محنة التركمان والشبك والمسيحيين وغياب قواعد الحماية

محنة التركمان والشبك والمسيحيين

وغياب قواعد الحماية

أحمد جويد

مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

إعلانات ومبادئ وقواعد واتفاقيات حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ووثائق توفير الحماية الجنائية لحقوق الإنسان في حالة النزاعات المسلحة، هي من صلب القانون الدولي الإنساني بمفهومة العام، وهو عبارة عن مجموعة الأحكام والقواعد الدولية المكتوبة أو العرفية وتشمل صكوك دولية تتضمن تلك المبادئ والقواعد، وقد حدد القانون الدولي الإنساني الأفعال المحظورة أثناء تلك النزاعات وتشمل هذه الحماية اتفاقية قواعد وأعراف الحرب وحماية حق الملكية الفردية والجماعية وفقا لاتفاقية لاهاي1907 واتفاقيات جنيف 1949 الأربعة والبروتوكولين الإضافيين الملحقين بتلك الاتفاقية لعام 1977.

 وقد انصبت اتفاقيات جنيف التي اعتمدت قبل 1949 على المحاربين فقط، دون المدنيين. وقد أظهرت أحداث الحرب العالمية الثانية العواقب الوخيمة التي نتجت عن غياب اتفاقية لحماية المدنيين في زمن الحرب. وعليه، أخذت الاتفاقية المعتمدة في عام 1949 في اعتبارها تجارب الحرب العالمية الثانية. وتضم الاتفاقية المشتملة على 159 مادة، ضمنها مادة قصيرة تُعنى بحماية للمدنيين عمومًا من عواقب الحرب، لكنها لم تتصد لمسألة الأعمال العدائية في حد ذاتها إلى أن تم مراجعتها في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977.

 ويتناول معظم مواد الاتفاقية مسائل وضع الأشخاص المتمتعين بالحماية ومعاملتهم، وتوضح مواد الاتفاقية أيضا التزامات قوة الاحتلال تجاه السكان المدنيين، وتضم أحكاماً تفصيلية بشأن الإغاثة الإنسانية في الإقليم المحتل. كما تضم نظاماً معيناً لمعاملة المعتقلين المدنيين، وثلاثة ملحقات تضم نموذج اتفاقية بشأن المستشفيات والمناطق الآمنة، ولوائح نموذجية بشأن الإغاثة الإنسانية، وبطاقات نموذجية.

 وتنص المادة 3 المشتركة على القواعد الأساسية التي لا يجوز استثناء أي من أحكامها، حيث يمكن اعتبارها كاتفاقية مصغرة ضمن الاتفاقيات تضم القواعد الأساسية لاتفاقيات جنيف في صيغة مكثفة، وتُطبق على النزاعات غير الدولية: وتطالب بمعاملة إنسانية لجميع الأشخاص المعتقلين عند العدو وعدم التمييز ضدهم أو تعريضهم للأذى وتحرم على وجه التحديد القتل، التشويه، التعذيب، المعاملة القاسية، اللاإنسانية المهينة، احتجاز الرهائن، والمحاكمة غير العادلة.

الأبرياء ودوامة العنف

 ربما تأخذ صورة الأحداث المتسارعة في العراق هذه الحالة من النزاعات، لأن المسلحين المتواجدين على أراضيه هم تابعين لدول أخرى ويشترك معهم آخرون من الداخل يخوضون قتال مسلح غير منضبط. فالعمليات العسكرية للمسلحين في العراق في معظمها توجه ضد فئات كثيرة لا شأن لها بالنزاع الدائر بين القوات المسلحة للدولة وما بات يعرف بتنظيم دولة العراق والشام "داعش"، بحيث انصب جم غضب هذا التنظيم على الأبرياء من المدنيين وبالتالي صاروا أهداف مباشرة لأسلحة هذا التنظيم.

 وقد افرز هذا الاستهداف نزوح العشرات من العوائل في شمال العراق تم تهجيرها والاعتداء عليها وعلى ممتلكاتها من قبل مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، في ظروف صعبة وقاسية وفي ظل نقص حاد في المواد الغذائية وقلة المأوى، ولم يكن هناك خيار أمام العوائل سوى الفرار للنجاة بحياتها وحياة أطفالها أو الموت المحتوم. فدوامة العنف التي تطارد المدنيين بكل قسوة ووحشية تاركة أغلب النازحين في حيرة من أمرهم في العراء بحثاً عن ملجأ آمن من الموت الذي يطاردهم وهي واضحة المعالم، تنطلق من خلفيات طائفية.

المناطق المستهدفة

 لقد تعرضت أغلب العوائل التركمانية والشبكية لويلات كبيرة مرت بها خلال تهجيرها من مناطق تلعفر وسهل نينوى وشيخان وطوز خرماتو عقب دخول المسلحين المتشددين إلى مناطقهم وإحراق بيوتهم ونهب ممتلكاتهم وقتل الكثير منهم، ولم يحل طلبهم للاستغاثة والنجدة من الجهات الدولية والإقليمية والمحلية دون ملاحقتهم من شبح الموت.

 وبالتالي خلفت أفعال الجماعات الإرهابية وصمت المجتمع الدولي كارثة إنسانية كبيرة نتيجة لإنتهاك تلك الجماعات لجميع القوانين الإنسانية والسماوية والأعراف الدولية في أوقات الحرب وما تتضمنه من قواعد وأعراف ونتيجة لتجاهل المجتمع الدولي استغاثة تلك العوائل وتوفير المساعدة الكافية لحماية المدنيين العزل والنساء والأطفال والممتلكات الخاصة.

مأساة النازحين

 طال هجوم تنظيم "داعش" على شمال العراق مأساة إنسانية كبيرة بين صفوف المدنيين، متسببة بنزوح الآلاف من العائلات باتجاه مناطق ومحافظات مجاورة أكثر أماناً واستقرارا، بينما ما يزال النازحون في توافد متواصل للمغادرة قبيل اقتحام المدن التي خضعت لعناصر هذا التنظيم وقد اتخذ تحصن المسلحين داخل المدن والقصبات ملاذاً ومنطلقاً لعملياتهم المسلحة.

 وبحسب معلومات حصل عليها "مركز آدم" فإن فرق الهلال الأحمر "سجلت نزوح أكثر من واحد وثمانين ألف عائلة من مختلف مناطق محافظة نينوى إلى عدد من المحافظات الشمالية وبعض المحافظات الجنوبية". وأشار بيان جمعية الهلال الأحمر إلى إن "عدد العوائل النازحة إلى محافظات الإقليم الثلاث بلغ أكثر من (63) ألف عائلة لغاية نهاية شهر حزيران، موزعة على مختلف مناطق أربيل ودهوك والسليمانية فيما توزع أكثر من (11) ألف عائلة على مناطق سنجار والحمدانية وسهل نينوى وطوز خورماتو فيما توزعت ستة آلاف عائلة على محافظات ديالى وواسط والنجف والديوانية وميسان، وفي بداية تموز – وبداية شهر رمضان- تم تسجيل وصول عشرات الآلاف من العوائل إلى المنطقة الممتدة بين النجف وكربلاء متخذةً من المواكب الحسينية الممتدة على الطريق ملاذا لها للسكن كي تتقي حر الصيف اللاهب.

 معظم تلك العوائل تعاني من عدم جود سكن وقلة الطعام ونقص في المياه الصالحة للشرب، وقد شغلت أغلب العوائل النازحة بنايات المدارس وبعض الهياكل الفارغة وقسم آخر من النازحين تم إيوائهم في مخيمات بين أربيل ونينوى.

 هذه الظروف الصعبة اضطرت بعض العوائل أن تخاطر بنفسها وتعود إلى مناطق سكناها مفضلة الموت على ذل التشرد في العراء وسوء التغذية والذي قد يتسبب بإصابة الأطفال والنساء وكبار السن بأمراض خطيرة.

تجنيد الأطفال كدروع بشرية

 عمد المسلحون من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في أغلب المناطق التي سيطروا عليها باستخدام المدنيين كدروع بشرية في مواجهة القوات الحكومية التي تحاول استعادة السيطرة على المدن التي خرجت من تحت سيطرتها، وبقيت تلك العوائل رهينة لتصرف التنظيم المسلح الذي يحاول أن يتمترس بالأطفال والنساء بعد أن يقوم بعمليات إعدام جماعية للشباب من الرجال والقادرين على حمل السلاح، كما عمد التنظيم إلى استخدام الأطفال كمقاتلين في صفوف المسلحين من التنظيم وزجهم في المعارك، وهو أسلوب ينتهك جميع الاتفاقيات والمواثيق الدولية والإنسانية، وبالتالي صار الأطفال أداة حرب أما أن يقتلوا خلال المعارك أو يكون لهم مستقبل إجرامي داخل المجتمع.

 العنف الجنسي "فتوى النكاح"

 عشرات الآلاف من النساء والفتيات يتحملن وطأة الحروب والنزعات المسلحة. ويعزى ذلك غالبا إلى استهدافهن عمدا من باب التكتيك الحربي. وهن يتعرضن بشدة للعنف الجنسي والإصابات الأخرى. وتضطرهن الحرب في كثير من الأحيان إلى النزوح والانفصال عن أفراد عائلاتهن، وتعوقهن عن الحصول على الأغذية ومياه الشرب المأمونة والرعاية الصحية. وقد تجبرهن على إعالة أسرهن وتحمل مسؤولية كفالة عائلاتهن.

 ويشكل العنف الجنسي على نحو لا لبس فيه جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، ومع ذلك، فإن الأعمال الوحشية المتمثلة بالاغتصاب تحت عنوان "نكاح الجهاد" والمتواصلة ضد النساء في المناطق التي سيطرت عليها الجماعات المسلحة شمال العراق ليست سوى تذكرة مروعة بأن القواعد القائمة تنتهك بشكل صارخ ودون عقاب في غالب الأحيان.

وعواقب استخدام العنف الجنسي كسلاح حربي يتعدى بكثير الأذى الشديد والصدمات النفسية الذي يصيب ضحاياه المباشرين: قد تؤدي هذه العواقب إلى زعزعة استقرار المجتمعات بشدة لفترة أطول حتى في مرحلة ما بعد النزاع. وقد ينجم عنها في نهاية المطاف وصم الضحايا بالعار ونبذهم، وانهيار المعايير الاجتماعية والثقافية، وعدم الاستقرار الاقتصادي. وإن وضع النساء في فئة الضحية السلبية يسلبها القوة ويفضي إلى نتائج عكسية، ويقصيها أكثر عن المشاركة في الجهود الإنسانية وجهود حفظ السلام.

التطهير الإثني

 العذاب الذي يتكبده السكان المدنيين والأكثر إيلاماً في حالة أي نزاع مسلح أو احتلال أجنبي للأراضي، هو تعدد أعمال الإبادة الجماعية وممارسة "التطهير الإثني" وتفشي الاغتيالات وتهجير الأشخاص بالقوة واللجوء إلى القوة لمنعهم من العودة إلي ديارهم وأخذ الرهائن وأعمال التعذيب والاغتصاب وحالات الاحتجاز التعسفي، علما بأن كل هذه الأعمال هي انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، وقد تعرضت منطقة تلعفر التابعة لمحافظة نينوى شمال العراق والتي تسكنها غالبية تركمانية ومنطقة طوزخرماتو وشيخان والتي تسكنها ذات الأغلبية من التركمان والشبك إلى تطهير شبه كامل من سكانها الأصلين.

 فالانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني تتمثل في الأعمال الرامية إلي طرد السكان المدنيين من مناطق معينة، بل إبادتهم، أو نشر الذعر بينهم، وأعمال العنف أو الرعب التي تجعل المدنيين محل الهجمات، بقصد تركهم لمناطقهم بالقوة وعدم العودة لها حتى بعد انتهاء الأعمال المسلحة.

الإسلام.. الجزية.. القتل

خلال أربع وعشرين ساعة فقط، يجب على المسحيين في الموصل أن يختاروا واحدة من ثلاثة أما (اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو القتل)، هذا هو الإنذار الأخير الذي وجهه تنظيم "داعش" للعوائل المسيحية القاطنة في الموصل منذ مئات السنين، الأمر الذي اضطر 350 عائلة مسيحية الهرب من الموصل واللجوء إلى أي مكان آخر يجدون فيه حماية لأنفسهم، ورغم تركهم لمنازلهم تم سلبهم جميع ما يملكون من أموال وحلي وأجهزة اتصال لتصبح أموالهم المنقولة وغير المنقولة غنائم لأفراد تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية.

ويقدر عدد المسحيين في الموصل 5000 شخص لم يبقى أكثر من 200 شخص على أكثر التقديرات، كما قامت المجاميع المسلح بسلب الأدوية التي كان يحملها بعض المرضى أثناء تركهم لمساكنهم والنزوح عنها، وبالتالي تركوهم عرضة لخطر الموت في ظل ظروف أمنية ومناخية ومعيشية قاسية جداً، ولم يعهد لهم أن مروا بها من قبل.

التوصيات

1- على المجتمع الدولي أن يدين جميع أعمال العنف التي ترتكب ضد المدنيين الذين تم استهدافهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في مناطق التركمان والشبك والحمدانية وبعشيقة، كما يجب أن يدين أيضاً العنف الجنسي الذي ترتكبه الجماعات المسلحة في المناطق التي تسيطر عليها، والتأكيد على إن الاغتصاب والإكراه على الدعارة "جهاد النكاح" اللذين يرتكبهما أفراد تنظيم "داعش" إبان النزاع المسلح أو بتحريض من أي طرف في نزاع يمثلان جرائم حرب.

2- إن السكان المدنيين الذين يكونون في عوز يحق لهم الانتفاع بأعمال الإغاثة الإنسانية وغير المتحيزة، وفقا للقانون الدولي الإنساني، وأن يحظى النازحون برعاية واهتمام كبيرين لحين توفير البيئة الآمنة لهم في المناطق التي تم تهجيرهم منها.

3- حق العودة مكفول لجميع السكان الذين تم تهجيرهم من مناطق سكناهم الأصلية بقوة السلاح أو استخدام أي نوع من أنواع العنف والإكراه ضدهم وإجبارهم عن التخلي عن أوطانهم.

4- أهمية توصل المنظمات الإنسانية بلا قيد ولا شرط في فترة النزاع المسلح إلى السكان المدنيين الذين يتعرضون لمخاطر التهجير بالقوة أو الذين يتم احتجازهم في مناطقهم من قبل المسلحين، وفقا للقواعد المنطبقة للقانون الدولي الإنساني، وفتح الممرات الآمنة لفرق الإغاثة.

5- أما بالنسبة للعنف الجنسي، فيحتاج التصدي لهذه العواقب إلى استجابة متعددة الأبعاد من الضروري أن يشارك فيها على نحو مباشر ضحايا العنف الجنسي أنفسهن ونساء معنيات أخريات. ويجب أن تشارك المرأة مشاركة كاملة في البحث عن حلول لمشاكلها إذا أردنا لهذه الحلول أن تكلل بالنجاح. ويجب على منظمات الإغاثة والجهات المانحة، بما فيها الدول، أن تسعى إلى ضمان دمج ذلك في برامجها في جميع مراحل النزاع المسلح - من الوقاية إلى الحماية وصولا إلى الانتعاش في مرحلة ما بعد النزاع.

6- أن يتم توثيق جرائم التهجير من قبل المجتمع الدولي لتكون أحد أدلة الإدانة ضد جماعات "داعش" ومن يقوم بتمويلهم ودعمهم ليتم ملاحقتهم عبر المحاكم الدولية.