حصاد النجوم

مَن هناك؟ 

الليالي التي تشد على البطون الجريحة 

ختمت لتوها قراءة التفاصيل والقراراتْ 

واستنجدت بالعصي الجاهزة 

فانتظم الصمت والسكون، 

من أكون؟

هكذا انزلقت أخيرا 

أنا الجالس على المسطبة الأثرية 

لتدخل الأحلام الموروثة إلى رأسي كالنمل 

أنا الآن بيت يختزن المؤونة الصيفية 

للرحلة الشتوية المرتقبة، 

وتدخل النملة الصغيرة فالأكبر والأكبر 

وأنا الجالس على المسطبة الأثرية 

يقبل الترك نحوي حاملين خوازيقهم 

الأصغر فالأكبر والأكبر 

ويتبخر مني الماء وأجف كعيدان المشمش

ثم تراودني عن نفسي أمم شتى،

فدعني أحصي النجوم هذا المساء

واحدة، اثنتان، ثلاث

لا لا تقاطعني.......  

للقصور نجومها

للمدائن نجومها

وللخرائب أيضا

واحدة اثنتان ثلاث......

ها هو العشب النابت على الأسطح 

المنهالة يحتفلُ بالنجوم

ويعشق الأرانب الصغيرة في ضوء القمرْ، 

وحين تقترب الكلاب التي "تفرفر" 

على الحجارة المبعثرة، 

يهتز قليلا فتفرّ الأرانب إلى جحورها

وتصرخ الصغيرة 

وينادي الصغير 

وتتململ الزوجة التعسة

ونهار آثم آخر يتحفز مقبلا، 

واحدة اثنتان ثلاث

إنها جميلة وبعيدة

لعبة مسلية! 

من هناك؟

كنا صغارا وكنا 

نتكاثر بلا حدودْ 

لم تتسع لأحلامنا الشوارع المقنطرة 

والبيوتُ التي تتشابك ببعضها

عابقة بروائح الطابون والأحطاب المشتعلة

لكننا أحببناها حتى الموت،

سعال العجائز والزعوط ورائحة البارودْ

والدوي المتفجر كل صباح، 

وبائع المثلجات

وآخرٌ يقايض النحاس بالقضامة 

يقايض الرصاص بالزبيب

كنا صغارًا

وجهٌ يطل في المساء متعبا وآخر يغيب 

وآخر يدق في المذياع قبضةً 

ويشتم البعيد والقريبْ 

كنا صغارا 

أيّها الحبّ السنونو حين رفرفت خيالا 

وشغافُ الأفئدة، قرعت أجراسها

أيها الحب الذي هلَّ احتفالاً ثم ولى 

تاركاً فينا جنازة، 

هوَ ذا الميت الذي يرفض قبرَه 

كلما شيعه الأهل صحا

يَحْطم التابوتَ أو يعلن كفرَه 

فتدبر أنت أمرَه

إنه الوقت الذي يدرك الشمس فتصحو 

إنه الوقت الذي يكتم سر الشهرزاد

" قلت لها نامي

لكني لن أنم " 

أغلقي الأبواب جيداً والنوافذ التي تتسلل منها أعين العسس

سوف أدخل الآن إلى طقوسي التي 

تنتظرني:

هو ذا يدير مصباحه اليدوي في أرجاء الغرفة 

ويشهر المسدس ويصيح في فراغ النافذة: 

أُخرجْ أو أطلق الرصاص، 

وتتحفز كوفيته الأصيلة جدا؛

 لتطوق السواعدَ الفتية:

أُخرجْ أو أطلق الرصاص...أُخرج، 

ها هو هم هما حصانهم وهم، 

رجال الدرك الجندرما: 

أُخرجْ أُخرجْ أو نبقى  

والدُك الأعمى يبصرنا إذا يتحسس 

لحيته المنتوفة َ 

والبيتُ جميلْ: 

أخرجْ أخرجْ  

تفتّحي أيتها الجراح 

أيتها الحدائق البرية 

هنا السهول والجبال والشواطئ المضمخة، 

في الحفر الحمراء في وحولك الحمراء ْ

في البرك البنية السمراءْ 

فوجٌ إلى فوجٍ يغوص حاملا ضجيجه 

أسمع نقرًا. 

أنتِ إذن يا بيضة النسرِ ويا قنبلةً موقوتة ً

أنت إذن يا حلم المجرة القديم، 

كأنك اختمرت بالدموعْ،

قشرتك الملسا تصدعتْ تشققتْ تحطمت ْ

ورأسه يعانق الهواء، 

وتنهض العينان 

وينهض الجناحْ

تفتّحي أيها الجراح،

في البركة البنية السمراءْ 

أرى فقاقيعَ الهواء الحي،

في هدأة السكون في السكون، 

دوائرٌ تموج، وتنهض الأصابع المجمدةْ 

وتشرئب قبضة ٌ تشد شعرَ الشمسْ 

ويومض الغضبْ

إنه الوقت الذي يلهب بالسوط التراب 

أسرعي يا بذرة النار أسرعي

كيف التقيتها؟

بحثت عنها طويلا تحت المطرْ 

سألت الحلزون الذي خرج لتوه مع الأعشابْ 

حدقت في التراب، 

في الصمغ العالقِ بالشجرْ

مددت يدي في الأعشاش المهجورةْ 

مزقت بيت العنكبوت عن الآبار وصحت 

وقفت تحت أقواس النصر وصفقت طويلاً، 

ثم مشيت في المواكب، 

ما شاهدتها قط 

لكنها ظلت تناديني،

الهواء المضمخ بالرطوبة الهشة يحمل أنفاسها 

والريح تلقي نتفا من شعرها على ملابسي 

قادمة قالت الريح وانتظرتُ طويلا،

كيف التقيتها؟

كانت الشمس قد أذبلت رؤوس الدجاجْ 

واستظل كلب بحائط السقيفة 

وفرت البلاد في نعاسها 

حين امتدت إليّ يد بكومة من الحروف والورق، 

أنتِ إذن أيتها الشعوب الساخطة، 

تناسخت دموعك التي تفوق ماء العالم 

تجدلت جذورك التي تشق صخر العالم

أنت إذنّ !

مَن هناك؟ 

فارس يتخذ الليل عباءةْ 

ماذا يريد؟؟ 

ربط الشهباء بالباب ونادى 

ماذا يقول؟؟

"لنا ابل لم تستجر غير قومها" 

أيها الفارس أدخل

كل شيء في فناء الدار رث يرتجف 

ألقه للشارع الرحب ومزق ثم مزق 

ثم مزق لا تخف 

واحدة اثنتان ثلاث....................

وسوم: العدد 805