صالة و خشوع

حسين راتب أبو نبعة

حسين راتب أبو نبعة

[email protected]

جامعة الملك عبد العزيز

كلية المعلمين بمحافظة جدة

أصابتني موجة من القشعريرة و بدأ العرق يتصبب من عموم الجسد، لم يكن بمقدوري فعل شئ سوى التقلب في فراشي  ، و يبدو إن شيئا ما يشبه الغيبوبة قد  اعتراني فظن الأهل أنني قد فارقت الدنيا بعد أن حاولوا تحريك يدي التي أصابها ارتخاء و جسدي الذي ألم به خوار و ضعف.

الغريب في الأمر أنني كنت أسمع همسهم و عويلهم و كنت قادرا على تمييز بعض الأصوات  الثكلى.

كادت الصدمة و أنا استمع إليهم تعيد الوعي الي غير أني تمنيت أن تطول فلعلي اطلع على مكنونات الأنفس و خلجات الضمير الخفية التي كانت تغطيها مسحة النفاق.اختلف القوم على أي المشافي يرسلونني للتأكد من صحة ما اعتقدوا ، و بعد احتدام النقاش أجمع ثلتهم على إرسال جثتي إلى احد المشافي المحلية المشهود لها بالترهل الإداري و الطبي. تم ترتيب إجراءات الدفن على عجل و ما هي الا سويعات حتى كان موكب الجنازة يتجه نحو مقبرة في منطقة وعرة المسالك كئيبة الخدمات.سمعت في المقبرة بعض نحيب و طرق مسامعي موعظة أحد الشيوخ حول حقارة امر الدنيا قياسا بنعيم الآخرة الدائم، و  ذكر الحضور بضرورة مراجعة النفس و التوبة قبل فوات الأوان.

تقاطر المعزون من أقارب و أصدقاء على مدار ايام العزاء الثلاثة التي أعقبت رحيلي.

في اليوم الأول كان هناك كثير من الدموع والخشوع و الحزن و تم تقديم التمور و القهوة و المياه المعدنية، أما في اليوم الثاني فتناقصت الأعداد و جفت الدموع و اقتصر الواعظون المتطوعون في  مثل هذه  المناسبات الحزينة على موعظة  قصيرة امتدت لبضع دقائق و انصرف المعزون بعد أن تم تذكيرهم بالحضور في اليوم الثالث لتناول طعام الوضيمة، شوهدت في اليوم الختامي بعض الابتسامات و الأحاديث الجانبية حتى إن ملامح الحزن بدأت تختفي عن قسمات الحاضرين. كانت الصالة تعج  بالمعزين حيث قدمت أطباق المناسف وأعقبها تناول بعض الحلوى .

 لم يؤلمني موتي كثيرا بل أحزنني سرعة إلقائي في الحفرة و سرعة القوم و هم يهيلون التراب فوقي ، و لكن ما أن وضع أحدهم الماء البارد على جبيني حتى نهضت من فراشي و أفقت من غيبوبتي و حمدت الله إن الأمر لم يكن سوى أضغاث أحلام.

قاص من الاردن