوم ، الذي صار وبالاً على الناس وسبباً إضافياً لمُلاحقتهم أو اتهامهم بأنهم يستخدمون هذه الخدمة ، التي من خلالها يستطيعون أن يتواصلوا مع العالم أجمع الذي صار عبارة عن قرية صغيرة يصعب على هذه الحفنة المتسلطة السيطرة على إرادة الناس وشوقهم للتطلّع إلى أجواء الحرية والعالم الرحب الواسع الفسيح ، وليس سجنهم في حدود الوطن ليمنعوا عنهم كلّ شيء من أجل بقاء هذه الأسرة على كرسي السلطة الذي لن يدوم لهم مادام فينا عرق ينبض ، وما دام شعبنا قد قرر التحرر من مُغتصبيه

على كل حال مما لاشكّ فيه أن الإعلام يُشكل الخطر الأكبر على الطغاة وعلى الفاسدين ، الذين يرتكبون أفظع الجرائم بحقّ شعبنا قتلاً واضطهاداً وتشريداً وسلباً ونهباً ، وفوق كلّ هذا أحكام جائرة ومُستمرّة على أحرار سورية ، وضياع لثروات الوطن والمُدخرات لصالح القلّة القليلة المُسيطرة على مقاليد البلاد وحرمان المُجتمع بأكمله من ثروات البلد ،  حتى صارت نسبة المواطنين ممن هم مادون خط الفقر أكثر من 70% من سكّان سورية ، وكل هذا يجري في ظل غياب كامل للسلطة الرقابية الإعلامية الممنوعة والمُحاربة ، والتي مُعظم رجالاتها إما خارج البلاد أو وراء القضبان ، أو مكممي الأفواه وممنوعين عن الكلام ، بينما هذه السلطة تقوم على استيراد المرتزقة من المحللين والإعلاميين من الدول العربية ليُسوقوا لها سوء أعمالها ، في نفس الوقت الذي عجزت فيه أن تأتي من أبناء الوطن الوطنيين من يفعل لها ذلك ، أو يُحلل جرائمها بحق شعبنا ومُناضلينا ، إلا من بعض المرتزقة الذين يأتون ليكحلوها فيعمون صورتها من نتانة أفكارهم وسوء قراءتهم للأحداث ، وبالتالي أي مُجتمع متقدم يُمكن أن يُبنى في ظل وجود أمثال هؤلاء ، وأي مجتمع راق سيُبنى بعيداً عن سلطة المراقبة والمحاسبة والتشهير بالمُخالفين والأفاقين

وأخيراً : لابد أن نسعى كقوى مُعارضة إلى تكوين الوعي بضرورة إقامة المؤسسات الوطنية القوية التي تُعنى بحقوق الإنسان وتُدافع عنها ، وبالتالي علينا أن ندعمها ونُحاول إمدادها بدعم المنظمات المثيلة لها العربية والدولية للنهوض بها ، وأن نجعل من قضية شعبنا المقموع قضية إنسانيةً دولية لها الأولوية على صعيد العالم لشدّة مظلومية أهلها ، فلا بدّ أن تتقدّم الصفوف لإظهارها إلى العلن لاستنهاضها ، ولتُعلن عن نفسها وتقف أمام انحرافات وجبروت هذه السلطة الغاشمة بكل جرأة ، وإذا مانجحنا في ذلك فمن غير الممكن أن يستطيع نظام أسرة البشّار أن يُمارس سياسة الإذلال والقهر على الناس ، وسوف لن يستطيع الاستمرار في غيّه وجبروته وإعادة بلادنا الى العهود الغابرة والمُظلمة، والذي لاشك في آخر المطاف سيتنازل مُرغماً رغم أنفه لصالح القوى الوطنية ولصالح الشعب ، الذي وصل إلى غاية الاستياء من نظامه وظلمه وجبروته ، وينتظر ساعة الخلاص للقضاء عليه ومحاسبته