صَابِرْ..

محسن عبد المعطي عبد ربه

محسن عبد المعطي عبد ربه

[email protected]

اَلْوَلَدُ صَابِرٌ ، اسْمٌ عَلَى مُسَمَّى ، هَلْ تَدْرُونَ لِمَاذَا سَمَّاهُ أَبُوهُ بِهَذَا الِاسْمِ ؟! سَمَّاهُ بَعْدَ أَنْ قَرَأَ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ تُبَيِّنُ فَضَائِلَ الصَّبْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ  بِغَيْرِ حِسَابٍ (10))) سُورَةُ الزُّمُرِ ، كَمَا قَرَأَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى -اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ : (إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْـأَلُ اللَّهَ تَعَالَى خَيْراً مِنْ أَمْرِ الدُّنْـيَا وَالْآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْـلَةٍ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (رِيَاضُ الصَّالِحِينَ )   فَـبَاتَ وَالِدُ صَابِرٍ يَسْهَرُ وَحْدَهُ بَعْدَ أَنْ يَنَامَ الْجَمِيعُ يُنَاجِي رَبَّهُ فِي سَاعَةٍ مُتَـأَخِّرَةٍ مِنَ اللَّيْلِ ، يَدْعُو لِابْنِهِ صَابِرٍ أَنْ يَكُونَ مِنَ السَّائِرِينَ عَـلَى طَرِيقِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، دَخَلَ صَابِرٌ الْحَضَانَةَ ، وَحَفِظَ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ، جُزْءَ عَمَّ وَجُزْءَ تَـبَارَكَ وَجُزْءَ قَدْ سَمِعَ، وَتَعَلَّمَ الْكَثِيرَ مِنَ اللُّغَاتِ ، وَبَعْدَ ذَلِكَ الْـتَحَقَ صَابِرٌ بِالْمَدْرَسَةِ الاِبْتِدَائِيَّةِ وَكَانَ لَهُ قِصَّةٌ عَجِيبَةٌ مَعَ مُدَرِّسِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالتَّرْبِيَةِ الدِّينِيَّةِ ، فَقَدْ كَانَ الْكَثِيرُ مِنَ التَّلاَمِيذِ عِنْدَمَا يَقُومُونَ لِقِرَاءَةِ مَوْضُوعَاتِ الْمُطَالَعَةِ يُخْطِئُونَ أَخْطَاءً جَسِيمَةً ، وَكَانَ صَابِرٌ – مَا شَاءَ اللَّهُ عَـلَـيْهِ – لاَ يُخْطِئُ فِي حَـرْفٍ وَاحِدٍ ، وَلاَ حَـتَّى فِي شَكْـلَةٍ ، فَسَـأَلَهُ الْأُسْـتَاذُ ، مَا سِرُّ تَفَوُّقِكَ فِي الْقِرَاءَةِ يَا صَابِرُ ؟! أَجَابَ صَابِرٌ: الْقُرْآنُ يَا أُسْـتَاذِي ، حِرْصِي عَلَى تِلاَوَتِهِ ، تَصْمِيمِي عَلَى حِفْظِهِ ، صَـبْرِي عَلَى مُرَاجَعَتِهِ ، قَالَ الْأُسْـتَاذُ / حقاً يَا صَابِرُ ، \ الْقُرْآنُ بَابُ النَّجَاحِ ، وَمَـنْـبَعُ الْكِفَاحِ ، وَمَنْ عَلِمَ عِلْمَهُ بَزَّ أَقْرَانَهُ ، وَ تَفَوَّقَ عَلَيْهِمْ ، وَذَاتَ يَوْمٍ أَلْقَى صَابِرٌ كَلِمَةً مَا أَرْوَعَهَا ! وَكَانَ يَتَحَدَّثُ عَنْ مَبَادِئِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى -اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْهَا: الْإِيمَانُ وَالْعَزْمُ أَسَاسُ النَّجَاحِ،الْوَفَاءُ لِلْأَصْدِقَاءِ وَالشِّدَّةِ مَعَ الْأَعْدَاءِ ، وَعِنْدَمَا أَنْهَى صَابِرٌ كَلاَمَهُ عَنِ الْعُنْصُرِ الْأَوَّلِ ، طَلَبَ مِنْهُ الْأُسْـتَاذُ  أَنْ يَكْـتَفِيَ بِهِ ، نَظَراً لِانْتِهَاءِ وَقْتِ الْإِذَاعَةِ ، وَفِي صَبِيحَةِ الْـيَوْمِ التَّالِي طَلَبَ مِنْهُ الْأُسْـتَاذُ أَنْ يُكْمِلَ حَدِيثَهُ ، فَـأُعْجِبَ بِهِ الطُّلاَّبُ ، وَصَفَّقُوا لَهُ بِأَيْدِيهِمْ كَمَا صَفَّقَتْ لَهُ قُلُوبُهُمْ ، وَ تَنَافَسَ الطُّلاَّبُ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بَعْدَ أَنْ عَرَفُوا أَنَّهُ سَبَبُ تَفَوُّقِ صَابِرٍ، تَخَطَّى صَابِرٌ الْمَرْحَلَةَ الِابْتِدَائِيَّةَ وَالْإِعْدَادِيَّةَ وَالثَّانَوِيَّةَ وَالْجَامِعِيَّةَ بِاقْتِدَارٍ وَتَفَوُّقٍ وَأَصْـبَحَ طَبِيباً مَاهِراً يَقْصِدُهُ الْمَرْضَى مِنْ كُلِّ صَوْبٍ وَنَاحِيَةٍ ، يَتَسَارَعُونَ فِي تَسْجِيلِ أَسْمَائِهِمْ لِلْكَشْفِ عَلَيْهِمْ ، وَالرَّجُلُ الَّذِي يَـأْخُذُ قِيمَةَ الْكَشْفِ وَيُسَجِّلُ الْأَسْمَاءَ يَقُولُ لَهُمْ : الصَّـبْـرُ يَا جَمَاعَةُ ، وَهُمْ سُعَدَاءُ فَرِحُونَ مُتَفَائِلُونَ بِالدُّكْـتُورِ صَابِرٍ، يُرَدَّدُونَ قَوْلَهُ تَعَالَى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) سُورَةُ الْـبَقَرَةِ.