من المستشفى (3)

سعيد مقدم أبو شروق - الأهواز

مضى على أبي ثلاثة أيام في المستشفى، وبدل أن يتعافى ازدادت حالته سوءا،

حتى أصيب بجلطة دماغية أدخلته في غيبوبة.

حاولنا أن نتصبر، لكننا نتذكر حنانه وطيبة قلبه فتتغلب علينا العبرات...

وصرنا نزوره، نقلبه، نطيل النظر إلى الأجهزة التي تحيط به دون أن نعرف

منها شيئا سوى أنها تساعد قلبه في النبض، ونفسه في تعاقب زفيرها وشهيقها.

ونحمد لله على كل حال.

لم أخرج من عند أبي بعد عندما جاء ثلاثة شباب بشيخ عربي أصابته أزمة

قلبية فأودعوه في العناية الخاصة وتولوا عنه.

كان الثلاثة يتراطنون، بينما الشيخ لا يجيد الفارسية!

دفعني فضولي لأسأله عنهم، فقال إنهم أبناؤه!

ولم أطل الأسئلة الكثيرة التي كانت تجول في خاطري عن رطينهم وعن عربيته

نظرا لأزمته.

وكنت كلما أزور أبي، أجنح إلى هذا العجوز لأسأله إن كان يحتاج إلى أية

مساعدة، فكان يشكرني ويلوم أبناءه:

أينكم؟!

لماذا تركتموني هنا وغادرتم دون رجعة؟!

أهذا جزائي أيها العاقون؟!

ثم يكرر عتبه وشكواه بلغة فارسية عقيمة، وكأنهم أمامه!

وكنت أصبره وأنتحل الأعذار لهم رفقا بالرجل السقيم.

وبعد ثلاثة أيام وقد اجتاز أزمته القلبية، رخصه الطبيب؛ ولم يزره أحد!

وبقي الرجل جالسا على أحر من الجمر ينتظر أحد أبنائه!

اتصلت بهم الممرضة أكثر من مرة، ولم يجيبوا!

قال العجوز بصوت متهدج: أدري أنهم يتهربون من مصاريف المستشفى!

وبقي ينتظر يوما كاملا حتى طلبت مني الممرضة أن أتصل بهم من نقالي، لعلهم يجيبون.

وأجاب أحدهم، فأخبرته عن والده، لكنه لم يفهم من كلامي شيئا؛ فحولت

الجوال إلى الشيخ الضعيف ليتراطن مع ابنه العاق.

وجاؤوا بعد ساعات يتثاقلون في مشيهم، ورجعوا بأبيهم مكرهين.

وكنت أتساءل مع نفسي:

هل هناك علاقة بين اللغة الدخيلة وقساوة القلب؟!

هل ترك اللغة العربية يفقد المرء الحنان والبر والتذلل لوالديه؟!

ما رأيته اليوم جعلني أستيقن بوجود هذه العلاقة الوطيدة.

وسوم: العدد 792