ما أحلى الرجوع إلى الطبيعة!

نعماء محمد المجذوب

لحظات بهيجة تسربت إلى كياني وأنا بعيدة عن صخب المدينة .

هل ترفق بي الزمن بعد أن كان ضنيناً ؟

أم هي رحمة الله شملتني ، ودفعت بي إلى عالم مغاير؟

مشاعر لذيذة تحيط بي وأنا في سفر في بر، تسافر معها أحلامي إلى آفاق البراري والفضاء ، تسرح فيها روحي ، وكأن يداً رفيقة تأخذني إلى عالم التأمل في الطبيعة البكر، والبراءة من كل زيف وتصنع .

طرقات تتلوى بحذر حيناً ، ورعونة حيناً آخر في الأرض الفسيحة ، وبين تلال وتلاع تخفيها في طياتها غامضة محيرة ، سرعان ما تنجلي بإشراقة وبهجة .

خيام البدو متناثرة في كل ناحية ، يداعب النسيم ذوائبها ، ويراقص اللهب في الموقد ، وينشر رائحة الخبز المشوي فوق الجمرات .

أطير بجناحين غير مرئيين ، أقف عند أفراد البدو ، أرى صغارهم يجرون حفاة ، أشبه بالعراة ، يقفزون بخفة فوق الحصى ، تلوح وجوههم أشعة الشمس بسمرة عشقتها الطبيعة ، .. ثم أراني أقارن بينهم وبين صغارنا ، أبشارهم تكاد تنفجر من الشفافية والغضاضة ، لم تعركهم الحياة ، ولم يعركوها ، ولم تنغرس أقدامهم بتراب الأرض ، ولم تجرحها الحصى والشوك .

ابتسمت وقلت بغيرة :

ـ أغبطك يا بدوي ، يا أليف الطبيعة ، عقدت صداقة ومحبة معها .

خذ عيشي في المدن ، من خلف الجدران الكثيفة ، من الأمكنة المحدودة بحواجز الحضارة ، دعني أحيا زمناً في خيمتك ، تتسلق عيناي كل أفق ، أمتطي الغيمات ، أقبل أزهار البرية ، أنتشي بعطرها ، أتأرجح بفروع الأيكات ، أستمتع بزقزقة الطيور، وأرتوي من الغدران الرقيقة ، وأتذوق ثمار البرية .

آه ! أراني أرتعد ، ماذا دهاني ؟

فقفزت وأنا في موقعي من الخيال ، نظرت بين قدمي ... هل أحتمل رؤية عقرب أو أفعى ؟

لا ، لا ....

إذن ... فلأكتف بالخيال ، وأتذوق متعته ، من خلال لحظات التأمل والمقارنة .

حقاً :

البدوي صديق كل شيء في الطبيعة ، ونحن صديقنا التأمل الشفاف في الكون ، والإيمان بالله بديع السموات والأرض .

ضحكت باصفرار، تساءلت :

هل نحن نعيش في صفاء ونقاء ، أم يلازمنا الخوف والشقاء ؟

إننا مع عقارب وأفاعي ، وذئاب كواسر تغزونا من أرض الحضارة والفساد ، وتلدغنا في أعماقنا ، وفي عقيدتنا وإسلامنا ، وتمزق أجسامنا .

لهفي علينا .

ما أحلى الرجوع إلى الطبيعة ، والعيش مع وحوشها ، إن لم نؤذها لم تؤذنا .

وسوم: العدد 796