في جماليات النص.. رؤية تحليلية ناقدة

فرج مجاهد عبد الوهاب

تأليف: د. أحمد زلط

عرض: فرج مجاهد عبد الوهاب

يتألف الكتاب من 222 صفحة مقسمة إلى قسمين:

الأول: في الأدب القصصي.

الثاني: في الشعر والشعر المسرحي

يتناول في القسم الأول خمسة من الأصوات الأدبية المتميزة وهي: محمد كمال محمد، ضياء الشرقاوي، د. محمد حسن عبد الله، أحمد الشيخ، حسني سيد لبيب.

ويرى أن محمد كمال محمد أحد الكتاب القلائل الذين يدمجون الأنا بالآخر أو الرومانسية بالحياة الواقعية، وفي عناق لا يخلو من منطق مع الواقع بكل مفرداته.. فتظل ذات الكاتب مركزاً لانطلاقه.. يحلق ويصور ثم ما يلبث أن يعود إلى نقطة البدء.. من داخله إلى كل ما هو خارجي، وقد ظهر ذلك بوضوح في مجموعة "البحيرة الوردية" التي تناولها الكتاب بالقراءة التحليلية الناقدة.

أما مجموعة "بيت الريح" لضياء الشرقاوي التي صدرت بعد وفاته فتحمل في ظاهرها شكلانية غير مألوفة، فقد عمدت إلى سبر أغوار أدبه، وهو مولع باسترفاد أصداء النماذج الغربية وتياراتها: مما أخذه دفعة واحدة للتحليق والمحاكاة، فأحدث فجوة بينه وبين ما هو مائل متجدد في فن القصة وبين ما هو جديد يتجاوز كلية الأنماط السائدة.

أما الدكتور محمد حسن عبدالله فقد جمع في مجموعة "حكاية زكي الهراس" بين عمدية الدور الاجتماعي الهادف من ناحية وبين عفوية أو تمرس الكتابة الفنية من ناحية ثانية، وإن كان وقع في أغلب القصص في أسر "التطويل" أو الطول النسبي، وموضوعات قصصه جميعاً تعني بتشريح علاقات (الفرد بالذات)، أو (الأفراد / المجتمع) في آمالهم وآلامهم.

ومجموعة "كشف المستور" لأحمد الشيخ كشفت الرؤية التحليلية الناقدة لها عن لجوء المؤلف إلى البناء الشكلي التقليدي. ولغة نمطية في السرد، أما الحوار فهو أكثر فنية والتحاماً مع معمارية بناء النصوص القصصية. والشخصيات عند أحمد الشيخ لها دورها الفني المتناغم مع بقية عناصر التشكيل.

وأخيراً يقدم الدكتور أحمد زلط قراءة قصصية لمجموعة "طائرات ورقية" للمهندس الأديب حسني سيد لبيب، يخلص منها إلى أن قصصه تحقق الأهداف الفنية التي قصدها في سياق اجتماعي ينشد المثال والحلم بهدف الإحياء بالتغيير للأفضل، عمدته البحث الدؤوب عن أناشيد البساطة المنسية والروح الاجتماعي الحق، ويرى أنه اقترب بمنطق المهندس من دلالات اللغة في التعبير، أو معمارية قواعد الفن الراسخة في التفكير.

في الشعر والشعر المسرحي

يحتوي هذا القسم على خمسة مباحث يتناول في أولها ديوان "مرايا النهار البعيد" لمحمد إبراهيم أبو سنة حيث تحمل الغنائية و"الدرامية" في النصوص فوق أجنحة الخيال العديد من الصور الفنية، وتلعب اللغة في جانبها الدلالي (المحسوس المجرد) مع ذهنية الشاعر دورها في بناء الكلية والجزئية.

والصورة في شعر محمد إبراهيم أبو سنة ممتدة في أغلبها، إلا حين يلجأ الشاعر إلى توليد صورة أخرى في معمارية النص، فتكون الصورة المولدة تتمة لدور الصورة الرئيسية أو تدور في سياقها، أو بالتناقض معها أو في الحالتين يدمج الشاعر (ذاته) مع اللغة والخيال وبقية مفردات النص.

ويتحدث ثاني مباحث هذا القسم عن مجموعة مسرحيات شعرية لأحمد سويلم ينتظمها تعدد الرؤى وتنوع الغايات، ويرى المؤلف أنها نماذج جيدة للتعبير عن الثراء لمسرح سويلم الشعري.

ويكشف الكتاب بعد ذلك عن صوت شعري متميز لم ينل حظه من كتابات النقاد وهو الشاعر محمد سعد البيومي مبدع المسرحية الشعرية (بلقيس) وهي دراما شعرية تجمع بين حقائق الدين وقواعد الفن دون وعظ مباشر أو خطابية فجة.

ويعقد المؤلف مقارنة بين المسرحية ومسرحية توفيق الحكيم "سليمان الحكيم" لنجد أن مسرحية بلقيس مغايرة تماماً للإبداع الفني عند توفيق الحكيم.. إنها مغايرة مرتكزة على الدين والتاريخ. أما توفيق الحكيم فقد استمد أحد مصادر عمله من التراث الأدبي الشرقي وبالتحديد من قصة "الصياد والعفريت" التي تروى في ألف ليلة وليلة.

وينقلنا المؤلف مرة أخرى إلى قضية أدب الطفل – وهو مغرم بتلك القضية وكتب فيها لعديد من الكتب - فيناقش في آخر فصول الكتاب ديوان الشاعر الدكتور حسين علي محمد الصادر عن رابطة الأدب الإسلامي العالمية تحت عنوان "مذكرات فيل مغرور" فيرى أن نظرية الإبداع للطفولة تتآزر مع مفهوم الشعر للأطفال في سائر قصائد الديوان، واستقراء النص الأول في الديوان يدلنا على عمق الحس الديني، وتكامل الرؤية الإسلامية عند الشاعر من خلال سرد قصصي مشوق على لسان أحد الفيلة للواقعة التاريخية الثابتة التي وردت في القرآن الكريم في سورة الفيل.

ولا شك أن سياحة الدكتور أحمد زلط وسط هذه الأعمال الإبداعية في النهاية قد أضافت بعداً جديداً لأبعاد القراءة النصية من خلال الرؤية التحليلية الناقدة المستمدة من ثقافة الباحث والتزامه بقضاياه.

وكنت أتمنى أن يقصر الباحث دراسته الفنية على بعض هذه المختارات، ليتسع مجال النقد الفسيح، لأن توالي الدراسات الموجزة عن هؤلاء جميعاً جعلنا لا ندرك أغوار المتحدث عنهم من الشعراء، كما لم تتح للناقد الفرصة في عرض ما استحسن ومؤاخذة ما يستحق المؤاخذة.