هكذا يعامل المتفوقون في النظام الأسدي
هكذا يعامل المتفوقون في النظام الأسدي
د.خالد الأحمد *
نشرموقع كلنا شركاء الخبر التالي :
المتفوق عارف حنوش : فتى نحيل في السادسة عشرة بدأ بعض الزغب يظهر على وجهه وشارباه لم يخطّا بعد... كرمه رئيس الجمهورية لتفوقه في الشهادة الإعدادية .. وبعد :
تم توقيفه يوم الثلاثاء 14/8/2007 فجراً مع خمسة أطفال آخرين على خلفية أحداث الشغب في قرية المزرعة... وأطلق سراحه يوم الخميس 30/8/2007 .
تنقل عارف خلال تلك المدة بين السجون والمحاكم... والدواليب والشتائم ، في زنزانة طولها مترين وعرضها متر ونصف يزج بها تسعة أطفال بعد تعرية أجسادهم حتى من الثياب الداخلية.. ساعات تنتظرهم للحصول على دور لدخول دورة المياه....
الاعتقـــال :
عناصر الأمن الجنائي داهموا البيت الساعة الثالثة والنصف فجراً ،وفي الصباح بدأ التحقيق مع أحد الشبان ليعود والدموع تنزل من عينيه على أثر الدولاب فتسرب الخوف إلى قلب عارف ورفاقه في الزنزانة كما يروي وفي اليوم الثالث من التوقيف وبعد دواليب رفاقه في السجن يسرد عارف قصة التعذيب...
يقول عارف : لم أكن في القرية ساعة وقوع الأحداث إنما في بيت أقاربي في إدلب.. لم يصدقني المسؤول ...!!! ثلاثة من عناصر الأمن الجنائي يوقعوني أرضاً ويضعوا قدمي في الدولاب يبدؤون الضرب بطريقة غير معقولة ...استمروا قرابة الربع ساعة بضربي... بعدها أخذني العناصر إلى الباحة وأمروني بالركض كي لا يظهر على قدمي أثار الضرب والورم ورشوا أقدامي بالماء بعدها أعادوني إلى النظارة واستمر مشهد التحقيق بشكل يومي...
ومسؤول السجن يريد منا أسماء.. ولم يصدق أنني لم أكن في القرية عندها قلت له بعد أن طلبني مرة أخرى للتحقيق :لا أستطيع أن أقدم لك أسماء أشخاص على أساس أنهم كانوا ضمن المشكلة وأظلمهم...عندها قام مسؤول السجن بإسقاطي على الأرض ووضع قدمه على وجهي وأدخل حذائه بفمي إلى أن خرج الدم من فمي، وكان لحظتها غاضباً جداً وضربني ضرباً مبرحاً على قدمي وأمر بأن أركض في الباحة لتزول أثار الضرب عن قدمي...
الشــتم لغـة الأسديين :
شُتِمتُ كثيراً بعبارات ... ومرةً قلت له: سيادة مسؤول السجن أنا طالب مدرسة أريد أن أدرس وأصبح مثلك ضابط شرطة ،فأجابني :"أنت يا ....... بدك تصير متلي ياابن ..... ؟!! يلعن ......؟؟(نعتذر عن إيراد الشتائم لأنها لا تراع الآداب الأخلاقية..!!)..
كان الجنود يضربون على الباب الحديدي بعد منتصف الليل كي لا نستطيع النوم وفي اليومين الأخيرين لم نستطع النوم أبداً, لم يقدموا لنا لا الطعام ولا الشراب...ولولا أهلنا كنا بقينا بلا أكل وبلا شرب,
زنزانة (2 × 1.5 ) لتسع أشخاص
تم تحويلنا إلى سجن (البالونة) يوم الخميس 23/8/2007 وهناك كان الذل الأكبر شتائم وضرب ,وتم أمرنا بخلع ثيابنا كاملةً حتى من الثياب الداخلية بانتظار التفتيش بعدها أخذونا إلى زنزانة مترين بمتر ونصف وتم وضع تسعة أحداث بهذه الزنزانة , ودورات المياة متسخة ومقرفة وكانوا يخرجونا اليها جماعياً بالدور وننتظر ساعتين أو ثلاث ليحين دورنا، أما المياه فمتسخة ,وطعمها سيء لا يمكن شربها,الأرض والبطانيات وكل شيء متسخ ...
خلال أربعة أيام في سجن البالونة كنا ندعي الله بأن يتم تحويلنا إلى أي سجن أخر غير البالونة وكنت أفكر باللحظة التي سيتم خلالها إطلاق سراحي لأعانق والدتي ... اشتقت إليها واشتقت لأبي واشتقت لأخوتي... وخفت أن تذهب علي الدراسة في هذا العام... خاصة أننا لم نحول إلى القضاء والمدرسة اقتربت مواعيدها
بعد 17 يوماً من العذاب والتنقل بين مخفر وأخر وزنزانة وأخرى أحس أني كبرت 17 عاماً والخوف يداهمني في كل لحظة من العودة إلى السجن ...أتمنى لرفاقي الذين بقيوا في السجن والذين عشت معهم هذه الفترة القاسية نأكل ونشرب وننام ونتعذب سوياً أن يخرجوا قريباً, ولأصدقائي في المدرسة أتمنى أن لا يذوقوا هذا العذاب وإذا رأوا شخصاً يموت أنصحهم بأن لا يقتربوا منه.!!
في النهاية سألنا عارف ماهي كلمتك الأخيرة ؟ قال :
كلمتي الأخيرة:" ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ...نحن بشر ولسنا كلاب ...
التعليــق :
لابد من الاعتراف بالواقع ، فهذه الزنازين في عهد الأسد الصغير ، كفنادق خمس نجوم إذا قورنت بزنازين الأسد الكبير ، كزنازين تدمر ، وفرع فلسطين ، وكفر سوسة ، وغيرها ... ومعنى ذلك أن سوريا تقدمت في عهد بشار الأسد ، فبدلاً من أن يزج بالزنزانة الواحدة (2×5ر1) ( 20- 30 ) شخصاً في عهد الأسد الكبير ، من الكهول والرجال ، وفيهم من ذوي الأجسام الضخمة ، يضعون الآن فيها ( 9) أشخاص فقط ، وخاصة أنهم أطفال أجسامهم صغيرة ...
وبعد (17) يوماً أفرج عنه ، أما الرهائن الذين اعتقلوا عام (1982) في عهد الأسد الكبير ، فقد أفرج عنهم عام (1992م) بعد عشر سنوات فقط .
والميزة الثالثة أن أهل عارف كانوا يعرفون مكانه ، ويبعثون له الطعام والشراب ليأكل ، وهذه رفاهية ماحلم بها المعتقلون في عهد الأسد الكبير ، بل أن ذويهم لايعرفون مكانهم ، ولايعرفون إن كانوا على قيد الحياة ، أم صاروا أمواتاً في القبور ، أم في أخاديد جماعية في سفح جبل عويمر قرب تـدمـر ، ومازال سبعة عشر موقوفاً سورياً من المفقودين ، ولاتذكر السلطة عن أماكن وجودهم أحياء أو أموات ...
هذه حقيقة وأنا لا أحيد عن الحقيقة ، لقد خفت حدة التعذيب في عهد الأسد الصغير عن عهـد الأسـد الكبير ، كما ترون من تعذيب هذا الطفل المتفوق ....
* كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية