النبي لوط عليه السلام

النبي لوط عليه السلام

أحمد صرصور

جلس نبي الله ابراهيم عليه السلام في احد ايام الصيفية تحت شجرة البلوط (ما زالت متواجدة الى اليوم)  حيث اعتاد ان يخلد في قيلولة الظهر مضجعا. واذا بثلاثة شبان يقتربون منه.  بعد ان القوا سلام الله عليه, قام ابراهيم بذبح عجل وشويه في النار لاكرام ضيوفه. لكن لم تمتد ايديهم للطعام فأثار ذلك استغراب ابراهيم فأخبروه انهم رسل(جبريل.اسرافيل.ميكائيل) بعثهم الله اليه ليبشروه بمولود من زوجته سارة العقيم التي تعدى عمرها التسعين عام وهو شيخ ابن مائة عام. وبشّره باسحاق ومن بعده يعقوب. كما واخبروه انهم في طريقهم الى خسف قوم لوط وهو نبي ذو صلة قرابة لابراهيم( ابن اخ ابراهيم ).

كان لوط يعيش مع عمه ابراهيم في الخليل فارسله الله الى خمسة قرى مجاورة (سدوم .عموره.أدما.صبويم.بالع). تواجدت شرقي جنوب الخليل وتبعد عنها عدة عشرات من الكيلو مترات(70 كم). ارسله الله الي تلك القرى لينذر اهلها ويهديهم الى الصراط المستقيم بعد ان كفروا بما انعم الله عليهم من رزق وفير وزاولوا الفحشاء والمعاصي اذ كانوا يأتون الذكران من دون النساء. 

تزوج لوط من احدى بنات اشراف قرية (سدوم) وانجب منها بنتين(ريثا.اوليثا). جاءهم لوط نذير بعقاب ان لم يهتدوا ويكفّوا عن ممارسة هذه الذنوب وغيرها من المعاصي. لكنهم استكبروا ورفضوا النصيحة بالهداية واصرّوا على طرد لوط وذريته من قرية سدوم التي كان يعيش فيها. فهو ليس كباقي الانبياء الذين بعثوا في اقوامهم. استمرت دعوته بينهم عشرات السنين. لم يؤمن احد معه, وما صبرهم  عليه الا بحكم انسابه من اشراف القوم. ولما فقد الامل من ايمانهم وتوبتهم عن المعاصي واتيان الفواحش والرذيلة, دعا الله ان يحل بهم العقاب.

بعد ان اخبر الرسل ابراهيم بدنو العقاب, قلق ابراهيم على ابن اخيه لوط من عواقب الخسف فطمأنته الرسل ان الله سينجيه واهله .

لم يهدأ لابراهيم بال, فتوجه الى جهة الشرق الجنوبي (مدينة بني نعيم الان) ونزل في مرتفع مشرف على مدائن لوط ( القرى الخمسة) ليرى الخسف بعينيه وينتظر لوط بعد نجاته ويطمئن عليه. وبعد ان تم الخسف على مرأى ومسمع ابراهيم وتيقن(لذلك يدعى هذه المرتفع ياقين) من وصول لوط سالما الى هذا الموقع خرّ ساجدا  لله على صخرة صلدة (ما زالت موجودة حتى يومنا هذاوعليها أثار قدميه محفورتين فيها).

لكنه لم يكن يعلم ماذا يجري في تلك اللحظة في قرية سدوم حيث وصلت الملائكة مساء(على هيئة شباب في ابهى جمال) الى اطراف قرية سدوم وبالتحديد مزرعة النبي لوط فقد كان من اغنياء القوم, صاحب املاك, اراضي زراعية ومواشي.

في تلك المزرعة تواجدت في هذه الاثناء ابنتا لوط  فاخبرها الشباب انهم بصدد من يستضيفهم للمبيت.

ما ان رأت ابنتا لوط جمال هؤلاء الشباب  حتى ادركتا حجم الكارثة قبل حدوثها . فالكارثة كبيرة اذا علم بهم اهل سدوم. لذلك وعلى تسرع طلبتا من الضيوف عدم ترك المزرعة حتى تاتيان بابيهم لوط. وما هي الى فترة وجيزة حتى حضر لوط على عجل.

حاول لوط اقناعهم ان يتركوا (سدوم) ويستمروا في سفرهم فان اهلها اناس اشرار.  لكن اصرارهم على ان يبيتوا في منزله رغم تكرار تحذيرهم ثلاثة مرات, جعله يقودهم الى بيته ليلا كي لا يراهم اهل القرية.

ما ان رأت زوجة لوط جمال ضيوف زوجها حتى هرعت الى اهلها تبشرهم بصيد ثمين يلبي معاصيهم وشذوذهم. فهذه ثقافة اهل تلك القرى حتى اصبحوا يتفاخرون بمعصية اتيان الذكور بينهم.

بينما كان لوط جالسا الى ضيوفه قلقا وخائفا ان يعلم احد بوجود ضيوف عنده. فهو لا يملك القوة لحمايتهم. واذا بباب الفناء يُطرق بشدة.

جزع لوط من الطارقين وايقن ان الكارثة واقعة لا محالة فاقفل باب الغرفة على ضيوفه وخرج ليحاول منع الشواذ من الدخول.

عرض  لوط  عليهم الزواج من أي بنت يريدونها في القرية على نفقته الخاصة مقابل ان لا يقتربوا من الضيوف. فكان جوابهم: يا لوط انت تعلم ان لا رغبة لنا في النساء وانا عازمون على ان نظفر بضيوفك.

تدفق الشواذ على الباب بقوة جعلت لوط يتركه ويتراجع الى باب الغرفة متوسلا اليهم ان يبتعدوا عن ضيوفه فتارة يخاطب العقلاء فيهم وتارة يساومهم وهو مقفل الباب بجسده كي يمنعهم الدخول.

وما أثار استغراب لوط ان الضيوف كانوا يجلسون بهدوء لا يبالون بمصيرهم. ومع  ازدياد ضربات القوم على الباب, صرخ لوط في لحظة يأس خانق: يا ليت لو اني املك قوة اصدهم. (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ).

 عندما بلغ الضيق ذروته. تحرك ضيوفه ونهضوا فجأة. وأفهموه أن يأوي إلى ركن شديد. وقالوا له: لا تجزع يا لوط ولا تخف. نحن ملائكة. ولن يصل إليك هؤلاء القوم. ثم نهض جبريل عليه السلام، وأشار بيده نحو الشواذ إشارة سريعة، جعلتهم يفقدون ابصارهم فاخذوا يتخبطون في تحركاتهم عائدون الى بيوتهم يتحسسون الطرقات, يهددون ويتوعدون لوط بانهم سيعودون في الصباح والنيل منه ومن ضيوفه.

ثم اخذ حبريل حفنة من التراب ورشها على كل سكان القرى الخمسة فاصابهم العمى كما اصاب الاولين فباتوا لا يبصرون ليأتيهم العذاب وهم لا يرون.

امرت الملائكة لوط ان يصطحب اهله واغنامه وان يسيروا تاركين القرية في اتجاه الغرب حيث عمه ابراهيم. كما وامروهم ان لا يلتفتوا الى الخلف مهما سمعوا اصواتا غريبة. وما ان قطعوا عدة كيلو مترات حتى لاحت بشائر الفجر في السماء معلنة قدوم الصباح وهي موعد خسف قوم لوط.

ضرب جبريل بجناحه الايمن الجهة الشرقية لحدود القرى الخمس, وبجناحه الايسر الحدود الغربية فاقتلع هذه القرى ورفعها  الى كبد السماء عاليا وابقاها معلقة حتى ان الملائكة في السماء سمعوا صياح ديوك القرى ونباح كلابها التي استنفرت من رهبة الحدث.

واتى امر الله وهوى بها جبريل ليحول اسفلها اعاليها ولم يكتف الله يهذه الطريقة في الخسف بل امطرهم بحجارة من سجيل مسمومة ومختومة كل حجر باسم صاحبه منهم واغرقهم بماء مالح ممزوج بالكبريت كي لا يبقي ولا يذر منهم احد. وغارت بهم الارض الى مئات الامطار خاصة موقع قرية سدوم وعموره فهما كانتا مسرح المعاصي ووكر الشواذ.( اليوم البحر الميت)

لم ينج من هذا الخسف الا اهل بيت لوط فبينما ابتعد لوط واهله عن قرية سدوم , وبلج الصباح وبدأت اصوات الخسف الرهيبة المرعبة تدوي في الاجواء ولوط واهله سائرون الى الامام لا يلتفتون الى الخلف. التفت زوجته لترى ما حل باهلها مخالفة اوامر وتعليمات الملائكة فاصابها حجر من سجيل حولها الى صنم مالح ما زال منتصبا في وسط الطريق بين الخليل ومنطقة الخسف.

 وصل لوط وابنتاه الى المرتفع الذي كان عمه ابراهيم ينتظر فيه نجاتهم واقام فيه حتى وفاته حيث يتواجد ضريحه في مدينة بني نعيم.