معجم الموتيفات المركزيّة في شعر محمود درويش

حسين حمزة:

حيفا- الموقد الثقافي:

صدر عن مجمع اللّغة العربيّة في حيفا، معجم قيّم للدكتور الباحث حسين حمزة بعنوان: "معجم الموتيفات المركزيّة في شعر محمود درويش"، وهو عبارة عن دراسة تنتلق من  ارتكاز تجربة محمود درويش الشعريّة على محاور أساسيّة تنعكسُ في المكان، التاريخ، الأسطورة، الدين، الأدب والرموز الذاتيّة، التي أبدعها لتصبحَ دالّةً عليه وعلى معجمه الشعريّ، قام المؤلّف باختيار الألفاظ، الموتيفات والرموز التي تشكّل تجربتَه الشعرية في جميع مراحلِ تطوّرها.

تمّ اختيار الباحث د. حمزة الرموزُ والموتيفات الأكثرَ حضورًا  في تجربة درويش من كلّ محور، وقد جاء ذلك بناء على اعتبارين: الأول، الحضور الكميّ للرمز وللموتيف، سواء بقي هذا الحضور محتفظًا بدلالة واحدة أم طرأ تغيير على دلالته، وذلك نابعٌ من فرضيّةٍ أنّ تكرارَ الرمز أو الموتيف يدلُّ على أنّه مكوّنٌ هامٌ في تجربة درويش الشعريّة. والثاني، الحضورُ النوعيّ للرمز، فبعضُ الموتيفات برز في المراحل الأولى مثل موتيف "الصليب" ثمّ قلّ توظيفُه في المراحلِ اللاحقة بشكل كبير. وهناك بعضُ الرموز ظهرت بشكل واضح في مراحله الأخيرة مثل موتيف "الغياب". يساعد هذا الرصد على تَبيان مراحل تطوّر درويش الشعريّ، وهي ركيزةٌ أساسيّة في الشعر تدلّ بشكل مباشر على التحوّل في رؤيا الشاعر للواقع الذي يعبّر عنه، وتشكل جزءًا أساسيًّا في تمثيل تجربته الشعريّة.

 يلاحظ المؤلّف بأننا حين نمعن النظر في تكرار الموتيفات في شعر درويش، فلا بدّ أن يتضح لنا أنّ موتيف الموت هو أكثرها ورودًا (738 مرة). فله الحضورُ الأكبر في جميع مراحل درويش الشعريّة، وثمّةَ فارقٌ كبير بينَه وبين سائر الموتيفات كمّيًّا. يبدو لنا أنّ السياق الخارجيّ للشاعر، وما مرّ به من عدّةِ تجاربَ مع الموت قد انعكست بشكل جليّ في شعره، إضافة إلى عَلاقة موتيف الموت بالتجربة الجماعيّة، التي مثّلها درويش.

يتلو هذا الموتيف في الترتيب موتيفُ الأرض( 493 مرة) ثمّ الِاسمُ( 440 مرة) ثمّ البحر(418 مرة) ثمّ الذاكرة(403 مرة). هذه الموتيفات الخمسة أكثر الموتيفات تكرارًا لدى درويش. ويبدو الأمرُ واضحًا، لأنّ الأرضَ محورُ الصراع، أمّا الاسم والذاكرة فهما عنصران أساسيّان في تشكيل الهُويّة. أمّا البحر فهو انعكاس لتجربة السفر والرحيل والمنفى لدى الشاعر. وهذه الدلالات تنتظم تقريبًا جميعَ الموتيفات. فلكلّ موتيف هناك موتيفاتٌ مصاحبة مثل موتيف الأرض، الذي يصاحبُه موتيفُ الوطن(142مرة) والبلد(231 مرة.)

يخلص الباحث حمزة إلى القول: "إنّ التحوّل الذي طرأ على شعر محمود درويش يمثّل الانتقال من رؤية الحدث إلى أثر الحدث، ومن التفاعل الماديّ مع الفعل إلى استشرافه وتأمِّله، ومن الحضور إلى الغياب. قد يكون ذلك تطوّرًا أساسيًّا عند كلّ شاعر كبير. لكنّ درويش مزج بين الخاص والعام؛ بين جرحه وجرح شعبه؛ بين موته الذاتيّ وبين موت شعبه. وكان الصراع بين الأيديولوجي والجماليّ هو شغلُه الشاغل؛ أي كيف يوازن بين معطياتِ القصيدة الحاضرةِ في المكان والزمان، وبين تحويلِها إلى مشروع جماليّ  يتقدّم فيها الفنيّ، ويتوارى فيها الآنيُّ الشفّافُ عن الواقع."

 يسهم هذا المعجم، الذي يعتبر الأول من نوعه في الشعر العربي الحديث،  في مساعدة الباحث في شعر درويش ودراسته، وقد يكون محفزًا لأبحاث أخرى تعالج مشاريع شعرية كبيرة في الشعر العربي المعاصر مثل وضع معجم للسيّاب، أدونيس، صلاح عبد الصبور ونزار قبّاني. فمن شأن ذلك أن ندرس الشعر العربيّ المعاصر بشفافيّة، وأن نقف  على مراحل تطورّه بشكل أكثر موضوعيّة.